طالبوا بحقوق اقتصادية عادلة.. المزارعون الأمريكيون يرفضون حلول الإنقاذ المؤقتة
بعد إعلان إفلاس 180 مزرعة في 6 أشهر
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن برنامج إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار، لصالح المزارعين الأمريكيين الذين واجهوا عام 2025 عامًا مليئًا بالصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، بعد سنوات من التوترات التجارية التي أشعلتها إدارة ترامب مع الصين وشركاء اقتصاديين رئيسيين آخرين، لكنه قدّم راحة مؤقتة فقط، وسط استمرار التحديات العميقة التي يعانيها القطاع الزراعي.
بحسب مجلة "فورين بوليسي"، تهدف هذه الحزمة إلى استرضاء قاعدة انتخابية رئيسية أصبحت ضحية جانبية للـحروب التجارية، لكن المزارعين ما زالوا بعيدين عن الخروج من الأزمة الحقيقية.
ارتفع معدل إفلاس المزارع الصغيرة إلى أعلى مستوى له في خمس سنوات هذا العام، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض أسعار المحاصيل، إضافةً إلى ضعف التمويل الفيدرالي وعدم استقرار سوق العمل.
وقال ترامب: "نحن نحب مزارعينا"، مستشهداً بنتائج التصويت التي أظهرت ولاء المزارعين له، لكنها لم تغيّر واقع معاناتهم اليومية.
انهيار سوق التصدير
تراجعت صادرات فول الصويا الأمريكي، الذي يُعدّ العمود الفقري للزراعة في الولايات المتحدة، نتيجة الرد الصيني على الحرب التجارية، حيث التزمت الصين بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا هذا العام، بالإضافة إلى 25 مليون طن سنويًا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، لكن حتى أوائل ديسمبر، لم تُشتَر سوى 3 ملايين طن فقط، وهو ما شكّل ضغوطًا إضافية على المزارعين.
وقال كبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأمريكية، جوزيف غلاوبر، لمجلة "فورين بوليسي": "لا يزال مصدر قلقي الحقيقي هو التجارة مع الصين، وحقيقة أن الوضع التجاري لا يزال بعيدًا عن التطبيع".
وأوضح أن القطاع الزراعي قد تكبّد خسائر فادحة خلال الحرب التجارية الأولى في ولاية ترامب الأولى، مما دفع الإدارة إلى تخصيص 23 مليار دولار آنذاك للتخفيف من وطأة الأزمة، أي ضعف مبلغ الإنقاذ الحالي.
أضاف كريس باريت، الخبير الاقتصادي الزراعي في جامعة كورنيل، أن مبلغ 12 مليار دولار "أقل بكثير من الخسائر" الناتجة عن الخلافات التجارية الحالية"، مؤكداً أن إجمالي الخسائر سيتجاوز 40 مليار دولار هذا العام، لافتا إلى المفارقة الكبرى، وهي أن المزارعين صوتوا بأغلبية ساحقة لمرشح وعد بفرض رسوم جمركية أعلى، ما أدى إلى آثار عكسية على تجارتهم.
الانتقادات السياسية
انتقد السيناتور الديمقراطي رون وايدن خطة الإنقاذ، قائلاً: "بدلاً من اقتراح تقديم مساعدات حكومية، ينبغي على دونالد ترامب إنهاء حملة الرسوم الجمركية المدمرة حتى يتمكن المزارعون الأمريكيون من المنافسة والفوز في ظل ظروف متكافئة".
وأوضح أن خطة الإنقاذ لا تعيد التوازن للمجتمعات الزراعية، إذ ما زال المزارعون يدفعون مبالغ أعلى مقابل الأسمدة والمعدات والبذور، بينما تواجه المنتجات الزراعية الأمريكية عقبات متزايدة في الأسواق الخارجية.
هدّد ترامب مجددًا بفرض رسوم جمركية باهظة على الأسمدة الكندية، الأمر الذي يُفاقم الضغط على موارد المزارعين المالية، وأكد في منشور على موقع "تروث سوشيال": "الرسوم الجمركية عززت بشكل كبير الأمن القومي الأمريكي، وجعلت الولايات المتحدة أقوى دولة من الناحية المالية، بفارق كبير، في أي مكان في العالم".
تحديات اقتصادية وحقوقية
قالت مديرة الاتصالات في شركة "ايه جي أمريكا"، شيلبي باس، لموقع "ماركت ووتش": "لا أعرف مزارعًا واحدًا يُفضّل المساعدات الحكومية على كسب دخله من السوق"، لكنها أضافت أن العديد من المنتجين، وخاصة مزارعي فول الصويا، يعتمدون على هذه المساعدات لإدارة ديونهم ومواجهة انخفاض الأسعار وضعف الطلب العالمي.
أكد المدير الإداري وكبير أخصائيي المحافظ الاستثمارية في شركة تيوكريوم، جيك هانلي، أن حزمة المساعدات مجرد حل مؤقت، لافتًا إلى أن الصين تستحوذ عادةً على 60% من إجمالي صادرات فول الصويا الأمريكي، ما يجعل المزارعين أمام مخاطرة كبيرة إذا اعتمدوا على عميل واحد، وأوضح أن تحقيق اقتصاد زراعي أكثر مرونة يتطلب قاعدة عملاء متنوعة.
أوضح مسؤول في البيت الأبيض لموقع "ماركت ووتش" أن 11 مليار دولار من المبلغ الإجمالي ستُخصص لبرنامج "مساعدة المزارعين المؤقتة"، لتقديم دفعات لمرة واحدة لمزارعي المحاصيل الحقلية، فيما سيُخصص المليار دولار المتبقي لمحاصيل غير مشمولة في البرنامج المؤقت، مع استمرار تقييم وزارة الزراعة لظروف السوق.
أزمة السيولة
أظهرت مراجعة لمكتب المزارع لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية، وفقًا لتقارير نشرتها شبكة "نيوز نايشن" الأمريكية، أن المزارعين ما زالوا يعانون من خسائر للعام الثالث على التوالي، إذ أنفقوا 179 مليار دولار لإنتاج محاصيل بقيمة 144 مليار دولار فقط، ما رفع العجز إلى 28 مليار دولار هذا العام، وزاد إجمالي الخسائر منذ عام 2023 إلى أكثر من 50 مليار دولار.
قال المزارع دي فون من تكساس: "تكلفة زراعة المحاصيل لا تنخفض، بل تزداد يومًا بعد يوم، بينما تنخفض أسعار البيع يومًا بعد يوم"، وأضاف أن أكثر من 180 مزرعة عائلية أعلنت إفلاسها في النصف الأول من العام، بزيادة قدرها 57% على الفترة نفسها من العام الماضي.
أكدت وزيرة الزراعة، بروك رولينز، أن القيمة الفورية للبرنامج تبلغ 11 مليار دولار، وسيُقدم دفعات لمرة واحدة لمزارعي المحاصيل الحقلية، مع تخصيص مليار دولار للمحاصيل المتخصصة، وأضافت أن الدعم سيُقصر على الكيانات التي يقل دخلها السنوي عن 900 ألف دولار، وسقف الدعم لكل مزرعة أو شخص 155 ألف دولار، وحددت الوزارة مهلة حتى 19 ديسمبر للتقدم بطلبات الحصول على المساعدة.
الحقوق الاقتصادية للمزارعين
أوضح جون بويد جونيور، مؤسس الرابطة الوطنية للمزارعين السود، أن معظم المزارعين يواجهون مواعيد نهائية للدفع في يناير، مطالبًا بتجميد كامل للمعاملات الزراعية، بما في ذلك القروض المباشرة والمضمونة من وزارة الزراعة، ولفت إلى أن الدعم المالي، رغم أهميته، لا يُعوض عن فقدان الأسواق وحقوق المزارعين في منافسة عادلة، ما يجعل هذه الأزمة مسألة حقوقية بامتياز.
تُظهر هذه الأرقام والحقائق أن المزارعين الأمريكيين ما زالوا يقفون على حافة الخطر المالي، وأن برامج الإنقاذ المؤقتة، رغم أهميتها، لا تُعالج المشكلة الأساسية المتمثلة في سياسات التجارة والرسوم الجمركية، ولا توفر حماية كافية للحقوق الاقتصادية للمزارعين في الوصول إلى الأسواق الدولية وإدارة محاصيلهم بطريقة مستدامة.











