اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي.. الاستثمار في التأهب لحماية الحياة وسبل العيش
يحتفل به 5 نوفمبر من كل عام
في الخامس من نوفمبر من كل عام، تُحيي الأمم المتحدة والمجتمعات في أنحاء العالم اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي، في مناسبة باتت تذكيرًا جماعيًا بضرورة تعزيز الجاهزية المجتمعية في مواجهة أحد أكثر الأخطار الطبيعية تدميرًا ونُدرة في آن واحد.
ويأتي احتفال عام 2025 تحت شعار "كن مستعدًا للتسونامي: استثمر في التأهب وبناء المرونة"، في دعوة واضحة لتحويل الوعي إلى إجراءات ملموسة تضمن حماية الأرواح وسبل العيش في المناطق الساحلية المعرضة للخطر.
من فكرة يابانية إلى يوم أممي
في ديسمبر 2015، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 70/203 الذي أعلن يوم 5 نوفمبر من كل عام يومًا عالميًا للتوعية بأمواج تسونامي، استنادًا إلى مبادرة تقدمت بها اليابان، الدولة التي راكمت خبرات واسعة في مجال التنبؤ بالكوارث وإعادة البناء بعد وقوعها.
ومنذ ذلك التاريخ، يتولى مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) تنسيق الفعاليات العالمية لليوم، بالتعاون مع مختلف وكالات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين.
جاء اختيار اليوم استلهامًا من حادثة وقعت في اليابان عام 1854، عندما أنقذ مزارع يُدعى حمبيه غويا قريته من كارثة تسونامي عبر إشعال النار في أكياس الأرز لتحذير السكان من الخطر القادم ودفعهم إلى الصعود إلى الأرض المرتفعة، أصبحت قصته رمزًا ثقافيًا عالميًا للوعي المبكر، وأساسًا لمبدأ "الاستعداد المجتمعي" الذي تتبناه الأمم المتحدة في سياساتها الحديثة للحد من مخاطر الكوارث.
شعار عام 2025
يركز موضوع عام 2025، "كن مستعدًا للتسونامي: استثمر في التأهب وبناء المرونة"، على أهمية الاستثمار طويل الأمد في الأنظمة والبرامج التي تعزز القدرة على الصمود أمام الكوارث الطبيعية، ويدعو إلى توحيد جهود الحكومات والعلماء والقادة المحليين والمجتمعات المدنية لضمان حماية الأرواح وتخفيف الأضرار.
ويتقاطع موضوع هذا العام مع أولويات اليوم الدولي للحد من الكوارث والمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، تحت شعار "تمويل مستقبلنا"، في تأكيد على أن الاستثمار في الحماية والوقاية ليس ترفًا، بل ضرورة اقتصادية وإنسانية في عالم تزداد فيه الكوارث المناخية تواترًا وحدّة.
أطلق مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث عام 2022 حملة عالمية بعنوان "اصعد إلى الأرض المرتفعة" (#GetToHighGround) بهدف تشجيع المجتمعات الساحلية على إجراء تدريبات منتظمة للإخلاء استعدادًا لأي موجات تسونامي محتملة، وتُعدّ الحملة من أبرز الجهود الميدانية لترسيخ ثقافة الإنذار المبكر والاستجابة السريعة، إذ تذكّر بأن الموت بسبب أمواج تسونامي ليس أمرًا حتميًا، بل يمكن تفاديه من خلال التحذير المبكر والتصرف السريع.
وتؤكد الحملة ضرورة أن تشمل أنظمة الإنذار المبكر جميع الفئات المعرضة للخطر، وأن تكون هذه الأنظمة قادرة على رصد مخاطر متعددة، مع ضمان جاهزية المجتمعات المحلية للتحرك الفوري عند صدور التنبيهات.
ما هي أمواج تسونامي؟
تتكون كلمة "تسونامي" من الكلمتين اليابانيتين "تسو" (بمعنى الميناء) و"نامي" (بمعنى الموجة).. وهي سلسلة من الموجات البحرية الضخمة التي تتولد نتيجة اضطرابات مفاجئة تحت سطح البحر، عادة بفعل الزلازل أو الثوران البركاني أو الانهيارات الأرضية أو سقوط نيازك في المحيطات.
تتحرك هذه الموجات بسرعات قد تصل إلى مئات الكيلومترات في الساعة، وتظهر عند وصولها إلى الشواطئ كجدران من الماء يمكن أن تمتد لعدة كيلومترات داخل اليابسة، مخلفة دمارًا واسعًا وخسائر بشرية ومادية جسيمة.
رغم أن أمواج تسونامي نادرة الحدوث، فإن تأثيرها مدمر حين تقع؛ فقد شهد القرن العشرون وما بعده 58 كارثة تسونامي تسببت في وفاة أكثر من 260 ألف شخص، بمعدل 4600 وفاة لكل كارثة.
ويُعد تسونامي المحيط الهندي عام 2004 أكبرها من حيث عدد الضحايا، إذ تسبب في مقتل نحو 227 ألف شخص في 14 دولة، كانت إندونيسيا وسريلانكا والهند وتايلاند الأكثر تضررًا.
هذا الحدث المأساوي شكّل نقطة تحول في الوعي الدولي، إذ عقدت بعده الحكومات مؤتمر كوبي-هيوغو في اليابان، حيث اعتمد أول اتفاق عالمي شامل للحد من مخاطر الكوارث، المعروف بـإطار عمل هيوغو 2005–2015، وأُنشئ نظام الإنذار المبكر في المحيط الهندي.
الحد من مخاطر الكوارث
لاحقًا، تبنت الدول عام 2015 إطار عمل سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015–2030، الذي يهدف إلى تقليص الخسائر في الأرواح وسبل العيش عبر تطوير استراتيجيات وطنية ومحلية شاملة للوقاية والاستجابة.
وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، تتعدد مسببات التسونامي، لكن الزلازل البحرية العميقة تبقى المصدر الأكثر شيوعًا، ومن بين الشروط الأربعة التي تجعل الزلزال مسببًا لتسونامي:
- أن يحدث تحت المحيط أو يؤدي إلى انزلاق مائي في أعماق البحر.
- أن يتجاوز قوته 6.5 درجة على مقياس ريختر.
- أن يكون الزلزال سطحيًا (بعمق أقل من 70 كم).
- أن ينتج عنه حركة عمودية لقاع البحر تُحدث إزاحة مائية كبيرة.
كما يمكن للانهيارات الأرضية الساحلية أو البركانية أن تُحدث تسونامي محليًا مدمّرًا، مثلما حدث في بركان كراكاتوا في إندونيسيا عام 1883 حين ولّدت الانفجارات موجات بلغ ارتفاعها 40 مترًا وتسببت بمقتل أكثر من 36 ألف شخص.
حقائق وأرقام
- خلال القرن الماضي، تسببت أمواج تسونامي في أكثر من 260 ألف وفاة حول العالم، شكل تسونامي المحيط الهندي عام 2004 وحده شكّل أكثر الكوارث الطبيعية فتكًا في التاريخ الحديث.
- يمكن لموجات تسونامي أن تنتقل بسرعة تصل إلى 800 كم/ساعة، أي بسرعة طائرة ركاب.
-قد تستمر الموجات المتتابعة لساعات، وغالبًا لا تكون الموجة الأولى هي الأكبر.
يعيش اليوم أكثر من 700 مليون شخص في مناطق ساحلية منخفضة معرضة لخطر التسونامي، لذلك فالاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر ورسم خرائط الإخلاء يُسهمان في خفض عدد الوفيات وحماية التنمية في السواحل.
أهمية اليوم العالمي
يُعد اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي منصة لتوحيد الجهود الدولية نحو عالم أكثر أمانًا؛ فهو يذكّر بأهمية التمويل المستدام لبرامج الحماية، وبضرورة دمج ثقافة الوقاية في السياسات التعليمية والتنموية. كما يسعى إلى تثبيت الذاكرة المجتمعية حتى لا تُنسى دروس الكوارث السابقة، وليبقى الوعي حيًا لدى الأجيال الجديدة.
وتؤكد الأمم المتحدة أن بناء المرونة يتطلب استثمارًا طويل الأمد في البنى التحتية، والتعليم، وأنظمة الإنذار، والتعاون الإقليمي، مع إشراك المجتمعات المحلية بوصفها خط الدفاع الأول أمام الكوارث.
بمناسبة اليوم العالمي لعام 2025، تدعو الأمم المتحدة جميع الدول والأفراد إلى المشاركة في الفعاليات والتدريبات، ونشر الوعي عبر حملات "اصعد إلى الأرض المرتفعة"، وتبادل الخبرات حول الاستعداد المسبق والتمويل الوقائي.
إن بناء عالم أكثر أمانًا أمام مخاطر تسونامي ليس مسؤولية الحكومات وحدها، بل مسؤولية جماعية تبدأ من المدرسة والبيت والقرية والساحل، لتصل إلى صناع القرار والمنظمات الدولية.










