وسط تحذيرات حقوقية.. الكنيست يمضي نحو الإعدام الإجباري للأسرى الفلسطينيين
وسط تحذيرات حقوقية.. الكنيست يمضي نحو الإعدام الإجباري للأسرى الفلسطينيين
كشفت القناة 14 الإسرائيلية، اليوم الخميس، عن مسودة مشروع قانون جديد يتعلق بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل إسرائيل وخارجها، وأعادت إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
المشروع، الذي تقدمت به كتلة عوتسما يهوديت اليمينية المتطرفة برئاسة عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ، يأتي تمهيداً لطرحه للقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست، بعد مناقشات داخل لجنة الأمن القومي والمجلس الوزاري.
عقوبة إلزامية
وفقاً لمسودة القانون، يهدف المشروع بشكل أساسي إلى فرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين الذين يُدانون بقتل مدنيين إسرائيليين، مع تقليص غير مسبوق لصلاحيات القضاء والنيابة العامة، وينص المشروع على جعل عقوبة الإعدام إلزامية في هذه القضايا، حتى من دون طلب صريح من النيابة، في تغيير جذري لطبيعة النظام القضائي القائم، كما يلغي شرط الإجماع بين القضاة، ويكتفي بأغلبية عادية لإصدار الحكم، ما يثير مخاوف واسعة بشأن ضمانات المحاكمة العادلة.
تتضمن المسودة بنوداً تشدد على عدم جواز تخفيف العقوبة أو استبدالها، حتى في الحالات التي قد يرى فيها قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مبرراً لذلك، كما تحدد المسودة مهلة لا تتجاوز 90 يوماً لتنفيذ الحكم بعد صدوره النهائي، على أن تتولى مصلحة السجون الإسرائيلية تنفيذ الإعدام، في إجراء يهدف إلى تسريع العقوبة وتحويلها إلى مسار إداري أكثر منه قضائي.
أحداث 7 أكتوبر في صلب القانون
تخصص المسودة فصلاً كاملاً للأسرى المتهمين بالمشاركة في أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث تعتبرهم مرتكبين لما تصفه بإبادة جماعية، ووفق النص، فإن العقوبة في هذه الحالات هي الإعدام فقط، دون أي سلطة تقديرية للقضاء أو الادعاء، ما يعني إلغاء كامل لأي تقييم فردي للوقائع أو الظروف، كما يؤكد المشروع أن تنفيذ الأحكام في هذه القضايا سيتم خلال 90 يوماً من صدور القرار النهائي.
وتذهب المسودة أبعد من ذلك، إذ تحدد عدة وسائل لتنفيذ عقوبة الإعدام، من بينها الرمي بالرصاص والكرسي الكهربائي والشنق وحقن السم، على أن يحدد مفوض مصلحة السجون وسيلة التنفيذ، كما تنص على أن يتم التنفيذ بواسطة سجان خاص تُحفظ هويته سراً، مع منح مفوض مصلحة السجون صلاحيات واسعة لإصدار أوامر التنفيذ، وأثارت هذه التفاصيل ردود فعل غاضبة، واعتبرها حقوقيون عودة إلى أساليب عقابية قاسية تتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
خلافات داخل إسرائيل
رغم الدعم الذي يحظى به المشروع من أطراف في الائتلاف الحكومي، فإنه أثار خلافات داخل المؤسسة السياسية والقانونية الإسرائيلية، فقد أبدى وزراء ومسؤولون قانونيون تحفظاتهم، خصوصاً بشأن إلزامية العقوبة وحرمان القضاء من أي سلطة تقديرية، ويرى معارضو المشروع أن هذه الخطوة قد تقوض استقلال القضاء وتحوّل القانون إلى أداة انتقام سياسي.
في تطور لافت، أعلنت نقابة الأطباء الإسرائيلية رفضها المطلق لأي مشاركة في تنفيذ أحكام الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، مؤكدة التزامها بالمعاهدات الدولية التي تحظر على الكوادر الطبية أي دور في إنهاء حياة الإنسان، واعتبرت النقابة أن إشراك الأطباء في مثل هذه الإجراءات يشكل انتهاكاً صارخاً لأخلاقيات المهنة الطبية.
إدانة فلسطينية وحقوقية
على الجانب الفلسطيني، أدان نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى في رام الله طرح قانون الإعدام داخل الكنيست، معتبرين ذلك سقوطاً أخلاقياً جديداً للسلطات الإسرائيلية، وأكدت المؤسستان أن الأسرى الفلسطينيين ليسوا مجرمين، بل معتقلون على خلفية سياسية ونضالية، وأن استهدافهم بعقوبة الإعدام يمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني.
كما نددت منظمات حقوقية إسرائيلية، من بينها “بتسيلم” و"عدالة"، بالمشروع وبالخطاب المصاحب له، واعتبرت أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يسعى إلى تحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات للتحريض والعقاب الجماعي، وحذرت هذه المنظمات من أن تمرير القانون سيؤدي إلى مزيد من التدهور الأخلاقي والقانوني داخل إسرائيل، وسيعمق الصراع بدلاً من معالجته.
وحذر خبراء قانونيون وحقوقيون من أن تطبيق عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين سيشكل سابقة خطيرة، وقد يفتح الباب أمام تصعيد غير مسبوق في الأراضي الفلسطينية، كما يرون أن القانون يتعارض مع التزامات إسرائيل الدولية، ويقوض أي فرص مستقبلية لتحقيق العدالة أو التهدئة، ويزيد من احتمالات العنف والانتقام المتبادل.
سياق سياسي متوتر
يأتي هذا الجدل في ظل تصاعد التوتر داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن كيفية التعامل مع الملف الفلسطيني بعد الحرب الأخيرة على غزة، ومع تزايد نفوذ التيار الديني القومي داخل الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو، ويُنظر إلى مشروع القانون على أنه جزء من اتفاقات سياسية أُبرمت بين حزب الليكود وحزب عوتسما يهوديت في نهاية عام 2022، في إطار تثبيت تحالفات اليمين المتطرف داخل الائتلاف الحاكم.
طالما كانت قضية عقوبة الإعدام في إسرائيل موضع جدل واسعاً، إذ لم تُطبق رسمياً إلا في حالات نادرة منذ تأسيس الدولة، أبرزها إعدام أدولف آيخمان في 1962، وعلى مدار العقود الماضية، امتنعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن سن تشريع عام يفرض الإعدام، رغم مطالب متكررة من التيارات اليمينية، ويؤكد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف ضرورة حماية الأسرى وضمان حقوقهم في محاكمات عادلة، ويحظر العقوبات القاسية أو اللاإنسانية، ويرى مراقبون أن إحياء مشروع الإعدام اليوم يعكس تحولات عميقة في المشهد السياسي الإسرائيلي، ويأتي في سياق صراع مفتوح يزداد فيه توظيف القوانين أدوات ضغط وعقاب جماعي، ما يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية في المنطقة.











