أزمة النظافة تتعمّق في إيران.. طهران تواجه تداعيات ترحيل المهاجرين الأفغان

أزمة النظافة تتعمّق في إيران.. طهران تواجه تداعيات ترحيل المهاجرين الأفغان
أحد عمال النظافة في طهران- أرشيف

تشهد العاصمة الإيرانية طهران أزمة حادة في خدمات النظافة العامة بعد مغادرة عدد كبير من العمال من المهاجرين الأفغان الذين كانوا يشكلون عماد هذا القطاع الحيوي منذ سنوات، وقال نائب رئيس مجلس بلدية طهران برويز سروري إن المدينة "تعيش أسوأ أوضاعها منذ عقود" في مجال النظافة، مؤكداً أن السلطات تواجه صعوبات في تعويض النقص الحاد في الأيدي العاملة.

وأوضح سروري، في تصريح نقلته وكالة "إيلنا" الإيرانية الجمعة، أن خروج العمال الأفغان من البلاد "خلّف فراغاً واضحاً ما زال يسبب مشكلات يومية في عدد من مناطق العاصمة"، مضيفاً أن تراكم النفايات وتعطّل بعض خدمات التنظيف أثّرا سلباً في الحياة اليومية للمواطنين.

البلدية تبحث عن بدائل محلية

وأشار سروري إلى أن بلدية طهران تعمل حالياً على تعويض هذا النقص عبر توظيف عمال محليين أو التعاقد مع شركات خاصة لتغطية العجز، لكنه اعترف بأن "الإقبال المحلي على هذه المهن ضعيف بسبب قسوة ظروف العمل وانخفاض الأجور مقارنة بقطاعات أخرى".

وأكد أن الأزمة مرشحة للاستمرار في المدى القريب إذا لم تُعالج جذور المشكلة المتمثلة في اعتماد قطاعات خدمية أساسية على العمالة الأجنبية، ولا سيما الأفغانية التي كانت تشكل نسبة كبيرة من العاملين في مجالات النظافة والبناء والخدمات العامة.

الاقتصاد الإيراني يعتمد على العمالة الأفغانية

وكان عضو لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان الإيراني أحمد نادري قد حذر في تصريحات سابقة من مغبة الترحيل الجماعي للعمال الأفغان، مشيراً إلى أن الاقتصاد الإيراني "يعتمد حالياً على هذه الفئة من العمالة التي تسدّ فجوة كبيرة في سوق العمل".

وقال نادري إن "الانسحاب المفاجئ لهذه القوة العاملة ليس ممكناً ولا منطقياً"، داعياً الحكومة إلى اعتماد سياسات أكثر توازناً تضمن استمرار القطاعات الخدمية في أداء مهامها دون تعطيل.

إجراءات لتقنين العمالة وتخفيف الأزمة

وفي محاولة لاحتواء تداعيات النقص، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية الشهر الماضي تخصيص مئتي ألف تأشيرة عمل للعمال الأفغان، وفق ما صرح به مدير إدارة جنوب آسيا في الوزارة محمد رضا بهرامي، وتهدف الخطوة إلى تقنين وجود هذه العمالة وإعادة إدماجها بصورة قانونية تضمن حقوقها وتراعي في الوقت ذاته متطلبات الأمن الداخلي.

لكن مراقبين يرون أن الإجراءات الحكومية قد لا تكون كافية في ظل تصاعد المشاعر المناهضة للمهاجرين في بعض المناطق، وتزايد الضغوط الاقتصادية التي تدفع السلطات إلى تقليص العمالة الأجنبية رغم حاجتها الماسة إليها.

معاناة يومية في أحياء طهران

تنعكس الأزمة بوضوح في الشوارع والأحياء السكنية داخل طهران حيث تتراكم النفايات لساعات طويلة قبل جمعها، فيما يشتكي السكان من تراجع مستوى النظافة العامة، ويقول مواطنون إنهم لم يشهدوا وضعاً مماثلاً منذ سنوات، مؤكدين أن الخدمات البلدية أصبحت "أبطأ وأكثر ارتباكاً".

ويرى خبراء في الشأن الإيراني أن الأزمة الراهنة تكشف هشاشة البنية الخدمية في المدن الكبرى التي تعتمد بشكل مفرط على العمالة المهاجرة منخفضة الأجر، مؤكدين أن غيابها المفاجئ يؤدي إلى شلل سريع في الخدمات الأساسية.

الجانب الإنساني للأزمة

على الجانب الآخر، يواجه آلاف العمال الأفغان الذين رحّلوا أو غادروا إيران طوعاً أوضاعاً إنسانية صعبة بعد فقدان مصادر رزقهم، فيما لا تزال الحدود بين البلدين تشهد حركة عبور متواصلة في الاتجاهين بحثاً عن فرص عمل أو استقرار، ويشير ناشطون إلى أن بعض هؤلاء العمال قضوا عقوداً في إيران وأسهموا بشكل ملموس في تنمية قطاعات البناء والخدمات والصناعة، قبل أن يجدوا أنفسهم خارج المنظومة الاقتصادية والاجتماعية فجأة.

تستضيف إيران منذ عقود واحدة من أكبر الجاليات الأفغانية في العالم، إذ يُقدر عدد المهاجرين واللاجئين الأفغان فيها بما بين ثلاثة وأربعة ملايين شخص، وقد لعب هؤلاء دوراً رئيسياً في الاقتصاد الإيراني، خصوصاً في قطاعات الزراعة والبناء والنظافة والخدمات اليدوية.

غير أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة دفع السلطات في السنوات الأخيرة إلى تشديد الرقابة على سوق العمل وترحيل عشرات الآلاف من الأفغان بدعوى العمل غير النظامي، وقد أدى ذلك إلى خلل واضح في قطاعات تعتمد على هذه العمالة الرخيصة، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية متصاعدة بسبب العقوبات الدولية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

ويرى خبراء أن أزمة نقص العمالة الحالية قد تدفع الحكومة إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه المهاجرين، لا سيما في ظل عجز القوى العاملة المحلية عن سد الفجوات في القطاعات الخدمية، ما يجعل العمال الأفغان، رغم التوترات السياسية، عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في دورة الاقتصاد الإيراني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية