دوامة العنف تلتهم موارد ميانمار وملايين يواجهون جوعاً يهدد الحياة

دوامة العنف تلتهم موارد ميانمار وملايين يواجهون جوعاً يهدد الحياة
مواطنو ميانمار يعانون أزمة جوع حادة

يتفاقم الموقف الإنساني في ميانمار بشكل غير مسبوق مع استمرار العنف واتساع رقعة الهجمات العسكرية، في حين يحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن أكثر من 12 مليون شخص داخل البلاد سيواجهون مستويات خطرة من الجوع خلال العام المقبل، ويأتي هذا التحذير في وقت يعيش فيه ملايين المدنيين وسط حالة من الخوف والتهجير والانهيار الاقتصادي، ما يجعل الأزمة الغذائية تتسع بوتيرة أسرع مما يمكن للمنظمات الإنسانية التعامل معه.

وفق تقديرات برنامج الأغذية العالمي فإن نحو مليون شخص من إجمالي المتضررين في ميانمار سيواجهون مستويات طارئة من الجوع، وهي مرحلة تعني أن حياة هؤلاء السكان مهددة بشكل مباشر وأن استمرار وجودهم يعتمد على الحصول السريع على مساعدات غذائية منقذة للحياة، وتكشف هذه الأرقام التي نقلتها وكالة رويترز عن عمق الأزمة التي تشهدها البلاد في ظل عجز المجتمع الدولي عن تخفيف آثارها أو ضمان وصول الإغاثة إلى المناطق الأكثر تضرراً.

صرخة تحذير من الأمم المتحدة

أكد مايكل دانفورد مدير برنامج الأغذية العالمي في ميانمار أن الصراع والحرمان يسحقان قدرة الناس على الصمود، وفي بيان عاجل قال إن العالم لا يولي مأساة ميانمار الاهتمام اللازم رغم أنها واحدة من أسوأ أزمات الجوع على مستوى العالم وواحدة من أقل الأزمات تمويلاً، ويمثل غياب التمويل أحد أكبر المعوقات التي تمنع وصول الغذاء إلى ملايين العائلات التي باتت عاجزة عن توفير وجبة يومية لأطفالها.

قصف يهدم آخر خطوط الدفاع الإنسانية

تزامن تحذير البرنامج مع تقارير جديدة تفيد بتنفيذ المجلس العسكري الحاكم قصفاً جوياً ليلياً استهدف مستشفى في بلدة مروك يو بولاية راخين في شمال البلاد، وأسفر الهجوم عن مقتل 33 مدنياً على الأقل، بينهم مرضى وأطفال، في حين أصيب أكثر من 70 شخصاً، وأكد شهود عيان أن القنابل سقطت مباشرة على المبنى الطبي الذي كان يعالج فيه مدنيون فروا من اشتباكات سابقة.

وأكد كيو مو من بلدة مروك يو أن فرق الإنقاذ تواصل انتشال الضحايا وأن عدد القتلى مرشح للارتفاع بسبب خطورة الإصابات، ويأتي هذا الهجوم بعد وقت قصير من إحياء العالم يوم حقوق الإنسان الدولي في 10 ديسمبر، ما أثار موجة غضب دولية إزاء استمرار استهداف المدنيين والمنشآت الطبية.

عنـف بلا توقف منذ انقلاب 2021

تعيش ميانمار حالة من الفوضى والعنف منذ فبراير 2021 عندما أطاح الجيش بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً بقيادة أون سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام عام 1991، ومنذ ذلك الحين يحكم المجلس العسكري قبضته على البلاد مستخدماً الغارات الجوية وقصف المناطق السكنية وتضييق الخناق على جماعات المقاومة، الأمر الذي يدفع المزيد من المدنيين إلى النزوح القسري واللجوء للمناطق الريفية أو الحدودية.

ويقول خبراء إن تكتيكات المجلس العسكري تسببت في تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وتعطيل الأسواق وإغلاق الطرق الحيوية، ما أدى إلى نقص حاد في الغذاء وصعوبة وصول المساعدات. كما بات آلاف المزارعين غير قادرين على زراعة محاصيلهم بسبب غياب الأمن أو بسبب استهداف حقولهم خلال العمليات العسكرية.

نزوح واسع وانهيار شبكات الإمداد الغذائي

يعتمد ملايين السكان في ميانمار على الزراعة وصيد الأسماك والحرف البسيطة لتأمين قوت يومهم، إلا أن استمرار القتال في عشرات المناطق أدى إلى تعطيل شبكات الإمداد وإغلاق طرق التجارة وارتفاع أسعار الغذاء إلى مستويات غير مسبوقة. وتنقل منظمات محلية أن بعض القرى لم يعد فيها أي مخزون غذائي وأن عائلات بأكملها تعيش على وجبة واحدة يومياً أو أقل.

ويشير العاملون في المجال الإنساني إلى أن الطرق التي كانت تستخدم لإيصال المساعدات باتت إما مدمرة أو مغلقة أو تقع تحت سيطرة جماعات مسلحة مختلفة، ما يجعل إيصال المواد الغذائية عملية شديدة الخطورة، كما يواجه موظفو الإغاثة صعوبات كبيرة بسبب القيود التي يفرضها الجيش على دخول المنظمات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة.

تصاعد معاناة الأطفال والنساء

ينعكس هذا الوضع بقوة على الأطفال الذين يمثلون الفئة الأكثر تضرراً من الجوع، وتفيد التقديرات الطبية بأن مستويات سوء التغذية الحاد بين الأطفال ترتفع بشكل متسارع وأن عدداً كبيراً منهم يحتاج إلى علاج عاجل، كما تعيش النساء في وضع بالغ الصعوبة، خصوصاً الأمهات اللواتي يحاولن تأمين الغذاء لأسرهن في ظل نقص الموارد وانعدام الأمن وانتشار العنف.

ويحذر خبراء من أن استمرار الأزمة الإنسانية في ميانمار دون تدخل فعال سيؤدي إلى آثار طويلة الأمد تشمل تفشي الأمراض وتدهور بنية المجتمع وانتشار موجات جديدة من النزوح، ما يجعل الأزمة الغذائية تتجاوز حدود ميانمار لتتحول إلى تهديد إقليمي على مستوى الأمن والاستقرار.

عجز دولي وتمويل لا يلبي الحاجات

رغم التحذيرات المتكررة التي يطلقها برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الأمم المتحدة فإن الاستجابة الدولية لا تزال ضعيفة، فبرامج الدعم الإنساني لميانمار لم تحصل سوى على جزء محدود من التمويل المطلوب، ما أجبر الجهات المانحة على تقليص الحصص الغذائية أو تقليل عدد المستفيدين، ويؤكد مسؤولو الإغاثة أن فجوة التمويل تعني أن الملايين سيفقدون الدعم الغذائي خلال الأشهر المقبلة إذا لم تتدخل الدول المانحة بشكل عاجل.

ويطالب العاملون في المجال الإنساني المجتمع الدولي بتقديم تمويل مرن ومستدام يسمح بتنفيذ برامج طويلة الأمد تساعد المجتمعات على استعادة قدراتها الاقتصادية والزراعية، بدلاً من الاعتماد الدائم على المساعدات العاجلة.

الآمال معلقة على الضغط الدبلوماسي

يرى محللون أن وقف التدهور يتطلب أولاً معالجة جذور الأزمة السياسية في ميانمار من خلال الضغط الدولي على المجلس العسكري لوقف هجماته والسماح بوصول المساعدات دون معوقات، لكن حتى الآن لا تزال الجهود الدولية مشتتة وغير قادرة على فرض إجراءات فعالة، في حين يستمر المدنيون في دفع الثمن الأكبر.

ومع كل يوم يمر تتزايد الحاجة إلى تحرك دولي حقيقي يمنع انزلاق البلاد إلى مجاعة واسعة النطاق قد تشكل إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحالي، أما بالنسبة للملايين الذين يكافحون من أجل البقاء، فإن الغذاء لم يعد مجرد احتياج أساسي، بل أصبح خط دفاع أخيراً في معركة طويلة ضد الجوع والعنف واليأس.

تعد ميانمار واحدة من أكثر الدول تعرضاً للنزاعات الداخلية في جنوب شرق آسيا، حيث تضم عشرات الجماعات العرقية التي تعيش في مناطق متوترة منذ عقود، وأدى انقلاب فبراير 2021 إلى تفجير صراع أوسع نطاقاً بين الجيش ومجموعات مقاومة تشكلت في مختلف أنحاء البلاد، وأسفر هذا الوضع عن نزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص حتى نهاية 2023 إضافة إلى تراجع اقتصادي حاد دفع ثلث السكان إلى ما دون خط الفقر، وتعتمد منظمات الإغاثة على شبكات محلية للوصول إلى المتضررين، لكن القيود المفروضة من المجلس العسكري ونقص التمويل يجعلان الأزمة الغذائية مفتوحة على احتمالات أشد خطورة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية