البرلمان الألماني يقر إصلاح نظام التقاعد وسط انقسامات سياسية ومخاوف مستقبلية

البرلمان الألماني يقر إصلاح نظام التقاعد وسط انقسامات سياسية ومخاوف مستقبلية
المستشار فريدريش ميرتس ونائبه كلينغبايل

أقرّ البرلمان الألماني (البوندستاغ) مشروع إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل بأغلبية بلغت 319 صوتاً من أصل 598، في خطوة منحت المستشار فريدريش ميرتس دفعة سياسية قوية بعد أسابيع من التوتر والانقسامات داخل الائتلاف الحاكم وبين أجنحة حزبه المحافظ. 

وجاء التصويت ليضع حدّاً لأزمة كادت تتطور إلى شرخ داخلي كبير، بعد تمرد مجموعة من النواب الشباب الذين عدّوا المشروع مكلفاً وغير عادل للأجيال القادمة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية اليوم السبت.

ويعدّ تمرير المشروع انتصاراً سياسياً لحكومة الائتلاف بين المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين التي واجهت في الأشهر الماضية انتقادات متزايدة بسبب خلافات متراكمة حول ملفات اقتصادية واجتماعية حساسة.

تثبيت المعاشات حتى 2031

ينص الإصلاح على تثبيت مستوى المعاشات التقاعدية عند 48% من متوسط الدخل الحالي في ألمانيا حتى عام 2031، وهو بند عدّه مؤيدو المشروع أساسياً للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وضمان كرامة المتقاعدين، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات ديموغرافية متصاعدة بفعل شيخوخة السكان وتراجع معدل المواليد.

وترى الحكومة أن هذا التثبيت ضروري لمنع اتساع الفقر بين كبار السن، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار الطاقة والسكن في السنوات الأخيرة.

وفي أول تعليق رسمي عقب تمرير القانون، وصفت وزيرة العمل الاشتراكية الديمقراطية بيربل باس القرار بأنه: "إشارة مهمة، خلال هذه الأشهر السبعة من عمل الحكومة، إلى أن الغالبية البرلمانية ما تزال حاضرة، حتى في القضايا المجتمعية المعقدة والحساسة".

وأكدت الوزيرة أن إصلاح نظام التقاعد لا يتعلق فقط بالأرقام الاقتصادية، بل بمستقبل ملايين المواطنين الألمان الذين يعتمدون على المعاش التقاعدي بوصفه مصدر دخل رئيسياً بعد سنوات من العمل.

المعارضة تبقى حاضرة

قبيل التصويت، أعلن حزب اليسار بشكل مفاجئ أنه سيمتنع عن التصويت، لا دعماً للمشروع ولكن رفضاً لأي سيناريو يُفضي إلى خفض المعاشات مستقبلاً. 

وقالت النائبة هايدي رايشينيك من على منصة البرلمان: “نحن لا نقدم أي تنازلات سياسية، لكننا في الوقت نفسه نمنع أي خفض إضافي في مستوى المعاشات التقاعدية”.

وأسهم هذا الموقف عملياً في تمرير القانون، عبر تقليص عدد الأصوات المعارضة، لكنه عكس في الوقت ذاته عمق الخلافات حول مستقبل نظام الرفاه الاجتماعي في ألمانيا.

تمرد داخل الحزب المحافظ

لم تكن المعارضة محصورة في الأحزاب المنافسة، بل ظهرت أيضاً داخل صفوف الحزب المحافظ نفسه، حيث قاد 18 نائباً من الجناح الشبابي تمرداً ضد المشروع، معتبرين أنه يُحمّل الأجيال المقبلة أعباءً مالية ضخمة.

وتركزت مخاوفهم على بند ينص على رفع مستوى المعاشات بعد عام 2031، وهو ما قد يؤدي -بحسب تقديراتهم- إلى تكلفة إضافية تبلغ 120 مليار يورو بحلول عام 2040. 

وبعد أسبوع مكثف من المفاوضات، نجحت قيادة الحزب في إقناع نحو نصفهم بالتصويت لأجل المشروع، ما حال دون انهيار الاتفاق داخل الائتلاف.

إصلاحات أوسع في الأفق

في محاولة لامتصاص الغضب وطمأنة المعارضين، وعد الحزبان الحاكمان بإطلاق إصلاح اقتصادي أكثر شمولاً في الربع الثاني من عام 2026، يتضمن إعفاءات ضريبية تشجّع المواطنين على الاستمرار في العمل لفترة طولى.

كما يتضمن تمديد العمل بـ"معاش الأمهات" الذي يحتسب سنوات تربية الأطفال ضمن سنوات العمل التقاعدية، ومراجعة شاملة لمعادلة احتساب المعاشات على المدى الطويل

وتهدف هذه الخطوات إلى تحقيق توازن بين الاستدامة المالية للنظام وضمان العدالة الاجتماعية.

الرأي العام مع المتقاعدين

وقبيل التصويت البرلماني، كشف استطلاع للرأي أجراه معهد "إنفراتست ديماب" لصالح هيئة البث الألمانية العامة "ARD" أن 76% من الألمان يرفضون خفض مستويات المعاشات عن نسبة 48% من متوسط الأجور، معتبرين أن أي تخفيض يُمثل تهديداً مباشراً لأمنهم الاجتماعي مستقبلاً.

وفي المقابل، رأى 11% فقط أن خفض المعاشات قد يكون خطوة صحيحة لمواجهة الأعباء الاقتصادية، ما يعكس اتساع الفجوة بين التوجهات الحكومية والمخاوف الشعبية.

وتواجه ألمانيا واحدة من أكثر الأزمات الديموغرافية حدة في أوروبا، مع ارتفاع متوسط الأعمار وتراجع عدد العاملين مقابل ازدياد عدد المتقاعدين، ويضع هذا الخلل ضغطاً متزايداً على صناديق التقاعد، ويجبر الحكومات المتعاقبة على اتخاذ قرارات صعبة بين حماية الحاضر وتأمين المستقبل.

وبين من يرى في الإصلاح ضمانة للكرامة الإنسانية لكبار السن، ومن يعده عبئاً اقتصادياً على الأجيال الشابة، يبقى ملف التقاعد أحد أعقد وأخطر الملفات السياسية والاجتماعية في ألمانيا الحديثة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية