خلال عقد واحد.. 12 ألف أستاذ جامعي يغادرون إيران وسط تراجع الجامعات
خلال عقد واحد.. 12 ألف أستاذ جامعي يغادرون إيران وسط تراجع الجامعات
تواجه الجامعات الإيرانية أزمة غير مسبوقة مع تسارع موجة هجرة الأساتذة والنخب العلمية والطلابية خلال الأعوام الأخيرة، ما يثير مخاوف واسعة بشأن مستقبل التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد، وتشير إحصاءات رسمية ونقابية إلى أن نحو 12 ألف أستاذ جامعي غادروا إيران خلال العقد الماضي، منها أكثر من 7200 خلال السنوات الأربع الأخيرة، بمعدل خروج سنوي يقارب 1800 عضو هيئة تدريس.
تأثير الهجرة على الجامعات
يقول غلام رضا ظریفیان، معاون سابق لوزارة العلوم، إن منظومة التعليم العالي شهدت تغييرات جوهرية تستدعي إعادة النظر في إدارة الجامعات وفق "الإيكوسيستم" الجديد، الذي يتطلب صلاحيات خاصة، مؤكداً أن الإدارة التقليدية لم تعد قادرة على مواجهة تحديات الهجرة والنقص الحاد في الكفاءات العلمية وفق "إندبندنت فارسية".
ويشير إبراهيم أزادكان، أستاذ في جامعة شريف الصناعية، إلى أن الجامعات تعيش وضعاً خطراً، إذ شهدت الجامعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة مغادرة نحو سبعين أستاذاً من دون العثور على بدائل مناسبة لهم، وأضاف أن كثيرين غادروا ظاهرياً لأغراض بحثية أو حضور مؤتمرات دولية، لكنهم لم يعودوا إلى قاعات التدريس، ما يعكس ضعف البيئة الأكاديمية واستمرار تفاقم النقص في الكوادر المؤهلة.
وتوضح كارن أبری نیا، أمينة الهيئة النقابية لأساتذة الجامعات، أن معدل هجرة الأساتذة في التخصصات الهندسية ارتفع من خمسة إلى سبعة في المئة سنوياً خلال العقد الماضي إلى نحو 25 في المئة بين عامي 2018 و2024، وأن تأثير هذا النزيف الوظيفي بدأ يترك أثره مباشرة على المستوى النوعي للمراكز العلمية.
هجرة النخبة الطلابية والأولمبياد
تتجاوز الأزمة الأساتذة لتشمل النخب الطلابية، إذ هاجر أكثر من ثمانية آلاف طالب من أصحاب المراتب الأولى في اختبار القبول الجامعي خلال العشرين عاماً الماضية، بنسبة تصل إلى 16.4 في المئة، ويلاحظ الاتجاه نفسه في التخصصات الطبية، حيث يغادر معظم أصحاب المراتب المئة الأولى لدراسة الطب في الخارج.
كما غادر نحو عشرة في المئة من الفائزين في الأولمبيادات العلمية خلال العامين الماضيين إيران، ما يعكس فقدان بيئة تعليمية وبحثية مستقرة ومحفزة، ويظهر نمط الهجرة المبكرة بين الطلاب، إذ يختار أكثر من 95 في المئة من الأسر إرسال أبنائهم قبل دخول الجامعة إلى دول مثل تركيا وروسيا والصين لضمان تعليم مستقر وتهيئة للالتحاق بالجامعات الأجنبية.
العوامل المحركة للهجرة
يربط المتخصصون بين موجة الهجرة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما في ذلك التضخم المرتفع، وارتفاع معدلات البطالة بين خريجي الجامعات، وغياب آليات الكفاءة في التوظيف، وتشير الإحصاءات إلى أن معدل بطالة خريجي التعليم العالي في صيف 2025 بلغ نحو 10.6 في المئة، مع تزايد تأثير العوامل النوعية والجغرافية على فرص العمل، مما يزيد من الإحباط بين النخب العلمية.
كما ساهمت القيود السياسية، وتقييد الحريات، والضغوط الأمنية بعد احتجاجات عام 2022 في تسريع هجرة العقول من الأساتذة والطلاب، خصوصاً من الأفراد المشاركين في الأنشطة المدنية والمجتمعية، ما أدى إلى تفاقم نقص الخبرات الأكاديمية وتراجع مكانة الجامعات الإيرانية في التصنيفات العالمية.
تراجع التصنيفات العالمية للجامعات الإيرانية
أظهر تصنيف كيو أس أن جامعة طهران تراجعت من الفئة 301-400 في عام 2022 إلى الفئة 401-500 في 2024، كما أظهر تقرير شنغهاي 2025 انخفاضاً في عدد الجامعات الإيرانية المدرجة ضمن أفضل ألف جامعة في العالم مقارنة بخمسة أعوام مضت، ويشير الخبراء إلى أن هذه التراجعات تتزامن مع ارتفاع تصنيف الجامعات في دول مثل السعودية وتركيا، مما يعكس فقدان إيران لمكانتها العلمية.
وتؤكد البيانات الرسمية أن الخطة السابعة للتنمية كانت تنص على أن تحقق 12 جامعة إيرانية على الأقل موقعاً ضمن أفضل 500 جامعة في أحد التصنيفات الدولية بحلول نهاية 2025، وهو هدف بات بعيد المنال مع استمرار موجة خروج النخب والأساتذة من البلاد.
تعد الهجرة العلمية من أبرز التحديات التي تواجه إيران منذ سنوات، خاصة بين التخصصات الهندسية والطبية، حيث يعاني النظام التعليمي من نقص التمويل، والقيود الإدارية، والفرص المحدودة للبحث العلمي، وتشير الدراسات إلى أن فقدان الكفاءات يؤثر مباشرة على جودة التعليم، ويقلل من قدرة الجامعات على المشاركة في المنافسة العلمية الدولية، كما يزيد من تدهور بيئة الابتكار والبحث العلمي، وتؤكد الأرقام أن استمرار هذه الظاهرة يهدد بشكل مباشر التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على المدى الطويل، ويضعف القدرة على الاحتفاظ بالنخب الموهوبة داخلياً.








