هدم المقبرة التاريخية في طهران.. انتهاك للذاكرة الجماعية وحقوق الإنسان
هدم المقبرة التاريخية في طهران.. انتهاك للذاكرة الجماعية وحقوق الإنسان
تتصاعد الانتقادات الدولية بعد إعلان السلطات الإيرانية تحويل القطعة رقم 41 في مقبرة بهشت زهراء جنوب طهران إلى موقف للسيارات، وهو الموقع المعروف تاريخياً باسم "قبر المعدمين"، ويضم رفات عدد من السجناء السياسيين الذين أُعدموا خلال العقود الماضية، إضافة إلى ضحايا أحداث سياسية بارزة في البلاد.
ويُعد هذا الإجراء خطوة استفزازية تهدد الذاكرة الجماعية والحقوق الثقافية للعائلات، كما يثير مخاوف حقوقية وإنسانية متعلقة بحفظ الأدلة والاحترام اللائق لضحايا الانتهاكات السياسية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم السبت.
وأدانت المقررة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان المعنية بإيران، ماي ساتو، هدم القطعة رقم 41، واعتبرت الإجراءات الأخيرة انتهاكاً للقانون الدولي.
قبور ضحايا الانتفاضة
أوضحت ساتو أن هذا الإجراء لا يطول فقط القبور التاريخية، بل يشمل أيضاً قبور ضحايا الانتفاضة الشعبية وحادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية، مؤكدةً أن تدمير هذه المواقع يهدد الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة ويزيد من معاناة العائلات.
كما وجهت ماي ساتو، بالتعاون مع خبراء آخرين، رسالة إلى السلطات الإيرانية تحمل توقيع عدة مقررّين خاصين، منهم ألكساندرا زانتاكي، المقررة الخاصة المعنية بالحقوق الثقافية، غابرييلا سيتروني، المقررة الخاصة بالفريق العامل المعني بالاختفاء القسري، موريس تيدبول-بينز، المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء وبرنارد دوهيم، المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة.
وأوضحت الرسالة أن القبور المرتبطة بالإعدامات الجماعية تُعد مسارح جريمة وفق بروتوكول مينيسوتا، ويجب حمايتها قانونياً وطبياً لضمان التحقيق في الوفاة غير القانونية والحفاظ على الأدلة.
الخلفية التاريخية للقطعة
تُعد القطعة رقم 41 من أبرز الرموز المرتبطة بالمعارضين للجمهورية الإسلامية في إيران، إذ دُفن فيها عدد كبير من السجناء السياسيين، وعلى رأسهم أعضاء منظمة مجاهدي خلق، إضافة إلى ضحايا الانتفاضات الشعبية وبعض الرأسماليين الذين أُعدموا بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
واشتهر الموقع باسم "قبر المعدمين"، وبقيت المقبرة عرضة للتدمير والإهمال، مع فرض قيود صارمة على زيارات العائلات والناجين، ما جعلها رمزاً للصراع بين الذاكرة الجماعية والسلطات الرسمية.
وبرّرت السلطات الإيرانية القرار بأن المقابر تخضع لتغييرات دورية في استخدام الأراضي وفق لوائح التطوير الحضري، وأن القطعة لم تشهد أي دفن منذ نحو أربعة عقود، وأن التحقيقات الميدانية أظهرت خلو القبور من النقوش أو علامات التعريف.
لكن هذه التبريرات قوبلت برفض واسع من قبل خبراء الأمم المتحدة الذين اعتبروا أن التحويل إلى موقف سيارات لا يبرر تدمير مواقع ذات قيمة تاريخية وحقوقية، خصوصاً أنها تضم رفات ضحايا الإعدامات الجماعية.
حماية واجبة وفق القانون
أكدت المقررة الخاصة أن حماية هذه القبور واجبة وفق القانون الدولي، بما يشمل: الحق في التحقيق في حالات الوفاة غير القانونية، الحفاظ على الأدلة المرتبطة بالانتهاكات، احترام الحقوق الثقافية والذاكرة الجماعية والانتهاكات السابقة وأثرها في الذاكرة.
ولم يكن هذا الهدم الأول؛ إذ شهدت المقبرة على مدى العقود الماضية سلسلة من الانتهاكات، ومنها إزالة الشواهد والنقوش وتدنيس الرموز الدينية والعرفية وحرمان العائلات من زيارة القبور بحرية.
وتشكل هذه الممارسات انتهاكاً متكرراً للحقوق الإنسانية والثقافية، وتعرقل جهود المجتمع المدني والباحثين في توثيق تاريخ الضحايا والسياسات القمعية السابقة.
الدعوة للحماية الدولية
يشكل هدم القطعة رقم 41 انتهاكاً مزدوجاً للحقوق الإنسانية والثقافية، إذ يمس الذاكرة الجماعية ويهدد العدالة الرمزية للضحايا.
وتدعو المقررة الخاصة والأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات الإيرانية لإيقاف أي أعمال هدم مستقبلية، وضمان الوصول الحر والآمن للعائلات إلى المقابر، والالتزام بالمعايير الدولية لحماية مواقع الانتهاكات والضحايا التاريخيين.
ويبقى الحفاظ على مقبرة بهشت زهراء مسألة حقوقية وإنسانية ملحّة، تعكس الصراع المستمر بين الذاكرة الجماعية والسلطات، وتفرض على المجتمع الدولي دوراً فاعلاً في حماية التاريخ وحقوق الضحايا وعائلاتهم.











