وسط تراجع المساعدات واستمرار الحرب.. الغذاء العالمي يحذر من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن
وسط تراجع المساعدات واستمرار الحرب.. الغذاء العالمي يحذر من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن
حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من تفاقم غير مسبوق في أزمة انعدام الأمن الغذائي بين النازحين داخلياً في اليمن، مشيراً إلى أن أكثر من 63 في المئة منهم يعيشون على حافة الجوع في ظل تراجع المساعدات الإنسانية واستمرار الحرب التي تدخل عامها الحادي عشر.
وجاء التحذير في تقرير أممي حديث نُشر مطلع نوفمبر، ليؤكد أن الوضع الإنساني في اليمن يمر بمرحلة حرجة تنذر بانزلاق شريحة واسعة من السكان نحو الجوع الحاد، مع تزايد معدلات النزوح وتقلص التمويل الدولي وفق شبكة يمن فويس للأنباء.
أرقام صادمة ومعاناة متفاقمة
أوضح التقرير أن ثلثي النازحين تقريباً لم يتمكنوا من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية خلال شهر سبتمبر الماضي، في حين أبلغ 42 في المئة منهم عن معاناتهم من مستويات جوع متوسطة إلى شديدة، وهي نسبة تفوق بكثير المعدلات المسجلة بين بقية السكان البالغة 26 في المئة.
وتكشف هذه الأرقام، وفق التقرير، عن فجوة إنسانية متسعة بين النازحين والسكان المحليين، حيث يعيش معظم النازحين في ظروف قاسية داخل مخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية والمياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية.
ويشير التقرير إلى أن نحو 34 في المئة من النازحين في اليمن يعانون من سوء استهلاك غذائي حاد، في حين ترتفع النسبة إلى 39 في المئة بين من يعيشون داخل المخيمات، مقابل 32 في المئة لدى أولئك المقيمين في المجتمعات المضيفة، كما أظهر التحليل تبايناً جغرافياً واضحاً في معدلات الحرمان الغذائي، إذ بلغت 45 في المئة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، مقابل 33 في المئة في المحافظات الواقعة تحت إدارة الحكومة المعترف بها دولياً.
استراتيجيات يائسة للبقاء على قيد الحياة
يؤكد برنامج الغذاء العالمي أن نصف النازحين اضطروا إلى اتباع استراتيجيات قاسية للتكيف مع الجوع، مثل تقليص عدد الوجبات اليومية أو الاعتماد على طعام منخفض القيمة الغذائية أو اللجوء إلى الاقتراض وبيع الممتلكات الشخصية.
وبحسب التقرير، اعتمد 73 في المئة من الأسر النازحة على أساليب تكيف طارئة لتأمين احتياجاتها، في حين اضطر 8 في المئة إلى التسول لتوفير قوت يومهم، وترتفع النسبة إلى 13 في المئة داخل المخيمات التي تشهد تدهوراً متزايداً في الخدمات وتراجعاً في الإمدادات الغذائية.
ويشير مسؤولو البرنامج إلى أن هذه السلوكيات تمثل مؤشراً خطيراً على تفكك شبكات الأمان الاجتماعي وتراجع قدرة المنظمات الإنسانية على الاستجابة لاحتياجات السكان في ظل نقص التمويل، كما يُخشى أن تؤدي إلى انتشار الجوع المزمن وسوء التغذية الحاد بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
تمويل متقلص واحتياجات متصاعدة
أرجع التقرير الأممي تفاقم الأزمة إلى الانخفاض الحاد في التمويل المخصص لبرامج الإغاثة، فخلال العام الجاري، اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى تقليص مساعداته في عدد من المحافظات بسبب عجز مالي تجاوز مليار دولار، وأدى ذلك إلى توقف التوزيعات الشهرية المنتظمة للغذاء في بعض المناطق التي كانت تعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الدولية.
وحذّر التقرير من أن استمرار هذا التراجع في التمويل سيؤدي إلى تقليص إضافي في حجم المساعدات خلال الأشهر المقبلة، ما يعني أن ملايين اليمنيين قد يُتركون دون دعم غذائي منتظم مع حلول نهاية العام.
ويقول مسؤولون أمميون إن الأزمة الإنسانية في اليمن لم تعد فقط أزمة صراع مسلح، بل تحولت إلى كارثة مركبة تجمع بين آثار الحرب والتدهور الاقتصادي وانهيار سلاسل الإمداد الغذائي، فضلاً عن التغيرات المناخية التي تضرب البلاد في شكل فيضانات وجفاف متكرر يؤثران في الإنتاج الزراعي المحلي.
حرب وتدهور اقتصادي يضاعفان الجوع
منذ اندلاع الحرب في عام 2015، تسبب النزاع في تدمير البنية التحتية الزراعية والمائية، وقطع سلاسل الإمداد التجاري في عدد من المحافظات، ما جعل اليمن يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتأمين غذائه، ومع تراجع العملة المحلية وارتفاع أسعار الوقود والنقل، باتت تكلفة المعيشة تفوق قدرة معظم الأسر على تأمين وجبة واحدة يومياً.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الأزمة المعيشية مرشحة لمزيد من التعقيد بسبب انقسام مؤسسات الدولة المالية وتدهور القدرة الشرائية للسكان، كما أدى توقف مرتبات مئات الآلاف من الموظفين في مناطق عدة إلى انزلاق مزيد من الأسر نحو الفقر المدقع.
الفئات الأكثر هشاشة
يؤكد برنامج الغذاء العالمي أن الأطفال والنساء هم الأكثر تأثراً بالأزمة الغذائية الراهنة، وتشير البيانات إلى أن واحداً من كل ثلاثة أطفال في اليمن يعاني من سوء تغذية مزمن، في حين تواجه النساء الحوامل خطر الولادة المبكرة أو فقدان الجنين بسبب نقص العناصر الغذائية الحيوية.
وفي المخيمات، تظهر مشاهد مأساوية لأطفال يعانون من الهزال الشديد وأمهات يطبخن أوراق الأشجار أو بقايا الحبوب لتأمين طعام بسيط، ويقول عمال إغاثة إن بعض الأسر تقضي أياماً دون طعام سوى الشاي أو الماء، في حين تنتظر بفارغ الصبر أي قافلة مساعدات جديدة قد لا تصل في الوقت المحدد.
تحذيرات أممية ودعوات دولية للتحرك
أكد التقرير أن الأزمة الإنسانية في اليمن أصبحت واحدة من كبرى الأزمات الغذائية في العالم، مشدداً على أن "عدم التحرك السريع سيؤدي إلى نتائج كارثية يصعب تداركها"، ودعا المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل الفوري لبرامج المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاق الاستجابة العاجلة في المناطق الأكثر تضرراً.
كما حث البرنامج أطراف النزاع على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون معوقات، وضمان سلامة العاملين في المجال الإغاثي، مشيراً إلى أن بعض المناطق ما زالت تشهد قيوداً على حركة القوافل وصعوبات لوجستية تحول دون وصول الغذاء إلى المستحقين.
وفي موازاة ذلك، أطلقت منظمات محلية حملات مجتمعية لدعم الأسر الأشد فقراً عبر توزيع طرود غذائية محدودة بتمويل أهلي، لكنها تبقى جهوداً رمزية أمام حجم الاحتياج المتصاعد الذي يشمل أكثر من 18 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية وفق تقديرات الأمم المتحدة.
يُعد اليمن من أكثر دول العالم هشاشة من حيث الأمن الغذائي، إذ يعتمد على الواردات لتلبية أكثر من 90 في المئة من احتياجاته الغذائية. ومع اندلاع الحرب عام 2015، شهدت البلاد انهياراً واسعاً في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 80 في المئة من السكان.
ووفق بيانات برنامج الغذاء العالمي، فإن ما يزيد على 17 مليون يمني يعانون من انعدام أمن غذائي بدرجات متفاوتة، في حين يواجه نحو 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع الحاد، مع وجود جيوب مجاعة محتملة في بعض المناطق النائية.
وتصنف الأمم المتحدة اليمن على أنه يعيش واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين شخص في نزوح داخلي مستمر، ويعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
يعكس التقرير الأممي الأخير صورة قاتمة عن واقع اليمنيين الذين يعيشون بين شبح الحرب والجوع. فالتراجع الكبير في المساعدات، إلى جانب الانهيار الاقتصادي المستمر، جعل الملايين على حافة المجاعة، وبينما تتراجع القدرة الدولية على تمويل الاستجابة الإنسانية، يزداد اعتماد الأسر على وسائل النجاة القاسية التي تهدد حياتها وكرامتها.
ويجمع خبراء الإغاثة على أن الحلول الإنسانية وحدها لم تعد كافية، وأن إنهاء الحرب واستعادة الاستقرار الاقتصادي والسياسي يمثلان السبيل الوحيد لإنقاذ اليمن من مجاعة وشيكة قد تتجاوز آثارها الحدود الوطنية لتصبح واحدة من كبرى أزمات القرن الحادي والعشرين.










