عملية التبادل.. الرهائن يعودون لإسرائيل وآلاف الأسرى الفلسطينيين يستعيدون حريتهم
عملية التبادل.. الرهائن يعودون لإسرائيل وآلاف الأسرى الفلسطينيين يستعيدون حريتهم
أعلنت السلطات الإسرائيلية ظهر الاثنين عودة جميع الرهائن العشرين الأحياء الذين كانوا محتجزين في قطاع غزة، بعد أن أفرجت عنهم حركة حماس في إطار صفقة تبادل الأسرى التي جاءت ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، وأكدت وكالة فرانس برس أن عملية الإفراج تمت بإشراف مباشر من الوسطاء الدوليين، وسط إجراءات أمنية مشددة ومتابعة إعلامية مكثفة.
ونشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية على منصة "إكس" قائمة بأسماء الرهائن المفرج عنهم مرفقة بعبارة “أهلا بعودتكم إلى الوطن”، في خطوة وصفتها الأوساط السياسية في تل أبيب بأنها “رمزية تعيد بعض الأمل” بعد من التصعيد العسكري والعنف المتبادل الذي خلّف آلاف الضحايا والمفقودين.
الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
في المقابل، بدأت حافلات تقل أسرى فلسطينيين مفرج عنهم من سجن عوفر بالتحرك نحو مدينة بيتونيا في رام الله، في مشهد تكرر مرارًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكنه حمل هذه المرة طابعًا إنسانيًا وسياسيًا بعد توقف الحرب المدمرة على غزة.
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، أفرجت إسرائيل عن 1968 أسيرًا فلسطينيًا ضمن الصفقة، بينهم 250 أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، سيتم إبعاد عدد كبير منهم إلى الخارج، فيما شمل الإفراج أيضًا 1718 أسيرًا من سكان غزة جرى اعتقالهم خلال العمليات العسكرية التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر عام 2023.
صفقة إنسانية أم خطوة سياسية؟
تأتي عملية التبادل في إطار اتفاق شامل لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية وتركية، وبمشاركة الأمم المتحدة والولايات المتحدة، يهدف إلى إنهاء القتال وإطلاق مسار سياسي جديد في غزة.
ورغم الترحيب الدولي الواسع بهذه الخطوة، فإن منظمات حقوقية شددت على أن الصفقة يجب ألا تُغطي على الانتهاكات الواسعة التي تعرض لها المدنيون خلال الحرب، خصوصًا في ما يتعلق بملفات الأسرى والمفقودين والانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز.
وقالت منظمة العفو الدولية إن الإفراج عن الأسرى خطوة إيجابية لكنها لا تُنهي الحاجة إلى تحقيقات شفافة ومستقلة في الانتهاكات التي طالت المعتقلين الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين على حد سواء، كما دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى ضمان إشراف إنساني دائم على عمليات النقل والإفراج لتأمين سلامة المفرج عنهم وضمان حقوقهم القانونية والإنسانية.
الأبعاد الإنسانية لصفقة التبادل
وراء الأرقام والإعلانات الرسمية، تتكشف قصص إنسانية قاسية من كلا الجانبين. ففي تل أبيب، تجمع المئات من عائلات الرهائن في ساحة "هكاريك" للاحتفال بعودة ذويهم، بينما غلبت مشاعر الصدمة والبكاء على كثير منهم بعد شهور طويلة من القلق والترقب.
وفي رام الله وغزة، احتشدت عائلات الأسرى المفرج عنهم في مشاهد امتزجت فيها الفرحة بالألم، حيث تحدث العديد من الأسرى السابقين عن ظروف احتجاز قاسية داخل السجون الإسرائيلية خلال العام الماضي، شملت حرمانًا من الزيارة وتضييقًا في الخدمات الطبية والمعيشية.
وتشير تقارير هيئة الأسرى الفلسطينية إلى أن أعداد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بلغت قبل الصفقة أكثر من 11 ألف أسير، من بينهم نحو 200 طفل و80 امرأة، إضافة إلى آلاف آخرين من سكان غزة ما يزال مصيرهم مجهولًا، وتؤكد منظمات حقوق الإنسان أن كثيرين من هؤلاء اعتقلوا دون محاكمة أو بتهم أمنية غير محددة.
مواقف دولية ومطالب بالتحقيق
الصفقة أثارت أيضًا نقاشًا في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن ضرورة ضمان المساءلة عن الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمدنيين والمعتقلين خلال الحرب.
فقد دعا المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى توسيع نطاق الاتفاق الإنساني ليشمل المساءلة القانونية عن جرائم الحرب المحتملة من الجانبين، وضمان حق الضحايا في العدالة.
من جانبها، رحّبت الولايات المتحدة بعودة الرهائن، لكنها شددت على أن “الطريق نحو سلام دائم في غزة لا يمر فقط عبر التهدئة العسكرية، بل من خلال حل سياسي عادل ومستدام”.
تداعيات سياسية وأمنية
على الصعيد السياسي، يرى مراقبون أن عملية التبادل تمثل نقطة تحول في مسار الصراع، إذ قد تفتح الباب أمام تفاهمات أوسع تتعلق بإعادة الإعمار وترتيبات الحكم في غزة بعد الحرب.
لكن في الوقت نفسه، حذّرت مراكز بحثية إسرائيلية من أن الإفراج عن مئات الأسرى، خصوصًا من ذوي الأحكام الطويلة، قد يثير خلافات داخل الائتلاف الحاكم ويُستخدم في الحملات السياسية المقبلة.
وفي الجانب الفلسطيني، اعتُبرت الصفقة انتصارًا معنويًا بعد سنوات من الجمود، لكنها كشفت في الوقت ذاته هشاشة الوضع الإنساني في القطاع، حيث لا تزال آلاف الأسر بلا مأوى، ومئات الجرحى بحاجة إلى علاج عاجل، بينما تعاني البنية الصحية من انهيار شبه كامل.
صفقات التبادل السابقة
لطالما شكّلت قضايا الأسرى والرهائن محورًا حساسًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكانت أشهر الصفقات السابقة هي صفقة جلعاد شاليط عام 2011، التي أفرجت فيها إسرائيل عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل الجندي الإسرائيلي شاليط بعد خمس سنوات من أسره في غزة.
لكن صفقة 2025 تختلف في حجمها وسياقها السياسي، إذ جاءت بعد واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ غزة الحديث، حيث قُتل أكثر من 38 ألف فلسطيني ونحو 1500 إسرائيلي منذ اندلاع القتال في أكتوبر 2023، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
البعد القانوني والحقوقي
تثير الصفقة نقاشًا قانونيًا معقدًا يتعلق بمفهوم الأسرى المدنيين والرهائن في النزاعات المسلحة، فوفقًا لاتفاقيات جنيف، يُعد احتجاز المدنيين رهائن جريمة حرب، كما يُحظر النقل القسري أو الاحتجاز التعسفي لأي فرد خارج أراضي النزاع.
ويرى خبراء القانون الدولي أن على المجتمع الدولي ضمان مراقبة تنفيذ الصفقة والتحقق من المعاملة الإنسانية لجميع المفرج عنهم، سواء كانوا أسرى أو رهائن، ومنع استخدامهم كورقة ضغط سياسية في أي مفاوضات مستقبلية.
بين الفرح والحذر، يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون اليوم لحظة مزدوجة تجمع بين الأمل بالتهدئة والخشية من انهيارها، فوقف إطلاق النار الذي مهّد لهذه الصفقة لا يزال هشًا، فيما تتواصل المساعي الدولية لتثبيته وتحويله إلى اتفاق دائم.
وفي الوقت نفسه، تبقى قضايا العدالة والمحاسبة والحقوق الإنسانية حاضرة بقوة في الخطاب الدولي، إذ يرى مراقبون أن تحقيق سلام حقيقي ومستدام لن يكون ممكنًا من دون معالجة جذور الأزمة التي أدت إلى الحرب، وفي مقدمتها الاحتلال، والحصار، وانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة.