سياسات ترامب ومداهمات الهجرة تهدد أجواء كأس العالم في الولايات المتحدة
سياسات ترامب ومداهمات الهجرة تهدد أجواء كأس العالم في الولايات المتحدة
تتجه أنظار مئات الملايين حول العالم إلى الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لمتابعة المونديال الكروي في صيف عام 2026 حيث تستضيف القارة الحدث الرياضي الأكبر والأكثر متابعة، وبرغم أن الولايات المتحدة تستحوذ على الحصة الكبرى من المباريات، فإن هذه الاستضافة تأتي في ظل مشهد داخلي محتقن يخيّم عليه الجدل المتصاعد حول سياسات الهجرة التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورغم أن ترامب ليس من أشد المتحمسين لكرة القدم، فإنه يدرك أهميتها الرمزية وقد أسهم خلال وجوده في السلطة في تمهيد الطريق لفوز بلاده بشرف التنظيم.
وتشير مجلة "فورين بوليسي" في تقرير لها الجمعة أن هذه الخطوات السياسية التي حرصت على تعزيز مكانة الولايات المتحدة على مسرح الرياضة العالمية تتعارض مع إجراءات تنفيذية قاسية بدأت تفرض ظلالاً ثقيلة على المدن التي ستستقبل مئات آلاف المشجعين من مختلف القارات، فمع مرور الشهور واقتراب البطولة، تتعالى المخاوف من أن تؤدي حملات المداهمة الواسعة التي تنفذها أجهزة الهجرة إلى تقويض الطابع الاحتفالي الذي يميز كأس العالم ويجمع شعوب الأرض في مساحة مشتركة من الفرحة والرياضة.
بؤرة التوتر في المدن المستضيفة
تشير مجلة فورين بوليسي إلى أن الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة تركز عمليات المداهمة في مدن ذات غالبية ليبرالية، وهي ذاتها التي ستحتضن مباريات البطولة، مثل لوس أنجلوس وشيكاغو ونيويورك، وتؤكد المجلة أن ما يحدث ليس مجرد تنفيذ لقواعد الهجرة، بل هو تصعيد مستمر أنتج دوائر من الاحتجاجات والعصيان المدني وتوترات عامة متكررة، ففي لوس أنجلوس شهد الصيف الماضي مواجهات واسعة بين السكان ووكلاء الهجرة على خلفية توقيفات وعمليات ترحيل مباغتة، ما أدى إلى شلل في بعض الأحياء وإلى شعور عميق بعدم الأمان داخل المجتمعات اللاتينية.
وتوضح المجلة أن هذه الدوامة التصعيدية تتغذى من معادلة معقدة، فكلما شددت سلطات الهجرة حملاتها، ازدادت المقاومة داخل المدن التي لم تمنح ترامب دعماً انتخابياً كبيراً، فترد الحكومة الفيدرالية بإجراءات أكثر حدة، منها نشر قوات تابعة لحرس الحدود في الشوارع، ويقود ذلك إلى مشهد سياسي متوتر قد يتحول، مع دخول البطولة، إلى أحد أكثر التحديات التي تواجه صورة الولايات المتحدة أمام ملايين المتابعين حول العالم.
مخاوف داخل الجاليات اللاتينية
تسجل المجتمعات اللاتينية بأطيافها المختلفة أعلى مستويات القلق. فالتجارب التي برزت خلال الأشهر الماضية، من توقيف مواطنين أمريكيين بناء على مظهرهم اللاتيني إلى احتجاز أشخاص يحملون وثائق إقامة قانونية، خلفت شعوراً عاماً بالخوف وعدم اليقين، وتنعكس هذه الحالة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في أحياء تعتمد عادة على حيوية السكان من أصول لاتينية، خاصة في لوس أنجلوس وشيكاغو وهيوستن.
وفي السياق نفسه تبرز المفارقة المتعلقة بالجانب الرياضي للحدث، ففي الظروف العادية يشكل يوم مباراة لمنتخب المكسيك عيداً اقتصادياً واجتماعياً في مناطق مثل وسط لوس أنجلوس أو حي ليتل فيليج في شيكاغو، وتشهد المطاعم والمتاجر نمواً ملاحظاً في المبيعات ويغمر الشوارع طابع احتفالي يدمج الثقافة والرياضة، لكن ذلك قد يصبح حلماً بعيد المنال في ظل احتمالات وجود دوريات أمنية مكثفة، خصوصاً إذا كانت هذه الدوريات تستهدف الأشخاص بناءً على اللغة أو لون البشرة وليس على مخالفات قانونية حقيقية.
وقائع تزيد من عمق الأزمة
إحدى الإشارات البارزة على ارتفاع مستوى التوتر تجلت عندما تقرر نقل مباراة ودية بين منتخب الأرجنتين وبورتوريكو من شيكاغو إلى فلوريدا بسبب حالة الذعر التي اجتاحت الجاليات اللاتينية في أعقاب موجة مداهمات طالت عشرات الأسر، وقد رأى البعض أن النقل إلى فلوريدا قد يخفف من المخاوف، لكن الوقائع أثبتت عكس ذلك. ففي الولاية نفسها سجلت حادثة مثيرة للجدل حين جرى احتجاز سائح مكسيكي يحمل تأشيرة نظامية بعد إيقافه لأسباب تتعلق بمظهره الخارجي.
