ضمن الحراك البيئي.. احتجاجات نشطاء المناخ تعطل سفينة فحم قبالة أستراليا
ضمن الحراك البيئي.. احتجاجات نشطاء المناخ تعطل سفينة فحم قبالة أستراليا
شهد الساحل الشرقي لأستراليا، السبت، حدثاً غير مألوف أعاد إلى الواجهة الجدل المحتدم حول مستقبل الفحم والمخاوف البيئية المتصاعدة، فقد تمكنت مجموعة من المدافعين عن المناخ من إجبار سفينة مخصصة لنقل الفحم على التراجع قبل دخولها ميناء نيوكاسل، وهو أكبر ميناء لتصدير الفحم في البلاد، الأمر الذي أدى إلى اعتقال أحد عشر ناشطاً من قبل شرطة ولاية نيو ساوث ويلز، وبينما وقع الاحتجاج خلال وقت قصير، فإن تداعياته السياسية والاقتصادية والبيئية أخذت مساحة واسعة في النقاش العام، وخاصة مع تزايد التحركات الشعبية المطالبة بوقف الاعتماد على الوقود الأحفوري.
تفاصيل الحادث
جاءت الحادثة عندما اقتربت السفينة سيمتكس ليدر من قناة الشحن المؤدية إلى ميناء نيوكاسل في أستراليا، وفي اللحظات التي سبقت وصولها، دخلت قوارب صغيرة وعلى متنها ناشطون بيئيون إلى القناة، كما قفز بعض المتظاهرين إلى الماء في محاولة لعرقلة مرور السفينة، وأعلنت شرطة نيو ساوث ويلز أن المشاركين في الاحتجاج ارتكبوا ما وصفته بجرائم بحرية، دون تقديم تفاصيل موسعة حول طبيعة الاتهامات. ومع ذلك، أكدت الشرطة أن الإجراءات المتخذة تهدف إلى ضمان سلامة الملاحة وحماية أرواح المحتجين أنفسهم وفق وكالة أنباء رويترز.
وفي بيان للميناء، أوضح المتحدث الرسمي أن احتجاج اليوم لم يؤثر في حركة الشحن بشكل عام، باستثناء السفينة التي اضطرت إلى التراجع، وأكد أن الميناء سيواصل العمل وفق جدول الحركة المعتاد، في إشارة إلى رغبة السلطات في تجنب آثار اقتصادية أو تجارية قد تثير قلق المستثمرين.
وضع الميناء بين ضغوط الاقتصاد والمناخ
يعد ميناء نيوكاسل أحد أكثر النقاط الحيوية في سلسلة تصدير الفحم الأسترالي، إذ تمر عبره ملايين الأطنان سنوياً نحو الأسواق العالمية، خاصة في آسيا، ويشكل الفحم إضافة إلى خام الحديد أحد أعمدة الاقتصاد الأسترالي، كما يوفر آلاف الوظائف، ولهذا السبب يجد المسؤولون الحكوميون أنفسهم بين نارين: نار الضغوط البيئية التي تتزايد عاماً بعد عام، ونار المصالح الاقتصادية الضخمة المرتبطة بالمصدر الأول للطاقة في أستراليا.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن الاعتماد على الفحم لا يزال جزءاً مهماً من الموازنة الأسترالية، ما يجعل من أي دعوات لوقفه بشكل فوري أمراً يحمل تداعيات اقتصادية كبرى. غير أن النشطاء البيئيين يرون أن تجاهل أزمة المناخ والتأخر في التحول إلى مصادر الطاقة البديلة قد يكلف البلاد ثمناً أكبر على المدى الطويل.
حراك متجدد يقوده المدافعون عن المناخ
جماعة رايزينج تايد التي تبنت الاحتجاج قالت إن الشرطة فقدت السيطرة على قناة الشحن بعد دخول القوارب الصغيرة والسباحين إليها، ما أجبر السفينة على التراجع، وأضافت الجماعة أن الاحتجاج يأتي ضمن سلسلة من التحركات التي تنظمها للضغط على الحكومة الأسترالية كي تضع حداً لتصدير الفحم وتتبنى سياسة أكثر وضوحاً في مواجهة تغير المناخ.
وكانت الجماعة قد نفذت احتجاجاً مماثلاً العام الماضي، حيث تمكن نشطاؤها من تعطيل حركة السفن في المنطقة نفسها، في رسالة مفادها أن المعركة ضد الفحم لن تتوقف وأن الضغط الشعبي قد يتحول إلى عنصر مؤثر في تشكيل السياسات المستقبلية.
مشهد احتجاجي يعكس انقساماً عميقاً
قضية المناخ في أستراليا ليست مجرد نقاش حول البيئة، بل أصبحت واحدة من أكثر القضايا المثيرة للانقسام. ففي الوقت الذي ترى فيه شريحة واسعة من المجتمع أن الانتقال السريع إلى الطاقة النظيفة ضرورة حتمية، لا تزال قطاعات أخرى تعد أن التخلي عن الفحم سيعرض الاقتصاد للخطر ويؤثر في العمال والصناعات المرتبطة به.
ويشير مراقبون إلى أن الاحتجاج الأخير يعكس هذا الانقسام بشكل صارخ، إذ إنه لم يكن مجرد مواجهة بين الشرطة والناشطين، بل مواجهة بين رؤيتين مختلفتين لمستقبل البلاد. رؤية تعتمد على إرث طويل من الاعتماد على الموارد الطبيعية، ورؤية أخرى تؤمن بأن الأزمات البيئية التي يعيشها العالم اليوم باتت تتطلب تغييراً جذرياً.
تفاعل الشارع الأسترالي
أثار الحدث ردود فعل متباينة داخل أستراليا، فهناك من عبر عن دعمه للناشطين واعتبر أن ما فعلوه خطوة شجاعة تسلط الضوء على المخاطر الكارثية لاستمرار الاعتماد على الفحم، في حين رأى آخرون أن تعطيل حركة الموانئ يضر بمصالح الدولة ويعرض حياة المحتجين للخطر، وطالبوا بتطبيق القانون بحزم.
أما الخبراء في مجالات البيئة والطاقة فقد أشاروا إلى أن هذا النوع من الاحتجاجات أصبح واقعاً متكرراً حول العالم، وهو يعكس تزايد القلق الشعبي من آثار تغير المناخ، ويرى بعضهم أن الحكومات بحاجة إلى التعامل مع هذه الأصوات بجدية كبرى، وليس فقط من خلال الإجراءات الأمنية، بل عبر تبني سياسات انتقال عادل للطاقة تأخذ في الحسبان مصلحة العمال والصناعات المعتمدة على الوقود الأحفوري.
من البحر إلى السياسات الكبرى
الاحتجاج الذي وقع في ميناء نيوكاسل قد يبدو حدثاً محدوداً في الزمن والمكان، لكنه يحمل دلالات واسعة في سياق السياسة الأسترالية، فالتقارير البيئية تؤكد أن البلاد تواجه تهديدات متزايدة بسبب موجات الحر والحرائق والجفاف، وأن استمرار الاعتماد على الفحم يضع أستراليا في موقع متأخر مقارنة بالدول التي بدأت بالفعل رحلة التحول نحو الطاقة النظيفة.
ويرى محللون أن الحكومة الأسترالية ستظل تحت ضغط كبير خلال السنوات المقبلة لتقليل الانبعاثات والالتزام بتعهداتها الدولية المتعلقة بالمناخ. كما يتوقع أن تتكرر هذه الاحتجاجات وربما تتسع، في ظل شعور جزء كبير من الشباب بالقلق على مستقبلهم البيئي.
شهدت أستراليا خلال العقد الأخير تصاعداً في الاحتجاجات البيئية بسبب القلق العالمي المتزايد من آثار تغير المناخ، ويعد الفحم أحد أبرز مصادر انبعاثات الكربون في البلاد، وأحد أهم صادراتها في الوقت نفسه، ما يجعل القضية محوراً للصراع بين البيئة والاقتصاد، وقد تعهدت الحكومة الأسترالية بخفض الانبعاثات ضمن اتفاق باريس للمناخ، إلا أن الانتقادات الدولية والمحلية تتواصل بسبب بطء التحول نحو الطاقة النظيفة، ويعد ميناء نيوكاسل مركزاً رئيسياً لتصدير الفحم، وهو ما جعله نقطة احتكاك متكررة بين الناشطين البيئيين والسلطات، ومع تصاعد الخسائر البيئية عالميا، تتزايد الدعوات داخل أستراليا لإعادة تقييم سياسات الطاقة وتوسيع الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، ما يضمن انتقالاً عادلاً ومستداماً يحمي البيئة ويصون المصالح الاقتصادية في آن واحد.











