من مدريد إلى غزة.. نداء دولي لرفع القيود عن الأسرى وكشف الجرائم الإسرائيلية
من مدريد إلى غزة.. نداء دولي لرفع القيود عن الأسرى وكشف الجرائم الإسرائيلية
في مشهد إنساني وسياسي لافت، اختُتمت في العاصمة الإسبانية مدريد، الثلاثاء، أعمال الملتقى الدولي لنصرة غزة والأسرى، بمشاركة واسعة من شخصيات فلسطينية وأوروبية ومؤسسات حقوقية وإنسانية، خرجت بتوصيات قوية تطالب بتحقيق دولي فوري وشامل في الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة والمعتقلين الفلسطينيين.
وطالب المشاركون في البيان الختامي بحسب صحيفة "القدس" بإرسال لجنة تقصٍ دولية مستقلة تمتلك صلاحيات الوصول الكامل إلى مواقع الانتهاكات والمستشفيات والمقابر ومرافق احتجاز الجثامين، على أن تقدم تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة في أسرع وقت.
العدالة للضحايا وحماية الأدلة الجنائية
شدد المشاركون على ضرورة تجميع الأدلة والوثائق الجنائية والطبية وحفظها وفق معايير "السلسلة الجنائية" لضمان صلاحيتها أمام القضاء الدولي، داعين إلى فتح تحقيقات فورية في جرائم الإعدام الميداني والتعذيب واحتجاز الجثامين، وملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المدنيين والعسكريين أمام المحاكم الدولية والوطنية المختصة.
وطالب المؤتمر الهيئات القضائية الدولية بفرض تدابير تحفظية وعقوبات مؤقتة على الأفراد والكيانات المتورطة في الانتهاكات إلى حين انتهاء التحقيقات، مؤكدين أن الإفلات من العقاب يشكل جريمة مضاعفة بحق الضحايا.
فتح الممرات الإنسانية وإنقاذ المدنيين
في ظل الكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، شدد المشاركون على ضرورة ضمان الوصول الإنساني الفوري للقوافل الطبية والغذائية والوقود والإمدادات الأساسية، وفتح ممرات آمنة لإجلاء الجرحى والمصابين، مؤكدين أن استمرار الحصار ومنع المساعدات يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
ودعا البيان إلى توفير الدعم القانوني والطبي والنفسي للأسر المتضررة، وتمكين الخبراء في الطب الشرعي من الوصول إلى مواقع الانتهاكات لتوثيق الجرائم وتحديد أسباب الوفاة وفق المعايير الدولية.
المطالبة بإعادة الجثامين
توقف المؤتمر مطولاً عند قضية احتجاز جثامين الأسرى الفلسطينيين التي وصفها بأنها "جريمة إنسانية مزدوجة" تحرم الأسر من حقها في الوداع والدفن، وطالب المشاركون المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإعادة الجثامين إلى ذويها، وفتح تحقيقات في حالات الإخفاء والاحتجاز، مع تأكيد احترام المعايير الإنسانية في الدفن والمعاملة كما تنص عليها الاتفاقيات الدولية.
تدويل القضية وتوسيع دائرة المناصرة الحقوقية
في توصياتهم الاستراتيجية، شدد المشاركون على ضرورة تدويل قضية الأسرى والقضية الإنسانية في غزة من خلال المؤسسات الدولية والمحاكم الوطنية في الدول الأوروبية باستخدام آليات الولاية القضائية العالمية التي تتيح ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب أينما كانوا.
كما دعوا إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية الأوروبية والأممية لتوسيع حملات التوثيق والمناصرة، وضمان إيصال صوت الضحايا إلى الرأي العام العالمي، مؤكدين أن التضامن يجب ألا يبقى رمزياً، بل يجب أن يتحول إلى حراك قانوني وسياسي مؤثر داخل مؤسسات القرار الأوروبية والدولية.
رمزية المكان وتاريخ النضال من أجل الحرية
انعقد الملتقى في قاعة مدرسة التدريب النقابي التابعة للاتحاد العام للعمال الإسبان التي تحمل اسم المناضل العمالي “جوليان بيستيرو” الذي حكم عليه بالسجن ثلاثين عاماً وتوفي في سجن "كرمونا" نتيجة الإهمال الطبي، وأكد المنظمون أن اختيار القاعة يحمل رمزية نضالية وإنسانية تعكس روح المقاومة والالتزام بالعدالة والحرية التي يجسدها الشعب الفلسطيني.
مشاركة واسعة وتكامل فلسطيني أوروبي
شارك في أعمال الملتقى ممثلون عن سفارة دولة فلسطين لدى إسبانيا، ونادي الأسير الفلسطيني، والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، وجمعية سنابل العودة، إلى جانب ممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وأمناء سر أقاليم حركة فتح في الخارج، وعدد من المؤسسات الأوروبية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وأكد الحاضرون أن الملتقى يمثل خطوة مهمة في بناء تحالف حقوقي دولي يهدف إلى كسر الصمت العالمي إزاء الجرائم الإسرائيلية، وتوحيد الجهود الحقوقية والقانونية لتأطير العمل الفلسطيني في المحافل الدولية بما يضمن استمرار الضغط حتى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
تدهور الأوضاع في غزة
تأتي هذه الدعوات في ظل تصاعد التقارير الحقوقية الأممية التي توثق تدهور الأوضاع في غزة، إذ تشير تقديرات منظمات الإغاثة إلى أن نحو 80% من السكان باتوا نازحين داخلياً، في حين تجاوز عدد الضحايا المدنيين أكثر من 68 ألف شهيد منذ بدء العدوان الإسرائيلي.
وأكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن "استهداف البنية الصحية والطواقم الطبية وعرقلة المساعدات يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني"، في حين طالبت منظمة العفو الدولية بإجراء "تحقيق شامل ومستقل في جميع الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي".
وفي الوقت نفسه، أعادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تأكيد مسؤولية سلطات إسرائيل في تأمين وصول المساعدات وحماية المدنيين والمحتجزين، مشددة على أن "الظروف الحالية في غزة تمثل انهياراً إنسانياً غير مسبوق في العصر الحديث".
أصوات من المؤتمر
قال ممثل نادي الأسير الفلسطيني في كلمته إن "قضية الأسرى ليست قضية إنسانية فقط، بل هي اختبار للضمير العالمي وقدرته على مواجهة سياسة الاحتلال الممنهجة ضد الإنسان الفلسطيني".
ودعا أحد ممثلي المنظمات الأوروبية إلى "تحويل الغضب إلى أدوات ضغط قانوني وسياسي مستدام"، مؤكداً أن المساءلة الدولية هي السبيل الوحيد لإنهاء دوامة الانتهاكات.
تطلع نحو عدالة مؤجلة
خلص البيان الختامي إلى أن العدالة لا يمكن أن تتحقق ما لم تُرفع الحصانة السياسية عن مرتكبي الجرائم، وأن النضال القانوني من أجل غزة والأسرى هو جزء من معركة إنسانية واسعة من أجل الكرامة والحرية.
وأكد المنظمون عزمهم على استمرار التواصل مع الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية الأوروبية لمتابعة تنفيذ التوصيات، وإطلاق تحالف دولي لمناهضة الإفلات من العقاب يعمل على دعم الضحايا وعائلاتهم قانونياً وإعلامياً وإنسانياً.
تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مؤسسات الأسرى الفلسطينية والمنظمات الحقوقية الدولية إلى أنّ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل تجاوز عشرة آلاف ومئة أسير وهو أعلى رقم يُسجّل منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، من منهم نحو خمسين امرأة وأكثر من أربعمئة طفل، إضافة إلى أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة معتقل إداري محتجزين من دون توجيه تهم أو محاكمة، وتشمل هذه الأعداد آلاف الفلسطينيين الذين جرى اعتقالهم خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة وما تلاها من حملات مداهمة في الضفة الغربية، حيث تُصنّف السلطات الإسرائيلية أكثر من ألفي معتقل من غزة ضمن فئة "المقاتلين غير القانونيين"، ما يتيح لها احتجازهم في معسكرات وسجون عسكرية مغلقة دون إشراف قضائي فعلي.
وتؤكد منظمات مثل "بتسيلم" و"هيومن رايتس ووتش" أن سياسة الاعتقال الإداري الواسعة، القائمة على أوامر عسكرية سرية، تمثل خرقاً صارخاً لمبدأ الإجراءات القانونية الواجبة المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة.
ويأتي هذا التصاعد في أعداد الأسرى في سياق تاريخي متواصل منذ عام 1967، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من ثمانمئة ألف فلسطيني مرّوا بتجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية على مدى العقود الماضية، ما يجعل الاعتقال شكلاً بنيوياً من أشكال السيطرة على المجتمع الفلسطيني، وتترافق هذه السياسة مع تراجع متزايد في الشفافية القانونية وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز، وحرمان الأسرى من المحاكمات العادلة والرعاية الصحية الكافية. ويقول مختصون في القانون الدولي إن استمرار هذا النهج يعمّق الأزمة الإنسانية ويقوّض أي أفق لتحقيق العدالة أو السلام، في حين تدعو المؤسسات الحقوقية الأممية إلى تمكين لجان تقصّي الحقائق الدولية من الوصول الكامل إلى السجون والمعتقلات لتوثيق الانتهاكات، وضمان محاسبة المسؤولين عنها وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان.










