أزمة أخلاقية وقانونية.. لماذا ترفض نقابة الأطباء الإسرائيلية المشاركة في إعدام الأسرى الفلسطينيين؟
أزمة أخلاقية وقانونية.. لماذا ترفض نقابة الأطباء الإسرائيلية المشاركة في إعدام الأسرى الفلسطينيين؟
أعلنت نقابة الأطباء الإسرائيلية رفضها المطلق للمشاركة في تنفيذ أحكام الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، مؤكدة التزامها بالمعاهدات الدولية التي تحظر أي دور طبي في إعدام الإنسان.
وأفادت صحيفة "هآرتس" اليوم الاثنين بأن ممثلي النقابة شاركوا في اجتماع للجنة الأمن القومي في الكنيست الأسبوع الماضي، لمناقشة مشروع قانون يقضي بإصدار أحكام الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، وأوضح مندوب النقابة، ألبرتو أولتشوفسكي، أن الجمعية الطبية العالمية تعد مشاركة الأطباء في أي مرحلة من مراحل تنفيذ الإعدام مرفوضة أخلاقياً، سواء في التجهيز أو الاستشارة، مؤكداً أن خبرة الأطباء مخصصة دائماً لتحسين صحة الإنسان ورفاهيته وليس لأغراض العقوبة.
بنود مشروع القانون
مشروع القانون الذي قدمه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، يغيّر النظام القضائي الحالي الذي يقضي بأن تصدر أحكام الإعدام هيئة قضائية مؤلفة من ثلاثة إلى خمسة قضاة، إذ يسمح بموجب المشروع أن يصدر القرار قاض واحد فقط دون إمكانية الاستئناف، ويُنفذ الحكم بعد 90 يوماً من صدوره.
كما يفرض المشروع استخدام الحقن بمادة سامة لتنفيذ الإعدام، وهو ما يستلزم مشاركة الأطباء في تحديد نوع المادة وكمية السم المناسبة بحسب وزن المحكوم عليه، إضافة إلى مهام طبية أخرى متعلقة بالتجهيز والتنفيذ، ما يشمل ممرضين وفنيين، بحسب ما أوردت الصحيفة.
موقف النقابة واعتبارات أخلاقية
رئيس دائرة آداب المهنة في نقابة الأطباء، يوسي وولفيش، بعث برسالة رسمية إلى رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، توضح فيها موقف الدائرة الصارم، مؤكداً أن "الطبيب مهمته العلاج، وعليه تخصيص علمه وخبرته لمعالجة المرضى وتخفيف آلامهم واستعادة صحتهم"، وأضاف أن القانون الدولي يفرض حظرًا مطلقًا على الأطباء في المشاركة بصورة نشطة أو سلبية في أي جزء من إجراءات الإعدام، ومنها تقييم القدرة على تحمل الإعدام، التدخل بحقن المواد، رصد العلامات الحيوية، أو تقديم المشورة التقنية.
ردود فعل وتداعيات سياسية
على الرغم من اعتراض النقابة، صادق الكنيست في القراءة الأولى على مشروع القانون بأغلبية 39 صوتًا مقابل 16 معارضًا، ما أثار جدلاً واسعًا داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وأثار المشروع انتقادات حقوقية وأخلاقية، خاصة البنود التي تسمح بفرض العقوبة دون صلاحية تقديرية للقضاء، ومنع الاستئناف، وربط تنفيذها بحالات يكون فيها الضحية يهودياً فقط.
ويأتي مشروع القانون ضمن اتفاقات سياسية بين حزب الليكود وحزب عوتسما يهوديت نهاية عام 2022، ويستهدف تطبيق عقوبة الإعدام على من يُدان بقتل إسرائيلي بدافع قومي أو بهدف الإضرار بالدولة، ما يعني عملياً استهداف الأسرى الفلسطينيين الذين أدينوا بجرائم العمليات المسلحة.
الأبعاد القانونية والدولية
خبراء قانونيون يشيرون إلى أن المشروع يطرح صراعاً واضحاً بين التشريعات الداخلية والالتزامات الدولية لإسرائيل، إذ تُحظر المعاهدات الدولية على الأطباء المشاركة في تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل مطلق، ومنها تقديم المشورة الطبية، وهو ما يجعل المشروع محل انتقاد من المنظمات الدولية ومجتمع حقوق الإنسان.
وأكد ممثلون عن النقابة أن أي تطبيق للقانون قد يضع الأطباء الإسرائيليين في مواجهة معايير أخلاقية ومهنية صارمة، ويخاطر بتعريضهم للمساءلة الدولية إذا تمت المشاركة في تنفيذ العقوبات.
قضية مشاركة الأطباء في تنفيذ أحكام الإعدام ليست جديدة على المستوى الدولي، فقد أكدت الجمعية الطبية العالمية في بيان منذ عقود أن أي دور طبي في تنفيذ الإعدام يتعارض مع واجب الأطباء في حماية الحياة، وتعد هذه المبادئ جزءاً من الاتفاقيات الدولية التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة، وتلزم الدول بعدم استغلال الخبرة الطبية في قتل البشر.
في إسرائيل، تعتمد العقوبة الحالية منذ فترة الاحتلال البريطاني على الإعدام شنقاً أو إطلاق النار، ويقتصر تطبيقها على حالات محددة بموجب القانون، لكن مشروع القانون الجديد يوسع نطاق التنفيذ ليشمل حقن المواد السامة، ما يزيد الحاجة إلى تدخل الأطباء ويضع النقابة في مواجهة مباشرة مع الدولة.
ويأتي هذا السياق ضمن تصاعد الجدل السياسي والقانوني حول سياسات الأمن القومي والعقوبات على الفلسطينيين، ما يضع النقابات المهنية، ومنها نقابة الأطباء، أمام تحديات أخلاقية وقانونية غير مسبوقة، ويثير أسئلة حول مدى التزام الدولة بالمعايير الإنسانية الدولية في تنفيذ العقوبات.











