اجتماع 600 خبير مناخ في فرنسا لبحث انقسام العالم حول أزمة الأرض

اجتماع 600 خبير مناخ في فرنسا لبحث انقسام العالم حول أزمة الأرض
تغير المناخ - أرشيف

تنطلق في مدينة سان دوني الفرنسية مرحلة جديدة من المواجهة العالمية مع تغيّر المناخ، حيث يجتمع مئات العلماء تحت مظلة الأمم المتحدة لبدء إعداد التقرير الأكثر حساسية وتأثيرًا في السنوات المقبلة، في وقت يتفكك فيه الإجماع الدولي وتتصاعد فيه أصوات التشكيك بخطورة الكارثة البيئية التي تهدد كوكب الأرض.

تستضيف فرنسا، اليوم الاثنين، نحو 600 خبير من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، في مدينة سين سان دوني قرب باريس، بهدف إطلاق العمل على إعداد التقرير التقييمي المقبل الذي يفترض أن يرى النور عامي 2028 أو 2029، وسط أجواء دولية مشحونة بالتوتر والتباين الحاد في المواقف من قضية الاحتباس الحراري، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".

وتجتمع في هذا اللقاء نخبة من العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات من مختلف دول العالم، في محاولة لوضع الأسس العلمية والمنهجية التي سيُبنى عليها التقرير الذي يُعد مرجعًا أساسيًا لصنّاع القرار والحكومات حول مستقبل المناخ على كوكب الأرض.

وتسعى باريس من خلال هذا الاجتماع إلى إعادة إحياء روح اتفاقية باريس لعام 2015، والتي تعهّدت خلالها الدول بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من ارتفاع حرارة الأرض بأقل من 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وهو الهدف الذي يبدو اليوم على حافة الانهيار وفق معظم التقديرات العلمية.

تصاعد الخلاف الدولي

يفجّر الموقف الأمريكي حالة من القلق داخل أروقة الاجتماع، بعد أن وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق تغيّر المناخ بأنه "خدعة كبرى"، محملًا مَن سماهم "أصحاب النوايا الخبيثة" مسؤولية الترويج لها، وهي تصريحات يرى الخبراء أنها تقوّض جهود العمل الجماعي وتُلقي بظلالها الثقيلة على مستقبل التقرير المقبل.

ويُعد اعتماد التقرير المقبل مرهونًا بتوافق جميع الدول الأعضاء، إذ تعمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وفق قاعدة الإجماع، ما يعني امتلاك كل دولة فعليًا حق النقض (الفيتو)، وهو ما يضع العملية العلمية في مواجهة حسابات سياسية واقتصادية معقّدة، خاصة من الدول الكبرى المنتجة للوقود الأحفوري.

وقد سبق لتقرير الهيئة الصادر في مارس 2023 أن حذّر من تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحالي، إلا أن تقديرات حديثة ترجّح أن يحدث ذلك قبل عام 2030، ما يعني الدخول في مرحلة من الاضطرابات المناخية العنيفة تشمل موجات حر وجفاف وفيضانات وأعاصير مدمّرة تهدد حياة ملايين البشر، خاصة في المناطق الفقيرة والدول الهشّة.

خلاف على المواعيد والالتزامات

ينقسم المشاركون بين معسكرين رئيسيين؛ حيث يدعو "الائتلاف العالي الطموح"، الذي يضم دولاً أوروبية وعددًا من الدول الهشّة في الجنوب العالمي، إلى تسريع الجدول الزمني لإنهاء إعداد التقارير الأساسية قبل عام 2028، لتتماشى مع التقييم العالمي ضمن اتفاق باريس.

وفي المقابل، تطالب بعض الاقتصادات الناشئة وكبار منتجي النفط والغاز بتمديد المهلة حتى عام 2029، بحجة أن الإطار الزمني المقترح غير واقعي وقد يضر بمصالحها الاقتصادية.

ويعيد هذا الانقسام إلى الأذهان الخلاف الذي طغى على مؤتمر المناخ "كوب 30" في البرازيل، والذي تعثّر خلاله إدراج بند صريح ينص على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، رغم كونه المتهم الرئيسي في تفاقم أزمة المناخ.

اختبار مصيري للعلم

يمثل اجتماع سان دوني اختبارًا حقيقيًا لمصداقية المجتمع الدولي وقدرته على الفصل بين العلم والسياسة، وبين مصالح الحاضر وحقوق الأجيال المقبلة. ففي الوقت الذي يصر فيه العلماء على أن الأدلة العلمية باتت قاطعة، لا تزال الحسابات السياسية تعرقل اتخاذ القرارات الجذرية المطلوبة.

وتبقى الأنظار متجهة إلى فرنسا التي تحاول، مرة أخرى، لعب دور القائد في ملف المناخ، في وقت يحتاج فيه العالم إلى أكثر من بيانات ووعود؛ يحتاج إلى أفعال حقيقية قبل فوات الأوان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية