بسبب انهيار المساعدات الدولية.. مؤسسة غيتس تحذر من ارتفاع وفيات الأطفال
بسبب انهيار المساعدات الدولية.. مؤسسة غيتس تحذر من ارتفاع وفيات الأطفال
أزمة إنسانية تلوح في الأفق يواجه العالم ملامحها الأولى هذا العام، مع تحذير صادم كشفته مؤسسة غيتس، الخميس، يشير إلى أن نحو 200 ألف طفل إضافي قد يفقدون حياتهم قبل بلوغ الخامسة مقارنة بالعام الماضي، ويعكس هذا الارتفاع المتوقع أول انتكاسة في معدلات وفيات الأطفال التي يمكن الوقاية منها منذ بداية القرن، بعدما نجح العالم خلال عقود في خفض هذه النسب إلى النصف تقريبًا، إلا أن هذا التراجع التاريخي بات مهددًا بالانهيار نتيجة تقلص المساعدات الدولية وتراجع الإنفاق الصحي العالمي.
وتشير تقديرات مؤسسة غيتس وفق وكالة رويترز إلى أن وفيات الأطفال قد ترتفع من أربعة ملايين وستمئة ألف وفاة سجلت عام 2024 إلى نحو أربعة ملايين وثمانمئة ألف وفاة بنهاية هذا العام، ومع أن الأرقام تكشف جزءًا من الأزمة، فإن عمق المشكلة يتضح عند مقارنة هذا التراجع بعقود من الجهود والبرامج التي بدأت منذ مطلع الألفية، وأسهمت في تقليص وفيات الأطفال عبر التطعيم والرعاية الصحية الأولية وتوفير التغذية الأساسية.
وأكد بيل غيتس، رئيس المؤسسة، في مقدمة تقريرها السنوي حراس الأهداف، أن العالم يعيش لحظة خطيرة، قائلا إن التقدم الذي تحقق عبر عقود طويلة بدأ يتراجع بوتيرة مقلقة مع ازدياد التحديات وانكماش التمويل.
التقرير الذي يتابع مسار أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، تأخر صدوره هذا العام بسبب غموض يكتنف مستقبل التمويل العالمي للصحة، الأمر الذي يعكس حجم الاضطراب الذي تواجهه المنظومة الصحية في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل.
تراجع عالمي في الدعم
لا تقف الأزمة عند حدود دولة بعينها، فقد بدأت تخفيضات المساعدات الدولية من الولايات المتحدة مطلع العام، لتتبعها دول مانحة كبرى مثل بريطانيا وألمانيا، وتُظهر الأرقام الواردة في التقرير أن التمويل الإنمائي العالمي المخصص للصحة انخفض بنحو 27 في المئة مقارنة بالعام السابق، وهو تراجع يعتبر الأكبر منذ انتهاء جائحة كوفيد وتسوية تداعياتها المباشرة.
وترى مؤسسة غيتس أن هذه التخفيضات تقوض مباشرة القدرة على حماية الأطفال، إذ تتزامن مع ارتفاع كبير في المديونية، وتراجع قدرة الأنظمة الصحية في العديد من البلدان على توفير الحد الأدنى من الرعاية. ويحذر التقرير من أنه في حال استمرار سياسات التخفيض الحالية، فإن العالم قد يشهد وفاة إضافية تتراوح بين 12 و16 مليون طفل بحلول عام 2045.
وتشدد مؤسسة غيتس على أن ما يواجهه العالم اليوم ليس مجرد زيادة في وفيات الأطفال، بل تهديد حقيقي لمسار إنساني كامل امتد لأكثر من عقدين من التقدم، فقد أسهمت المساعدات الدولية منذ عام 2000 في إنقاذ حياة عشرات ملايين الأطفال حول العالم، عبر دعم برامج التطعيم ورعاية الأمومة وتوسيع خدمات المراكز الصحية الريفية، ومع تراجع هذا التمويل، تشير النماذج إلى أن السنوات المقبلة قد تشهد عودة أمراض كان العالم قد نجح في السيطرة عليها.
ويستند التقرير في أرقامه إلى نماذج معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، وهو أحد أبرز المؤسسات البحثية في مجال الإحصاء الصحي.
وتوصي المؤسسة بضرورة مضاعفة جهود الحكومات للمحافظة على البرامج الصحية الحيوية، خاصة في مجالات التطعيم والرعاية الأولية.
العالم أمام تحذير أممي
في خضم هذه الأزمة، أكدت منظمة الصحة العالمية أن العالم يمر بحالة طوارئ تمويلية غير مسبوقة في القطاع الصحي، خصوصًا في الدول التي تعاني من مستويات ديون مرتفعة، وخلال اجتماع في جنيف جمع وزراء الصحة الأفارقة، شدد المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس على أن تراجع المساعدات الدولية يؤدي إلى انقطاع واسع في الخدمات الصحية الأساسية.
وأوضحت المنظمة في تقرير حديث أن التمويل الدولي الموجه للصحة قد ينخفض بأكثر من 30 في المئة خلال عام 2025 مقارنة بعام 2023، وتؤثر هذه التخفيضات على خدمات أساسية مثل التطعيم، ورعاية الأمومة، ومكافحة الأمراض المعدية، وتوفير الدواء، حيث أفادت ما يقرب من 70 في المئة من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل بأنها تشهد اضطرابات حقيقية في خدماتها الصحية الأساسية.
ولم يكن تراجع التمويل نتيجة ظرف منفرد، بل هو نتاج سياسات تراكمت منذ جائحة كوفيد، وذكرت منظمة الصحة العالمية أن الولايات المتحدة، التي كانت الأكبر في حجم المساعدات الدولية، خفضت بشكل كبير مساهماتها الخارجية، وهو ما تزامن مع توجه مشابه من مانحين رئيسيين آخرين، فأدى ذلك إلى ندرة التمويل في أكثر الدول هشاشة، وقال غيبرييسوس إن التخفيضات الكبيرة في الميزانيات الصحية أدت إلى نقص خطير في الدواء والبرامج الأساسية في ما يقرب من ثلث الدول الفقيرة.
ورغم هذا المشهد المتشائم، يعتقد غيبرييسوس أن الأزمة تمثل فرصة لإعادة التفكير في نموذج التمويل الصحي، داعيا إلى بناء أنظمة صحية مستقلة وقادرة على تحمل الصدمات، بحيث لا تبقى الدول الفقيرة رهينة تقلّبات المساعدات.
توصيات لمواجهة الانهيار الصحي
قدمت منظمة الصحة العالمية مجموعة من التوصيات للدول المتضررة، تتمثل في زيادة الاستثمارات المحلية في القطاع الصحي، والحفاظ على ميزانيات الصحة دون مساس حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وتوجيه التمويل المتاح نحو الخدمات الأكثر تأثيرًا في حياة الأطفال والأمهات.
كما دعت إلى تعزيز الشفافية في الإنفاق الصحي وتحسين إدارة الموارد، باعتبارهما شرطين أساسيين لنجاح أي برنامج إصلاحي.
وأكدت المنظمة أن تحقيق نظام صحي عادل ومستدام لا يعتمد فقط على التمويل الدولي، بل على بناء سياسات وطنية قادرة على حماية الفئات الأضعف خلال الأزمات.
تراجعت وفيات الأطفال عالميًا منذ عام 2000 إلى أقل من النصف، نتيجة برامج واسعة قادتها الأمم المتحدة ومنظمات دولية ومؤسسات مانحة، كان أبرزها برامج التطعيم الموسع ومبادرات الرعاية الصحية الأولية، وقد أسهم التمويل الدولي في دعم أنظمة صحية داخل دول منخفضة الدخل، عبر توفير أدوية أساسية وخدمات أمومة ومراكز تطعيم، لكن منذ جائحة كوفيد، بدأت مستويات التمويل بالانخفاض التدريجي، مع ازدياد الديون العامة في الدول الفقيرة وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ما أدى إلى تراجع جودة الخدمات الصحية.
اليوم، يواجه العالم أزمة متشابكة تجمع بين نقص التمويل، وهشاشة الأنظمة الصحية، واتساع الفجوات الاقتصادية، وهو ما يهدد بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في مجال حماية الأطفال، ما لم تُتخذ خطوات حاسمة لاستعادة التوازن وضمان استمرار الاستثمار في صحة الأجيال المقبلة.











