تزايد مشاعر الخوف في ألمانيا وسط جدل حول الهجرة والأمان العام
تزايد مشاعر الخوف في ألمانيا وسط جدل حول الهجرة والأمان العام
كشف استطلاع حديث أجراه معهد "سيفي" لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من مجموعة "فونكه" الإعلامية الألمانية، عن تصاعد القلق بين الألمان تجاه الأمن في الأماكن العامة، إذ أكد نصف السكان تقريبًا أنهم لا يشعرون بالأمان في العديد من المواقع داخل المدن، في وقت تتزايد فيه حدة النقاش السياسي حول تأثير الهجرة على الحياة اليومية في ألمانيا.
أظهر الاستطلاع، الذي شمل 5 آلاف مشارك فوق سن 18 عامًا وأُجري عبر الإنترنت في الفترة من 23 إلى 27 أكتوبر الجاري، أن 55% من النساء و49% من الرجال قالوا إنهم لا يشعرون بالأمان في أماكن مثل وسائل النقل العامة، والمهرجانات، والحدائق، والنوادي، والحانات، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، اليوم الأربعاء.
وأوضح أن محطات القطارات والنوادي الليلية كانت الأكثر إثارة للشعور بعدم الأمان، إذ قال فقط 17% من المشاركين إنهم يشعرون بالأمان في المحطات، بينما انخفضت النسبة إلى 14% بين النساء في هذه المواقع.
وأظهر التقرير أيضًا أن 71 من النساء و68% من الرجال يشعرون اليوم بأمان أقل مما كانوا عليه في عام 2015، فيما قال 26% فقط إن شعورهم لم يتغير، هذه الأرقام، بحسب محللين ألمان، تعكس تحولًا في المزاج الاجتماعي وتزايد الإحساس بالخطر، سواء كان فعليًا أو متخيّلًا، في ظل النقاشات المستمرة حول الهجرة والاندماج.
الخوف والانقسام الحزبي
كشف الاستطلاع عن اختلاف واضح في المواقف تبعًا للانتماء الحزبي؛ إذ أفاد 96% من أنصار حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، و87% من مؤيدي الحزب الديمقراطي الحر، و82% من أنصار الاتحاد المسيحي، بأن شعورهم بالأمان تراجع بوضوح.
في المقابل، قال غالبية مؤيدي حزب الخضر (65%) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (55%) إنهم لا يلاحظون تغيرًا كبيرًا في شعورهم بالأمان مقارنة بعام 2015، ما يعكس الانقسام السياسي الحاد حول العلاقة بين الهجرة والأمن العام.
وأثار المستشار الألماني فريدريش ميرتس عاصفة سياسية مؤخرًا بعد تصريحاته التي تحدث فيها عن "صورة المدن المقلقة" بسبب الهجرة، معتبرًا أن شكل المدن الألمانية قد تغيّر نتيجة “جرائم العنف المرتبطة ببعض المهاجرين”، واعتبر كثيرون حديثه خطابًا عنصريًا يُغذي مشاعر الخوف والانقسام.
الشعور بعدم الأمان
في مقابلة مع موقع "تيبل بريفينغ" مساء الاثنين، دافعت وزيرة الصحة ورئيسة اتحاد النساء في الحزب المسيحي الديمقراطي نينا فاركن عن تصريحات ميرتس، قائلة: "النساء في ألمانيا، سواء الشابات أو الكبيرات في السن، يشعرن بعدم الأمان في الأماكن العامة، ويتجنبن بعض المواقع ويحملن بخاخ الفلفل للدفاع عن أنفسهن".
وأضافت: "نعم، هناك أماكن أصبحت محظورة على النساء عمليًا".
وأكدت فاركن أن الهجرة جزء من المشكلة، مشيرة إلى ارتفاع معدلات جرائم العنف وتورط عدد من الأجانب فيها. وقالت: "النساء يتحدثن عن مواقف مزعجة مع رجال من خلفيات مهاجرة. هذا واقع لا يمكن تجاهله".
اتهامات بالعنصرية وردود فعل
واجه ميرتس انتقادات حادة من أحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية، اتهمته بـ"تعميم الاتهام على المهاجرين" وبتغذية خطاب الكراهية الذي يصب في مصلحة حزب "البديل من أجل ألمانيا". ورد ميرتس على الاتهامات قائلاً: "ليس لدي ما أعتذر عنه، اسألوا بناتكم عن شعورهن في الشوارع".
وفي محاولة لاحتواء الجدل، أوضح المستشار لاحقًا أن ألمانيا "بحاجة إلى الهجرة، خصوصًا لسوق العمل"، لكنه شدد على أن المشكلة تتعلق بـ"من لا يملكون إقامة دائمة ولا يلتزمون بالقوانين".
ورغم ذلك، استمرت التظاهرات في عدد من المدن رفضًا لتصريحاته، فيما أظهر استطلاع للرأي أن 47% من الألمان أيدوا تصريحاته مقابل 42% رأوها سلبية.
خوف يتجاوز السياسة
يرى محللون أن تصاعد الشعور بعدم الأمان في ألمانيا لا يرتبط فقط بعوامل موضوعية، بل أيضًا بالتغطية الإعلامية المكثفة لقضايا الجريمة والهجرة، وبنقاشات سياسية تستغل هذه المشاعر لكسب التأييد الانتخابي.
ومع اقتراب الانتخابات الإقليمية المقبلة، تبدو قضايا الأمن والهجرة على رأس أولويات الخطاب العام في البلاد، وسط تحذيرات من أن يؤدي تصاعد خطاب الخوف إلى تآكل الثقة في التعايش الاجتماعي داخل المدن الألمانية.