وفي تكساس وفلوريدا وغيرها من الولايات التي منحت الشرطة صلاحيات واسعة لتنفيذ قوانين الهجرة، يمكن لأي احتكاك بسيط مع رجال الأمن بعد مباراة صاخبة أو احتفال جماهيري أن ينتهي إلى احتجاز قاسٍ قد يطول حتى الزوار الحاصلين على تأشيرات رسمية، وتشير فورين بوليسي إلى أن هذه الممارسات وقعت بالفعل في مناسبات سابقة، ما يرفع احتمالات تكرارها خلال البطولة.
استغلال الأحداث الرياضية للمداهمات
أحد المخاوف الكبرى يتمثل في احتمال استغلال التجمعات الرياضية الكبيرة لشن مداهمات واسعة، وقد أثارت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم جدلاً حين ألمحت إلى أن حضور المغني اللاتيني الشهير باد باني في حفل السوبر بول قد يدفع الوكالات الأمنية إلى إرسال فرق ميدانية إلى مكان الحدث، رغم أن الفنان يحمل الجنسية الأمريكية، ويعزز هذا التصريح أن حضور منتخبات لاتينية في كأس العالم قد يتحول إلى ذريعة لعمليات كبرى.
وتشير المجلة إلى أن بوادر ذلك ظهرت بالفعل عندما لعب منتخبا المكسيك وجمهورية الدومينيكان مباراة في كاليفورنيا خلال ذروة التصعيد الأمني، وقد اضطرت الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم إلى إصدار بيان علني تطالب فيه السلطات الأمريكية بضمان سلامة المشجعين، في حين اضطر المنتخب المكسيكي نفسه إلى تغيير فندقه بعد احتجاجات واشتباكات بين السكان ووكلاء الهجرة.
إجراءات غير كافية
تؤكد فورين بوليسي أن إدارة ترامب قادرة على ضمان نجاح مونديال 2026 إذا أرادت أن يظهر الحدث بصورة تعكس قيم الاحتفال والرياضة والإنسانية، وتشير المجلة إلى أن الإدارة قدّمت بالفعل تسهيلاً مهماً يتمثل في تصريح فيفا الذي يمنح المشجعين إجراءات دخول مبسطة، لكنها تؤكد أن هذا الإجراء غير كافٍ ما لم يتم تعليق حملات المداهمة أو تقليصها بشكل جذري طول فترة البطولة.
وترى المجلة أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يمتلك القدرة على التأثير، ولو من خلف الكواليس، لدفع الولايات المتحدة إلى تهدئة الأجواء، فالهيئة الدولية سبق أن ضغطت على دول مستضيفة لاتخاذ إجراءات مؤقتة لضمان أمان الجماهير، ومنها التصدي لأحداث عنصرية أو العنف في الملاعب أو تقديم تطمينات لمجتمعات متنوعة.
لكن المؤشرات الحالية داخل الولايات المتحدة توحي بمسار مقلق، خصوصاً بعد إعلان توسيع قائمة حظر السفر لتشمل مواطني تسع عشرة دولة، بينها دول مشاركة في البطولة مثل هايتي وإيران، ويثير هذا القرار أسئلة حول قدرة الولايات المتحدة على خلق بيئة مرحبة تحترم روح المونديال الذي يجمع شعوباً وثقافات مختلفة تحت راية الرياضة.
الأمل في بطولة بلا مشاهد متوترة
بينما يستعد العالم للمونديال ويتطلع إلى لحظة تتجاوز السياسة وتعيد التذكير بقدرة الرياضة على توحيد البشر، يظهر أمل واحد تتشاركه ملايين الجماهير بأن تمر البطولة دون مشاهد مداهمة أو اعتقالات في محيط الملاعب، وتختتم المجلة بالقول إن وقف هذه الحملات خلال البطولة سيكون بمنزلة خطوة تستحق جائزة للسلام لأنها ستكون قادرة على حماية جوهر كرة القدم بوصفه ملتقى عالمياً للفرح وليس منصة للصراع.
تعد الولايات المتحدة إحدى أكبر الوجهات للمهاجرين حول العالم وتشهد منذ سنوات جدلاً متصاعداً بشأن سياسات الهجرة واللجوء، وقد تبنت الإدارات الجمهورية والديمقراطية سياسات متباينة، في حين اتخذت إدارة ترامب نهجاً أكثر صرامة شمل تشديد المداهمات وتوسيع صلاحيات الشرطة المحلية في بعض الولايات، وتأتي استضافة المونديال عام 2026 لتضع هذه السياسات تحت اختبار غير مسبوق بسبب حجم الحشود المتوقعة وتنوعها، وتشمل المدن المستضيفة كبرى المراكز الحضرية التي تضم كتلاً سكانية كبيرة من أصل لاتيني، وهي من أكثر الفئات تضرراً من حملات الهجرة، كما أن سجل الولايات المتحدة في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى يظهر أن استثناءات أمنية عادة ما تُقر لتسهيل حركة الجماهير، ما يجعل الجدل الحالي حول كأس العالم مرتبطاً مباشرة بتوازن حساس بين الأمن والاحتفال الرياضي العالمي.











