وسط جدل حقوقي.. المحكمة العليا تراجع مرسوم ترامب بشأن إسقاط حق المواطنة بالولادة

وسط جدل حقوقي.. المحكمة العليا تراجع مرسوم ترامب بشأن إسقاط حق المواطنة بالولادة
المحكمة الأمريكية العليا

دخل الجدل المتصاعد حول حقوق المهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة مرحلة جديدة بعد أن وافقت المحكمة العليا الأمريكية، الجمعة، على مراجعة دستورية المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب ويلغي حق المواطنة بالولادة لأطفال المهاجرين الذين لا يملكون وضعاً قانونياً مستقراً، وجاء هذا التطور بعد أشهر من المناقشات القانونية الحادة وقرارات صادرة عن محاكم دنيا أجمعت على أن القرار غير دستوري.

يقضي المرسوم بمنع الحكومة الفيدرالية من إصدار جوازات سفر أو شهادات جنسية للأطفال المولودين لأمهات تقيم بصورة غير قانونية أو مؤقتة داخل الأراضي الأمريكية، كما يشمل القرار الأطفال المولودين لآباء يحملون تأشيرات مؤقتة مثل تأشيرات الدراسة أو العمل أو السياحة، ما يعني توسيع نطاق الفئات المتأثرة ليشمل شرائح واسعة من المقيمين بصورة شرعية ولكن غير دائمة وفق فرانس برس.

وجاء قرار ترامب بتوقيع المرسوم فور عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، في إطار جهود أعلن عنها مراراً لمكافحة الهجرة غير النظامية وتقييد ما يعده ثغرات قانونية تتيح الحصول على الجنسية الأمريكية بمجرد الولادة داخل البلاد.

تحول قضائي واسع التأثير

تأتي خطوة المحكمة العليا بعد سلسلة من الأحكام أصدرتها محاكم ابتدائية ومحاكم استئناف علقت تنفيذ المرسوم وعدته يتعارض مع نصوص الدستور والتعديلات المرتبطة به، إلا أن المحكمة العليا كانت قد أرست منذ يونيو الماضي اتجاهاً يقيد قدرة القضاة في المحاكم الدنيا على إصدار قرارات توقف -على مستوى البلاد- الإجراءات التنفيذية التي تتخذها الإدارة، وهو ما عُدّ تمهيداً لمرحلة جديدة قد تحد من التدخل القضائي الواسع الذي ميز السنوات الأخيرة.

وبموافقتها على النظر في الطعون المقدمة من إدارة الرئيس ترامب، تكون المحكمة العليا قد فتحت الباب أمام معركة قانونية كبرى من المتوقع أن تحمل تداعيات واسعة على ملايين المقيمين في الولايات المتحدة، وعلى السياسات الفيدرالية المتعلقة بالهجرة والجنسية.

وأثار القرار ردود فعل قوية من جماعات الدفاع عن الحقوق المدنية والمنظمات القانونية التي خاضت على مدى الأشهر الماضية سلسلة من النزاعات القضائية ضد المرسوم. وأكدت سيسيليا وانغ، مديرة الشؤون القانونية في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أن المرسوم يمثل انتهاكاً صارخاً لأكثر من مئة عام من السوابق القضائية التي أكدت مبدأ المواطنة بالولادة بوصفه ركناً أساسياً من أركان النظام الدستوري الأمريكي.

وقالت وانغ إن القرار يمثل هجوماً مباشراً على المجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة وعلى الحقوق الدستورية الراسخة التي يكفلها التعديل الرابع عشر للدستور، وأشارت إلى أن الاتحاد حقق نجاحات قانونية متتالية أمام مختلف المحاكم الفيدرالية، مؤكدة الاستعداد لخوض المعركة أمام المحكمة العليا وبذل كل الجهود لإلغاء المرسوم بصورة نهائية.

جدل سياسي وقانوني

المرسوم لا يأتي بمعزل عن سياق سياسي واجتماعي مشحون. فمنذ توليه السلطة، دفع ترامب باتجاه تشديد واسع في سياسات الهجرة، من بناء الجدار الحدودي مع المكسيك إلى فرض قيود على التأشيرات وبرامج اللجوء، وصولاً إلى توسيع صلاحيات وكالات الهجرة، ويعد إسقاط حق المواطنة بالولادة أحد أكثر التحركات إثارة للجدل؛ إذ يستهدف تغييراً جذرياً في مبدأ قانوني استقر منذ قرن ونصف.

ويستند المعترضون إلى أن التعديل الرابع عشر الذي اعتمد عام 1868 بعد الحرب الأهلية لإقرار حقوق العبيد المحررين، نص بوضوح على أن أي شخص يولد داخل الولايات المتحدة يعد مواطناً أمريكياً تلقائياً، وقد شكل هذا المبدأ حجر الأساس في إدماج الأجيال اللاحقة من المهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد عبر مراحل مختلفة من تاريخها.

ومن شأن مراجعة المحكمة العليا لهذا الملف إعادة فتح النقاش حول حدود السلطة التنفيذية في تغيير قواعد المواطنة، وحول قدرة رئيس الولايات المتحدة على إلغاء حقوق دستورية بنصوص تنفيذية، ويشير خبراء القانون الدستوري إلى أن المحكمة العليا، بغالبية قضاتها المحافظين، قد تتبنى قراءة جديدة لمفهوم الخضوع للسلطة القانونية، وهو المفهوم الذي يكمن وراء تفسير التعديل الرابع عشر.

ويحذر آخرون من أن أي قرار يحد من نطاق المواطنة بالولادة قد يؤدي إلى فوضى قانونية واسعة تشمل ملايين الأسر، ويزرع حالة من عدم اليقين بين المقيمين الذين يعتمد مستقبل أطفالهم على وضوح القواعد الدستورية والمؤسسية المنظمة للجنسية.

توقعات المعركة المقبلة

من المنتظر أن تشكل هذه القضية واحدة من أهم الملفات القانونية في العام المقبل. وسيخضع الطرفان لسلسلة من الجلسات والمرافعات أمام هيئة المحكمة العليا، في وقت ستتابع فيه الجماعات الحقوقية والمجتمعات المهاجرة التطورات بدقة نظراً لتأثيراتها المحتملة في حياتهم اليومية ومستقبل أطفالهم، وبغض النظر عن المآل النهائي للقضية، فإنها ستعيد صياغة النقاش الوطني حول هوية الولايات المتحدة ورؤيتها لدورها بوصفها مجتمعاً قائماً على الهجرة والتنوع.

ويعتمد النظام الأمريكي منذ عام 1868 مبدأ المواطنة بالولادة الذي نص عليه التعديل الرابع عشر للدستور بعد الحرب الأهلية، بهدف ضمان حقوق العبيد المحررين ومنحهم وأطفالهم وضعاً قانونياً كاملاً، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المبدأ حجر الزاوية في سياسات الاندماج الاجتماعي وتوسيع قاعدة المواطنة، وقد سبق أن حاولت إدارات مختلفة تفسير بعض جوانب التعديل الرابع عشر، إلا أن كل المحاولات التي استهدفت تقييد نطاقه قوبلت برفض قضائي متواصل.

وتمثل مراجعة المحكمة العليا الحالية أول محاولة جادة لإعادة النظر في حدود المبدأ منذ عقود طويلة، وفي حال اتخذت المحكمة قراراً يؤيد مرسوم ترامب فسيكون ذلك تحولاً قانونياً غير مسبوق قد يغير وجه النظام الدستوري والهجرة في الولايات المتحدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية