أزمة المناخ.. كيف يمكن للتربة وقف الانبعاثات وحماية مستقبل الكوكب؟
أزمة المناخ.. كيف يمكن للتربة وقف الانبعاثات وحماية مستقبل الكوكب؟
تظل التربة، كبرى خزانات الكربون الطبيعية على كوكب الأرض، موردًا حيويًا وغالبًا ما يتم تجاهله في خطط الدول لمواجهة أزمة المناخ، رغم قدرتها على امتصاص كميات هائلة من الكربون، فإن 70 في المئة من الدول لا تذكر التربة في إسهاماتها الوطنية المحددة للمناخ، حسب تقرير حديث صادر عن مركز التفكير "Aroura Soil Security"، واللجنة العالمية لقانون البيئة في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وحملة "Save Soil".
أهمية التربة في التخفيف من تغير المناخ
يؤكد التقرير وفق ما أوردته شبكة "يورو نيوز" الخميس، أن التربة الصحية يمكن أن تمتص نحو 27 في المئة من الانبعاثات اللازمة للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين، وهو ما يعادل حوالي 3.38 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، في حين بلغت الانبعاثات العالمية من الوقود الأحفوري في عام 2022 نحو 36.8 غيغا طن، وتشير البيانات إلى أن التربة المخزنة للكربون في المتر العلوي تبلغ أكثر من 2800 غيغا طن، بزيادة 45 في المئة عن التقديرات السابقة البالغة 1500 غيغا طن.
الخبراء يؤكدون أن التربة ليست مجرد تراب، بل كائن حي حيوي يحافظ على التوازن البيئي ويشكل خط الدفاع الأول ضد آثار تغير المناخ من الجفاف والفيضانات والتصحر، وتقول برافيينا سرِيدهار، مديرة التكنولوجيا في حملة "Save Soil" ومؤلفة مشاركة للتقرير: "كل قبضة من تربة صحية حية هي عالم مصغر من الحياة ومستودع للكربون والماء. تأمين صحة التربة ليس مجرد واجب بيئي بل مسؤولية تجاه الأجيال القادمة".
تداعيات تدهور التربة
تشير التقديرات إلى أن 40 في المئة من أراضي العالم متدهورة، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن يرتفع هذا الرقم إلى 90 في المئة بحلول عام 2050، وتطلق التربة المتدهورة نحو 4.81 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يعادل تقريباً الانبعاثات السنوية للولايات المتحدة. وإذا أُفرج عن واحد في المئة من الكربون في تربة أوروبا، فإن ذلك سيعادل الانبعاثات السنوية لمليار سيارة.
يعود تدهور التربة إلى مجموعة من الممارسات البشرية مثل الزراعة المكثفة، وإزالة الغابات، والرعي الجائر، إضافة إلى عوامل طبيعية كالرياح والأمطار، ويشير التقرير إلى أن الممارسات الزراعية المستدامة مثل تدوير المحاصيل ومحاصيل التغطية، واستخدام الكمبوست، وتجنب المواد الكيميائية الضارة، يمكن أن تحافظ على صحة التربة وتمنع إطلاق الكربون المخزن.
البعد القانوني وأمن التربة
تؤكد اللجنة العالمية لقانون البيئة في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة أن التربة تعاني من غياب إطار قانوني دولي شامل يحميها ويضمن استدامتها، وتقول الدكتورة إيرينه هايزر: "أمن التربة يتطلب عملًا منسقًا بين صناع السياسات والمزارعين والشركات والمستهلكين، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال قوانين واضحة ومعايير ملزمة تحمي التربة للأجيال القادمة".
حتى الآن، لا توجد معاهدة دولية محددة للأمن البيئي للتربة، وتفتقر معظم التشريعات الوطنية إلى أدوات إلزامية، وتؤكد هايزر أن إدراج التربة في السياسات البيئية الوطنية يجب أن يتم عبر تحديد أهداف واضحة للاستعادة والحفاظ على المخزون العضوي للكربون، وإدماجها ضمن استراتيجيات التخفيف من آثار تغير المناخ.
ردود أفعال المنظمات الدولية والحقوقية
أشاد العديد من الخبراء البيئيين والمنظمات الدولية بالتركيز على التربة، مؤكدين أن إدراك أهميتها يمثل تحولًا حاسمًا في سياسات المناخ وحماية البيئة، وقد أكدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن حماية التربة تعد من أبرز سبل تحقيق الأمن الغذائي، في حين شددت حملة "Save Soil" على أن الحفاظ على التربة لا يقتصر على حماية البيئة بل يمتد إلى حماية المجتمعات الأكثر هشاشة حول العالم.
منظمات حقوق الإنسان أضافت أن تدهور التربة يزيد من هشاشة الفئات المعتمدة على الزراعة في البلدان النامية، ما يفاقم الجوع والفقر والنزوح، ويشكل أزمة إنسانية ممتدة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، كما أن القانون الدولي يشير إلى مسؤولية الدول عن الحفاظ على الموارد الطبيعية المشتركة وحمايتها من التدهور البيئي الذي يضر بالأجيال القادمة، في إشارة إلى ما نصت عليه الاتفاقيات البيئية مثل اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
بدأ التركيز على التربة في القمم المناخية مع إطلاق مبادرة فرنسا "4 في الألف" في قمة كوب 21 عام 2015 التي أشارت إلى إمكانية موازنة انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا بزيادة مخزون الكربون في التربة الزراعية بنسبة 0.4 في المئة سنويًا، ومنذ ذلك الحين، بدأت الدراسات العالمية تؤكد دور التربة ليس فقط في امتصاص الكربون، بل في تأمين الأمن الغذائي وتنظيم دورات المياه ومكافحة التصحر.
أهمية إدراج التربة في السياسات المستقبلية
يشدد التقرير على أن معالجة أزمة المناخ بشكل فعال لن يتحقق إلا بدمج التربة في خطط العمل الوطنية والدولية، ومن دون ذلك، فإن الانبعاثات الضخمة من التربة المتدهورة ستستمر في تغذية الاحتباس الحراري، في حين ستزداد هشاشة المجتمعات الزراعية، ويشير الخبراء إلى أن أي استراتيجية دولية للمناخ يجب أن تشمل خططًا لتحسين الصحة العضوية للتربة، ومراقبة انبعاثاتها، وتبني ممارسات زراعية مستدامة على نطاق واسع.
التربة ليست مجرد أرض تحت أقدامنا، بل شريان الحياة الطبيعي للكوكب، ومستودع الكربون الأساسي، وحلقة الوصل بين الغذاء والمناخ والماء، وتجاهلها في سياسات المناخ يجعل مواجهة الأزمة البيئية أقل فاعلية، في حين الاستثمار في صحتها يوفر فرصة حقيقية لتخفيف الانبعاثات وضمان مستقبل مستدام للبشرية، وبحسب تقرير مركز التفكير "Aroura Soil Security"، واللجنة العالمية لقانون البيئة، وحملة "Save Soil"، فإن تعزيز الأمن البيئي للتربة ليس خيارًا، بل ضرورة عالمية ملحة تتطلب تنسيقًا دوليًا وقوانين واضحة وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية.










