"استراتيجية ترامب للأمن القومي" تتجاهل الديمقراطية وتضع الربح فوق حقوق الإنسان

"استراتيجية ترامب للأمن القومي" تتجاهل الديمقراطية وتضع الربح فوق حقوق الإنسان
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أرشيف

وصف نائب المستشار الكبير السابق لوزير الدفاع الأمريكي، دان كالدويل، الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي باعتبارها "قطيعةً حقيقيةً مع الإجماع الحزبي الفاشل حول السياسة الخارجية بعد الحرب الباردة"، فقال: "لفترةٍ طويلةٍ جدًا، شكّل الوهم أساس سياستنا الخارجية.. وهمٌ حول دور أمريكا في العالم، وهمٌ حول مصالحنا، وهمٌ حول ما يُمكننا تحقيقه من خلال القوة العسكرية. هذه وثيقةٌ واقعيةٌ في هذا الصدد".

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" أشار كالدويل إلى أن الوثيقة تبرز رؤية إدارة ترامب التي ترى العالم مصدراً للربح لا لتعزيز الديمقراطية أو الحرية، حيث ركزت الاستراتيجية على الحد من الهجرة وفتح أسواق أمريكا اللاتينية أمام الشركات الأمريكية، مع فرض عقود حصرية للشركات دون أي التزام بتعزيز حقوق الإنسان في تلك الدول.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الوثيقة تنص على أن الولايات المتحدة "تسعى لعلاقات تجارية سلمية مع دول العالم دون فرض أي تغيير ديمقراطي أو اجتماعي"، مع الحرص على استغلال الموارد الاقتصادية للدول الأقل قوة.
وبيّن أن تايوان وأهمية أشباه الموصلات وممرات الشحن تم تناولها من منظور اقتصادي بحت، وليس من منظور حماية الديمقراطية. كما صوّرت دول أخرى بوصفها مصدراً للاستثمار والمصالح الاقتصادية، مع تجنب أي انتقاد لانتهاكات حقوق الإنسان فيها.

وأشار نائب رئيس الوزراء السويدي الأسبق، كارل بيلت، إلى أن الاستراتيجية "تضع نفسها على يمين اليمين المتطرف في أوروبا"، ما يعكس انحيازًا صريحًا ضد قيم الحرية والمساواة التي طالما دافعت عنها الولايات المتحدة، ويظهر تجاهلًا للمعايير الحقوقية الدولية.

تعظيم الهجرة بوصفها تهديداً

من جانبه، حذر كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، غريغوري دبليو ميكس، من أن الاستراتيجية "تتخلى عن عقود من القيادة الأمريكية القائمة على القيم لصالح رؤية عالمية جبانة وغير مبدئية".

وصوّرت الوثيقة أوروبا على أنها تواجه "محوًا حضاريًا" بسبب الهجرة وانخفاض معدلات المواليد، ما يطرح تحديات حقوقية جسيمة تتعلق ب حرية الحركة وحق اللجوء.

وأكد نائب الرئيس، جيه دي فانس، التركيز على الهجرة بوصفها مصدر تهديد سياسي وثقافي، وهو ما ينعكس على سياسات اللاجئين وحقوق الإنسان، وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن العديد من الحكومات الأوروبية تواجه انتقادات بسبب تعاملها مع الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدعو للحد من الهجرة، وهو ما اعتبرته الوثيقة مؤشرًا على "ضعف التحالفات".

وأظهر تقرير "نيويورك تايمز" أن الوثيقة لا تكتفي بالنقد، بل تشجع الحكومة الأمريكية على تعزيز النفوذ على أوروبا عبر الضغط السياسي والاقتصادي، ومنه توجيه الرسائل السياسية حول "استعادة الهوية الغربية" و"تدعيم الأسر التقليدية"، وهي لغة تُعزز خطابًا متشددًا تجاه الهجرة والحقوق المدنية.

من جانبها رأت "بوليتيكو" أن استراتيجية ترامب تؤكد "أمن الحدود بوصفها عنصراً أساسياً للأمن القومي"، مع نشر القوات العسكرية الأمريكية في نصف الكرة الغربي لمكافحة الهجرة غير الشرعية والكارتلات وحماية المصالح الاقتصادية.

 ورأت "واشنطن بوست" أن الوثيقة ركزت على إعادة تأكيد مبدأ مونرو لعام 1823؛ حيث يُمنع التدخل الأوروبي في نصف الكرة الغربي، ما يعكس نهجًا توسعيًا يستهدف الهيمنة الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

وذكرت الاستراتيجية أنه سيتم تعزيز خفر السواحل والبحرية الأمريكية للسيطرة على الممرات البحرية، ومنها الحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمخدرات، مع استخدام القوة العسكرية عند الحاجة، وأن إدارة ترامب تخطط لتحويل الاستثمارات العسكرية والاقتصادية في الأمريكتين لتوسيع النفوذ الأمريكي، ومنه الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو للتنحي، وهو ما يشير إلى استخدام القوة العسكرية أداة سياسية اقتصادية أكثر منها أداة لحماية حقوق الإنسان.

وأضافت الوثيقة أن الولايات المتحدة ستعمل على تعزيز علاقاتها مع الحكومات المحلية لتحديد الموارد الاستراتيجية، ومنها المعادن النادرة والموارد الطبيعية الحيوية، لصالح الشركات الأمريكية، دون أي اعتبارات حقوقية أو بيئية.

حدّد تقرير "بوليتيكو" أن الاستراتيجية تعتمد نهجًا حذرًا تجاه الصين، مع التركيز على منع أي حرب على تايوان والحفاظ على علاقة اقتصادية متبادلة المنفعة، مع تأكيد تفوق القوة العسكرية الأمريكية.

 أوضح مدير شؤون الصين في مجلس الأمن القومي في عهد بايدن، جوناثان كزين، أن الاستراتيجية تحمل "رسالة أسعد لبكين" مقارنة بالنسخ السابقة، مع تقليل التركيز على النزاعات الجيوسياسية التقليدية، وأكد أن الوثيقة لا تتضمن أية عناصر لتعزيز حقوق الإنسان في تايوان أو الديمقراطية، وهو مؤشر على تراجع الولايات المتحدة عن دورها بوصفها حامياً للقيم الديمقراطية.

تجاهل حقوق الإنسان

أظهرت الاستراتيجية تجاهلًا صارخًا لحقوق الإنسان، سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا أو الأمريكتين، وأوضح النائب الديمقراطي جيسون كرو من كولورادو أن الوثيقة "كارثية على مكانة أمريكا في العالم وتمثل تراجعًا عن تحالفاتنا وشراكاتنا"، مؤكدًا أن السياسات المعلنة لا تحمي المدنيين ولا تعزز حقوق اللاجئين أو المهاجرين، وفقاً لـ"واشنطن بوست".

وبيّنت الوثيقة أن الهجرة تُعد تهديدًا سياسيًا وثقافيًا، مع التركيز على تعزيز "الأسر التقليدية" والهوية الوطنية، وهو ما يعكس انحيازًا ضد حقوق النساء والأقليات والمهاجرين، كما عززت الاستراتيجية سلطة الشركات الأمريكية على الدول الصغيرة والمتوسطة، مع فرض شروط عقود حصرية وإجبار الحكومات على التعاون الاقتصادي، ما يضع مصالح الربح قبل أي اعتبارات حقوقية.

وأظهرت الاستراتيجية أن إدارة ترامب تحوّل السياسة الخارجية الأمريكية من حماية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى إدارة مصالح اقتصادية وسياسية محضة، وركزت الوثيقة على نصف الكرة الغربي بوصفه منطقة أساسية للمصالح الأمريكية، مع استخدام القوة العسكرية للضغط على الدول الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع النفوذ الاقتصادي للشركات الأمريكية على حساب حقوق السكان المحليين.

وأكدت التقارير الإعلامية أن الوثيقة تُظهر جدلية كبيرة حول مستقبل التحالفات الأوروبية ودور الولايات المتحدة بوصفها حامياً للقيم الإنسانية. ومع تضييق المجال أمام تدخلات حقوق الإنسان في السياسة الأمريكية، أشارت "نيويورك تايمز"، "بوليتيكو"، و"واشنطن بوست" إلى أن الاستراتيجية تضع الربح والسيطرة فوق كل اعتبار حقوقي أو ديمقراطي، ما يضع العالم أمام اختبار حقيقي لمصداقية الولايات المتحدة في حماية حقوق الإنسان.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية