المساجد هدف جديد لليمين المتطرف.. من يحمي قيم التعايش في بريطانيا؟

المساجد هدف جديد لليمين المتطرف.. من يحمي قيم التعايش في بريطانيا؟
احتجاجات ضد الإسلاموفوبيا في بريطانيا

في مشهد يعكس تنامي العداء ضد المسلمين في المملكة المتحدة، حذّر الباحث البريطاني يحيى بيرت، مدير الأبحاث في معهد أعيان اللندني، من تصاعد الهجمات التي تستهدف المساجد، متهماً الخطاب السياسي السائد في البلاد بأنه يغذي موجة الكراهية بدل الحد منها، مؤكدا أن ما يجري ليس مجرد أفعال فردية، بل هو نتاج مباشر لخطاب سياسي وإعلامي متطرف جعل التحريض على الإسلام جزءاً من النقاش العام.

وجه جديد لتطرف قديم

وفق تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول الخميس، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في الاعتداءات على المساجد ودور العبادة الإسلامية في بريطانيا، فخلال عام 2025 وحده، وثّقت مؤسسات إسلامية محلية أكثر من 120 حادثة تراوحت بين محاولات حرق، وتدنيس للمصاحف، وكتابات عنصرية على الجدران، وصولاً إلى اعتداءات جسدية على المصلين. 

ويقول بيرت إن هذه الأفعال ليست طارئة، بل تمثل نتيجة تراكمية لمناخ من التحريض والعنصرية الممنهجة التي تأخذ اليوم أشكالاً أكثر تنظيماً وخطورة.

اليمين المتطرف يكتسب شرعية سياسية

يرى بيرت أن اليمين المتطرف لم يعد هامشياً في المشهد البريطاني، بل بات يمتلك تمثيلاً سياسياً وإعلامياً مؤثراً، ويشير إلى أن هذه القوة بدأت مع حزب استقلال المملكة المتحدة ثم تجسدت لاحقاً في حزب الإصلاح البريطاني الذي يشهد نمواً متسارعاً في استطلاعات الرأي، ما جعله يفرض أجندته على النقاش العام، ويضيف أن اللغة التي يستخدمها هذا الحزب تتسم بالتصعيد والتحريض، وتصور المسلمين كتهديد ثقافي وأمني، وهو ما شجع مجموعات عنيفة على استهداف الأفراد والمساجد في أنحاء البلاد.

تزداد خطورة الظاهرة، بحسب بيرت، عندما تلتحق الأحزاب الكبرى بهذا المسار، فحزب العمال والمحافظين، وهما أكبر قوتين في البرلمان البريطاني، بدآ في تبني خطاب أقرب إلى اليمين المتطرف في قضايا الهجرة والهوية والثقافة، سعياً وراء الأصوات الانتخابية، ويقول بيرت إن غياب الأصوات السياسية الرافضة للتحريض جعل الكراهية تجاه المسلمين مقبولة اجتماعياً، ففي الماضي، كان السياسيون يدينون مثل هذه التصريحات علناً، أما اليوم فإن الصمت أو التبرير أصبح هو القاعدة.

تراجع صوت المسلمين 

يؤكد بيرت أن المسلمين في بريطانيا، الذين يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة، يشعرون اليوم بأنهم بلا صوت سياسي يمثلهم، فحزب العمال، الذي كان تاريخياً الأقرب إلى المجتمع المسلم، تراجع عن مواقفه الداعمة للتنوع والعدالة الاجتماعية، مما جعل الفراغ السياسي يتسع أمام الخطابات المتطرفة، ويضيف أن بعض المسلمين بدأوا بالفعل بالتفكير في مغادرة البلاد بسبب شعورهم بانعدام الأمان، خاصة بعد تكرار الاعتداءات على المساجد في لندن وبرمنغهام ومانشستر خلال الأشهر الأخيرة.

انقسام المجتمع البريطاني 

يشير بيرت إلى أن معاداة المسلمين أصبحت أكثر حضوراً في الخطاب العام، وهو ما يعكس حالة من الانقسام العميق داخل المجتمع البريطاني. فبينما ما زال ملايين البريطانيين يؤمنون بالتسامح والتعددية، فإن غياب القوة المجتمعية القادرة على مواجهة اليمين المتطرف جعل الأصوات العنصرية أعلى وأكثر تأثيراً، ويضيف أن الخطر لا يهدد المسلمين وحدهم، بل يهدد قيم المواطنة والتعايش التي شكلت أساس المجتمع البريطاني الحديث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

دعوات لبناء تحالفات مدنية عابرة للهويات

في مواجهة هذا المناخ، دعا بيرت المسلمين في أوروبا إلى بناء تحالفات واسعة مع الفئات الأخرى التي تتعرض لأشكال من التمييز والعنصرية، مثل الأقليات الإفريقية واليهود واللاجئين، ويرى أن هذه التحالفات يمكن أن تشكل جداراً مدنياً يحمي المجتمع البريطاني من الانزلاق نحو العنف السياسي. 

لكنه شدد على أن هذه الجهود يجب ألا تبقى في حدود البيانات والتصريحات، بل تحتاج إلى دعم ميداني وتعاون فعلي مع المؤسسات الدولية والسفارات والمنظمات الحقوقية.

استجابة حكومية محدودة

رغم تصاعد الاعتداءات، فإن استجابة الحكومة البريطانية لا تزال محدودة؛ ففي أكتوبر 2025، أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر عن حزمة أمنية إضافية بقيمة عشرة ملايين جنيه إسترليني لتعزيز حماية المساجد، بعد محاولة حرق مسجد بيسهافن في جنوب البلاد، ورغم أهمية هذه الخطوة فإن بيرت يرى أنها تظل إجراءات أمنية لا تمس جذور المشكلة المتمثلة في خطاب الكراهية الذي ينتشر عبر الإعلام والسياسة، فالأمن وحده، كما يقول، لا يمكن أن يعالج أزمة فكرية وأخلاقية بهذا العمق.

المسؤولية الإعلامية في صناعة الخوف

إلى جانب الخطاب السياسي، يلعب الإعلام دوراً بارزاً في تشكيل الصورة النمطية عن المسلمين، فبعض الصحف البريطانية لا تزال تروّج لروايات تربط بين الإسلام والتطرف، ما يرسخ فكرة أن المساجد بؤر تهديد أمني، وتشير دراسة لمركز أبحاث جامعة كارديف إلى أن أكثر من نصف التغطيات الإعلامية المتعلقة بالمسلمين في بريطانيا خلال عام 2024 كانت سلبية أو مشحونة بمصطلحات الخوف والتهديد، ويرى بيرت أن الإعلام البريطاني بحاجة إلى مراجعة مسؤوليته الأخلاقية والمهنية في هذه المرحلة الحساسة.

البعد الحقوقي والدولي للأزمة

من جانبها، أعربت منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش عن قلقها من تصاعد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، داعية الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر شفافية وفعالية، وأكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن الاعتداءات المتكررة على دور العبادة تمثل انتهاكاً صارخاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية دون خوف أو تمييز، كما طالبت بتعزيز برامج التوعية المجتمعية ومحاسبة المحرضين على العنف وخطاب الكراهية.

خلفية تاريخية لتصاعد اليمين

تعود جذور صعود اليمين المتطرف في بريطانيا إلى مرحلة ما بعد الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2016، حين اتسع الخطاب المناهض للهجرة وارتبط بصورة مباشرة بعداء للمسلمين، ومع تصاعد أزمات الهوية والاقتصاد، وجدت الحركات القومية المتشددة فرصة لاستغلال المخاوف الشعبية وتحويلها إلى خطاب سياسي منظّم، ومع غياب استراتيجية حكومية لمكافحة التطرف الداخلي، ازدهرت الجماعات العنصرية تحت عناوين الحرية والرأي، بينما ظلت الأقليات الدينية الهدف الأسهل.

يرى خبراء حقوق الإنسان أن مواجهة العداء للمسلمين تتطلب استراتيجية شاملة تعالج أسبابه الاجتماعية والسياسية، تبدأ من التعليم والإعلام وتنتهي بتشريعات تجرم خطاب الكراهية بشكل واضح وصارم، كما يؤكدون أن القيم البريطانية الأصيلة المتمثلة في العدالة والتعددية يمكن أن تكون الأساس لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع المسلم، ويشير بيرت إلى أن الإصلاح يبدأ من الاعتراف بوجود المشكلة، فالتجاهل والصمت لا يصنعان إلا مزيداً من الانقسام والخوف.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية