تصاعد العنف الرقمي.. تضامن نسوي في ليبيا لمواجهة الأزمة بالوعي والمعرفة

تصاعد العنف الرقمي.. تضامن نسوي في ليبيا لمواجهة الأزمة بالوعي والمعرفة
جلسة توعوية بخطورة العنف الرقمي في ليبيا

برز العنف الرقمي في السنوات الأخيرة بوصفه أحد أخطر أشكال الانتهاكات التي تطول النساء والفتيات، بعدما تسللت الوسائط الرقمية إلى تفاصيل الحياة اليومية، وحوّلت الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي إلى مساحات قد تكون محفوفة بالتهديد والابتزاز والتشهير. 

وفي جنوب ليبيا، حيث تتقاطع الهشاشة المجتمعية مع ضعف الخدمات وغياب التوعية الكافية، بات هذا النوع من العنف يأخذ أبعاداً أكثر خطورة، ما استدعى تحركات نسائية جادة ضمن حملة الستة عشر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، لكسر دائرة الصمت، وتعزيز خطوط الحماية النفسية والقانونية والاجتماعية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الاثنين.

شددت المشاركات في الجلسة التوعوية التي عُقدت ضمن فعاليات الحملة على خطورة العنف الرقمي وآثاره الممتدة، مشيرات إلى أنه لم يعد مقتصراً على فئة معينة، بل بات يهدد النساء من مختلف الأعمار والخلفيات. 

ولفتت الناشطات إلى أن هذا النوع من العنف يتسلل إلى البيوت بصمت عبر الرسائل المجهولة، أو الصور المفبركة، أو حسابات التواصل المزيفة، ما يجعل المرأة في حالة خوف وارتباك دائمين، خصوصاً في البيئات التي تفتقر إلى المعرفة الرقمية والدعم المؤسساتي.

أزمة العنف الرقمي

أكّدت مدير الثقافة النسائية فاطمة زهراء معتوق، أن الجلسة ركزت هذا العام على العنف الرقمي تحديداً بسبب التوسع الكبير في استخدام التكنولوجيا، موضحة أن الكثير من النساء، خاصة ربات البيوت، لا يمتلكن معرفة كافية بطبيعة البرامج الحديثة القادرة على إنتاج صور ومقاطع مزورة أو مضللة. 

وأضافت أن التوعية تهدف إلى تمكين المرأة من التمييز بين المحتوى الحقيقي والمفبرك، ومن فهم المخاطر المحتملة التي قد تواجهها في الفضاء الرقمي، معتبرة أن الوعي هو الخطوة الأولى نحو الحماية.

وأوضحت المرشدة النفسية أسماء حسن، أن العنف الرقمي لا يُعد مجرد اعتداء إلكتروني عابر، بل يمثل جريمة نفسية واجتماعية قد تترك آثاراً طويلة الأمد، مثل القلق، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، والخوف من المحيطين. 

وبيّنت أن الابتزاز والتشهير والتهديد تؤثر بشكل مباشر في حياة المرأة اليومية، وعلاقاتها الأسرية، وفرصها التعليمية والعملية، وقد تدفع بعض الضحايا إلى العزلة أو الصمت تجنباً للفضيحة أو اللوم المجتمعي.

وأشارت إلى أن خطورة هذه الأفعال تكمن في كونها غير مرئية للعين، لكنها تترك ندوباً عميقة في النفس، خاصة في المجتمعات المحافظة التي قد تلقي باللوم على الضحية بدلاً من الجاني، ما يضاعف من حجم المعاناة ويقلص فرص البوح وطلب المساعدة.

لا مبرر ولا عذر للعنف

شددت الناشطة المدنية أميرة نوري على أن حملة هذا العام، الممتدة من 25 نوفمبر المنقضي حتى 10 ديسمبر الجاري، حملت رسالة واضحة مفادها “لا عذر ولا تبرير”، في إشارة إلى رفض أي محاولة لتخفيف مسؤولية المعتدي أو تحميل الضحية تبعات ما حدث. 

وأضافت أن الجلسات لم تقتصر على التعريف بالعنف الرقمي فحسب، بل تناولت أيضاً سبل التبليغ الآمن، والتشريعات القائمة، ووسائل الدعم النفسي والقانوني المتوفرة، في محاولة لخلق شبكة أمان تحيط بالنساء المهددات.

وأشارت إلى أن كثيراً من النساء طرح أسئلة حول كيفية الإبلاغ، ومن يمكنه مساعدتهن، وأين يمكنهن اللجوء دون تعريض أنفسهن للخطر، وهو ما يعكس حجم القلق وصعوبة الواقع الذي يعشنه يومياً.

التضامن المجتمعي قوة دفاع

ركّزت حفصة عبد الحميد على أهمية التضامن المجتمعي في مواجهة هذه الظاهرة، داعية إلى اعتبار الأمن الرقمي مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند المؤسسات الرسمية. 

وأكدت أن التوعية يجب ألا تقتصر على فترة الحملة، بل يجب أن تتحول إلى جهد مستدام على مدار العام، يعمل على بناء مجتمع أكثر وعياً وقدرة على حماية النساء والفتيات من الابتزاز والتهديد.

واختتمت تودد الأخضر بتأكيد أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، يمكن أن تكون وسيلة للتعلم والتواصل، لكنها قد تتحول إلى أداة لإيذاء الآخرين إذا غاب الوعي. 

وشجعت النساء على التحدث عن تجاربهن وكسر حاجز الخوف، معتبرة أن طلب المساعدة ليس ضعفاً، بل خطوة شجاعة نحو استعادة الأمان والكرامة.

بهذه الجهود النسائية المتكاتفة في الجنوب الليبي، تتجسد معركة حقيقية ضد العنف الرقمي، تقوم على المعرفة والتضامن والتمكين، في محاولة لحماية النساء من خطر خفي، لكنه شديد القسوة والتأثير.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية