مشروع رقم الهوية الجديد.. كيف تحوّلت البيانات الحكومية في المكسيك إلى أداة تتجاوز الحقوق؟

مشروع رقم الهوية الجديد.. كيف تحوّلت البيانات الحكومية في المكسيك إلى أداة تتجاوز الحقوق؟
المكسيك

اعتمدت حكومة المكسيك في الأشهر الأخيرة حزمة تشريعات وإصلاحات تسمح بجمع وربط وتحليل بيانات بيومترية ومالية وضريبية وصحية واتصالات وسجلات المواقع الجغرافية لجميع المواطنين، وذلك ضمن مشروع لتحديث رمز التسجيل السكاني الفريد (CURP) وتحويله إلى هوية رقمية بيومترية إجبارية، وحذّرت منظمة حقوق الإنسان الرقمية (ARTICLE 19)، المكسيك، من أن هذا النظام، الذي تديره جهات مدنية وعسكرية، يفتقر إلى ضمانات فعالة ويُمثّل انتكاسة في مجال حقوق الإنسان.

من بين الأحكام الأكثر إثارة للقلق: إدماج البيانات الحسّاسة في المنصة الحكومية تحت رمز التسجيل السكاني البيومتري، وإنشاء منصة استخبارات مركزية تتيح لوكالات الأمن الوصول في الوقت الفعلي إلى قواعد بيانات عامة وخاصة دون إذن قضائي، إضافة إلى صلاحيات لتحديد الموقع الجغرافي الآني حتى للقوات العسكرية دون أمر قضائي مسبق وفق منظمة حقوق الإنسان الرقمية. 

وبحسب تقرير منصة "بيومترِك أوبديت"، فإن التعديلات التي أُعلِنت في يوليو 2025 تجعل مشروع الـCURP البيومتري إلزاميًّا بحلول فبراير 2026، متضمناً بيانات بصمة الأصابع ومسح قزحية وهويات رقمية.

أسباب الدفع نحو المركزية في البيانات

ترى الحكومة المكسيكية أن تحديث أو توسيع المنظومة الرقمية ضروري لتعزيز فعالية الخدمات العامة، مكافحة الاختفاءات، وربما مواجهة الجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، فالتحديث يُقدَّم كخدمة أو كأداة لتحسين الربط بين قواعد بيانات الدولة. مثلاً، التعديلات تسمح بربط منصة الهوية الموحدة بـ«سجل الأشخاص المفقودين» ومعمل البيانات الجنائية. 

لكن المراقبين والناشطين يشيرون إلى أن هذا الدفع نحو الرقمنة جاء دون مشاركة فعلية للمجتمع المدني أو ضمانات شفافة، ما يفتح الباب لانتهاكات منهجية تخص الحق في الخصوصية والحياة الخاصة. 

تداعيات إنسانية وقانونية مترامية

هذه التشريعات لا تُعدّ مجرد تغييرات تقنية، بل تمس حياة الأفراد وحقوقهم الأساسية، عندما يصبح من الضروري تقديم البيانات البيومترية للوصول إلى الخدمات العامة أو الخاصة، يرتفع خطر الاستبعاد الاجتماعي أو الرقابة غير المبررة.

منظمات مثل مادة 19 تحذّرت من أن النظام المركزي للبيانات يمكن أن يستخدم كأداة لاستهداف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومنعهم من العمل بحرّية أو دفعهم إلى الصمت خوفاً من الكشف والملاحقة. 

كما أن غياب إشعار الأفراد عندما تُعرض بياناتهم أو تُستخدم يعني أن التحكم بالبيانات والتدخل فيها يصبح ضعيفاً أو معدوماً، ما ينشئ بيئة رقابية متنقلة يصعب تحديدها أو محاسبتها. 

من الناحية القانونية، فإن ربط منصّة الهوية الموحدة بقواعد بيانات الاتصالات أو الصحة أو المالية، وإتاحتها لأجهزة الاستخبارات دون إحالة قضائية مسبقة، يُشكّل خرقاً لالتزامات المكسيك بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي تُضمن الحق في الخصوصية، والحق في عدم التعرّض لتدخّل تعسفي في الحياة الخاصة، والحق في الحماية القانونية من المعالجة غير المبرّرة للبيانات الشخصية.

ردود الفعل والمواقف الدولية

أطلقت منظمة (ARTICLE 19) بياناً يحذّر من أن ما يحدث في المكسيك يُمثّل سابقة إقليمية خطيرة، كما رصدت جماعات حقوقية رقمية محلية مثل شبكة الدفاع عن الحقوق الرقمية (R3D) قلقاً من أن البيانات البيومترية قد تُستخدم في مراقبة المواطنين على نحو شامل. 

على صعيد القوانين، سنّت المكسيك في مارس 2025 مجموعة من التشريعات الجديدة في مجال الشفافية وحماية البيانات، من بينها القانون العام للشفافية والوصول إلى المعلومات والقانون العام لحماية البيانات الشخصية في حيازة الجهات العامة والقانون الفيدرالي لحماية البيانات الشخصية في حيازة الأشخاص الخاصة، لكن النقاد يقولون أن هذه القوانين الجديدة ترافقت مع إلغاء هيئة استقلالية كانت تشرف على حماية البيانات (INAI)، وتحويل صلاحياتها إلى وزارة ضمن السلطة التنفيذية، ما يقلل من الضوابط على التجمع المركزي للبيانات.

انتهاكات حقوقية

تقرير بيومترِك أوبديت أوضح أن نظام الـCURP البيومتري سيكون إلزامياً لجميع المواطنين بحلول فبراير 2026 فيما أوقفت محكمة ولاية يوكاتان مؤقتاً تطبيق جمع البيانات البيومترية، مشيرة إلى انتهاك الدستور والمخاطر المتعلقة بالخصوصية، وأظهرت دراسة أن النظام الجديد يدمج بيانات من القطاعين العام والخاص، ويفتح الوصول لوكالات الاستخبارات بدون إذن قضائي، ما يُشكّل بيئة مراقبة واسعة النطاق. 

سياق الرقابة والبيانات في المكسيك

لم تنبت هذه المبادرات في فراغ، فالمكسيك شهدت على مدى سنوات جدلاً متجدداً حول السجلات البيومترية وقواعد بيانات الاتصالات، خصوصاً مع مشروع سجل مستخدمي الهاتف المحمول والمخاوف من جمع بصمات الأصابع والتعرف على الوجه دون إشراف قضائي.

كما أن الاتجاه العالمي نحو تعزيز الهويات الرقمية والبيومتريّة، والإدراك بأن الحكومات تستثمر في بيانات الأغلبية، يضع المكسيك ضمن سياق أكبر من التوتر بين أمن الدولة والحقوق الرقمية.

حماية الحقوق والاستقرار الديمقراطي

تتطلب الأزمة المكسيكية  وفق توصيات المنظمات الحقوقية تدخلاً عاجلاً لضمان أن جمع البيانات لا يُحوّل إلى أداة للرقابة ولا يقضي على الخصوصية والحقوق الأساسية ومن بين الخطوات الملحّة إجراء تقييم أثر مستقل لحقوق الإنسان قبل تنفيذ أنظمة الهوية البيومترية، وضمان إشراف قضائي مسبق وشفافية حول استخدام البيانات من الأجهزة الأمنية والعسكرية، مع تمكين الأفراد من حق الاطلاع والإصلاح والحذف في بياناتهم وفقاً للمبادئ الدولية، وكذلك تعزيز استقلال الهيئات الرقابية والإشرافية على حماية البيانات والخصوصية، وعدم نقلها إلى أجسام تنفيذية خاضعة للحكومة، إضافة إلى إشراك المجتمع المدني وخبراء الحقوق الرقمية في تصميم التشريعات وتنفيذها ورقابتها.

وتؤكد آراء حقوقية أن قبول المكسيك بأن حماية الحقوق الرقمية ليس خياراً بل ضرورة ديمقراطية سيكون اختباراً حقيقياً لقدرتها على تحقيق التوازن بين الأمن والمساءلة، بين التقنية والحرية



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية