جوع وحصار وشتاء يقترب.. تحذير أممي من تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
جوع وحصار وشتاء يقترب.. تحذير أممي من تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
مع اقتراب فصل الشتاء، يتأهب قطاع غزة لخوض أحد أكثر المواسم أعباءً في تاريخها المعاصر، وسط ركام البنى التحتية، وخيام متهالكة، وبقايا جوع بعد عامين من الحرب، وتحذر المنظمات الأممية والإغاثية من أنّ ما يجري ليس أزمة إنسانية فحسب، بل استحقاق زمني لوقوع كارثة واسعة قد تُزهق أرواحاً أو تُشرد أعداداً يفوق تصورها.
أفاد برنامج الأغذية العالمي بأن ما يدخل غزة من مواد غذائية يشكّل نصف الكمية المطلوبة فقط، في حين صرّحت جهات فلسطينية بأن حجم المساعدات الإجمالية لا يتجاوز بين ربع إلى ثلث الكمية المتوقعة، وفق وكالة رويترز.
في تقرير أصدره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، ورد أن نحو 10 بالمئة من الأطفال المفحوصين في غزة يعانون من سوء تغذية حاد، بانخفاض من 14% في سبتمبر، مع وجود أكثر من ألف طفل في حالة أشد سوءاً.
لكن وسط هذه المؤشرات، تحذر الجهات المعنية من أن الفجوة ما زالت واسعة، خاصة في شمال القطاع حيث لم تدخل شاحنات مواد الإغاثة المباشرة منذ منتصف سبتمبر، في حين أن المخيمات والخيام تآكلت وبنايات ناجية لكنها مكشوفة وغير مستقرة تنتظر أول زخّات الشتاء وفق "ريليف ويب".
تدهور في غزة
تُعد الأزمة الحالية امتداداً لسلسلة من العوامل المتشابكة، فبعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في أكتوبر 2023، وعمليات القصف والتدمير التي طالت أكثر من 80 بالمئة من المباني في القطاع، تفاقمت الأوضاع بشكل حاد.
إضافة إلى ذلك، أثّرت القيود المفروضة في المعابر وتدفق المساعدات الإنسانية منذ بداية وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025، إذ لم يتم بعد الوصول إلى النسبة المطلوبة من دخول المواد الغذائية ومواد التدفئة والوقود.
وأمام هذه الخلفية، يأتي الشتاء ليُضيف أبعاداً جديدة للمأساة: أمطار، برد، فيضانات محتملة ومخاطر صحية عالية، يقول أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية: "نحن مقدمون على الشتاء في وقت قريب جداً، ما يعني مياه الأمطار وفيضانات متوقعة، واحتمال انتشار أمراض كثيرة بسبب وجود مئات الأطنان من النفايات بالقرب من التجمعات السكانية".
تداعيات إنسانية متعددة
من جهة الغذاء، رغم تحسن نسبي في الجنوب، ما زالت نصف الأسر تقريباً في غزة لا تحصل على حصص كافية، في حين تتناول الأسر في المتوسط وجبتين يومياً، وبالنسبة للمأوى، فهو في وضع كارثي حيث يعيش غالبية النازحين في مخيمات تحت خيام رديئة، كما أن البنايات التي نجت من القصف غالباً مكشوفة أو مدمّرة جزئياً. ويُقدّر أن نحو 1.5 مليون شخص بحاجة إلى مأوى.
على صعيد الصحة، نقص الوقود واستخدام النفايات للحرق في الطهي أصبح واقعاً يومياً، ما يزيد من معدلات الأمراض التنفسية ويُجهد خدمات الطوارئ.
وفي مجال الحماية، يزداد خوف السكان من البرد وانهيار الخيم، وتظهر مخاوف من تفشي عدوى في مناطق النزوح.
ردود المنظمات الدولية
وقالت الأمم المتحدة إن قطاع غزة في سباق مع الزمن قبل أيام الشتاء الحقيقية، داعية إلى دخول مساعدات أكثر بكثير من الكميات الحالية.
وذكرت منظمات مثل المجلس النرويجي للاجئين أن العيش في خيمة متهالكة وسط أمطار وبرد ليس مأمناً وأن النقص في مواد المأوى ضرورة عاجلة.
من جانب القانون الدولي، تُشير اتفاقيات الحماية، مثل اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكولات الحماية، إلى أن الأطراف في النزاع مدعوة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون معوقات، وتأمين حماية المدنيين من البرد والجوع، كذلك يُعد استهداف البنى التحتية المدنية أو الحصار الشامل الذي يؤدي إلى نقص الغذاء والطاقة انتهاكاً لالتزامات أطراف النزاع تجاه السكان المدنيين.
مأساة الحصار والصراع
لم تكن غزة يوماً بمنأى عن الحصار والصراع، لكن ما جعل الواقع اليوم أخطر هو تراكم عوامل التدمير والتهجير المتكرر لسنوات، فالقطاع خضع لقيود اقتصادية تحت الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية، ثم عانى من عدوان عام 2021، وبعدها من القصف في 2023–2025، ومع كل عدوان، تتآكل البنية التحتية وتتصدّع الأحياء، ويُترك السكان في ملاجئ مؤقتة، وتجربة الشتاء في العام الماضي (2024-25) أظهرت كيف عانى النازحون الفقراء برد الشتاء.
أمام قطاع غزة اليوم شتاءً ليست عادياً، بل ربما الأخطر منذ سنوات، مع جوع يعتصر الأطفال، ومأوى ينهار، ونقص مساعدات، والمنظمات الأممية والإغاثية تصدح بصرخات تحذير، والحتمية واضحة: العمل الآن أو مخاطرة كارثية.
قد يبدو أن الحرب انتهت بهدنة مؤقتة، لكن الشارع الفلسطيني في غزة يسير نحو اختبار البرد والجوع والمرض، في بلدٍ كشفته الحرب حتى العظام، وإنقاذ الأرواح لا يتطلب وعوداً فقط، بل وصول عاجل للبضائع، وفتح للمعابر، وتأمين للدفء والخبز والماء.










