ميانمار في مرمى الاتهامات.. تقرير حقوقي يوثق تصاعد الانتهاكات والإفلات من العقاب
ميانمار في مرمى الاتهامات.. تقرير حقوقي يوثق تصاعد الانتهاكات والإفلات من العقاب
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60، والتي تتواصل فعالياتها في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قدمت آلية التحقيق المستقلة لميانمار، تقريراً جديداً حول أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار، يغطي الفترة من 1 يوليو 2024 حتى 30 يونيو 2025.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ما زالت مستمرة على نطاق واسع، مع تفاقم الجرائم المرتكبة ضد المدنيين منذ انقلاب فبراير 2021.
ووثقت الآلية أنماطًا متكررة من القتل غير المشروع والهجمات العشوائية التي استهدفت المدنيين في مناطق مختلفة من البلاد. وأكد التقرير أن قوات الأمن والجيش ارتكبت عمليات قصف جوي ومدفعي ضد قرى ومناطق مأهولة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات وتشريد مئات الأسر.
كما سجلت الآلية حالات قصف استهدفت مدارس ومراكز طبية، في انتهاك واضح لمبادئ التمييز والتناسب المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني.
الاعتقال التعسفي والتعذيب
وأبرز التقرير أن الاعتقال التعسفي ظل ممارسة ممنهجة، حيث وثقت الآلية اعتقال مئات الأشخاص على خلفية الاشتباه في معارضتهم السياسية أو ارتباطهم بجماعات معارضة.
وأوضح التقرير أن المحتجزين تعرضوا لأنماط متعددة من التعذيب وسوء المعاملة، شملت الضرب المبرح والصعق بالكهرباء والحرمان من النوم، في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية. لافتاً إلى أن هذه الممارسات استُخدمت أداة لانتزاع الاعترافات أو لمعاقبة الأفراد على أنشطتهم السياسية.
وأفرد التقرير مساحة خاصة لجرائم العنف الجنسي، مؤكداً أن قوات الأمن استخدمت الاغتصاب وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي وسيلة ترهيب وإذلال للنساء والفتيات، بل وحتى للرجال المحتجزين. موضحاً أن هذه الانتهاكات لم تقتصر على مناطق النزاع النشط، بل امتدت إلى مراكز الاحتجاز.
كما أكد التقرير أن أقلية الروهينغيا ما زالت عرضة لانتهاكات ممنهجة، تراوح بين القيود على حرية التنقل والحرمان من الخدمات الأساسية، وصولًا إلى أعمال القتل والتهجير القسري. واعتبرت الآلية أن هذه الانتهاكات تندرج في سياق الجرائم ضد الإنسانية.
النزوح والأزمة الإنسانية
وأشار التقرير إلى أن استمرار الهجمات العسكرية دفع أعدادًا متزايدة من المدنيين إلى النزوح الداخلي، وقدرت الآلية أن مئات الآلاف أصبحوا بلا مأوى، يواجهون أوضاعًا إنسانية كارثية مع نقص حاد في الغذاء والمياه والخدمات الصحية. وحذرت من أن القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية فاقمت المعاناة، وعرقلت عمل المنظمات الدولية في إيصال الدعم للمحتاجين.
وأوضح التقرير أن السلطات في ميانمار لم تُظهر أي استعداد حقيقي للتحقيق أو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. بل على العكس، تمتع الجناة بحصانة شبه كاملة، في ظل غياب آليات قضائية مستقلة أو إرادة سياسية لمعالجة الجرائم المرتكبة.
وشددت الآلية على أن الإفلات من العقاب يمثل أحد أبرز العوائق أمام وقف الانتهاكات، ويشجع على تكرارها.
وذكرت الآلية أنها جمعت خلال الفترة المشمولة بالتقرير أدلة رقمية ووثائق وشهادات جديدة حول الجرائم المرتكبة، وحفظتها وفقًا لمعايير الإثبات الدولية، تمهيدًا لاستخدامها في أي إجراءات قضائية مستقبلية، سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية التي تتمتع بالولاية القضائية.
وأشارت إلى تعاونها مع منظمات حقوقية محلية ودولية لتوثيق الانتهاكات وتبادل المعلومات.
توصيات عاجلة
أنهت الآلية تقريرها باستعراض سلسلة من التوصيات الموجهة إلى المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان. أبرزها تعزيز المساءلة عبر دعم عمل الآلية وتزويدها بالموارد الكافية، وضمان استخدام الأدلة التي تجمعها في محاكمات عادلة وفعّالة.
كما دعت الدول الأعضاء إلى الاستمرار في الضغط على السلطات في ميانمار لوقف الهجمات العشوائية ضد المدنيين، والإفراج عن المعتقلين تعسفًا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وأكدت الآلية أن إنهاء الانتهاكات في ميانمار يتطلب تحركًا دوليًا منسقًا، يجمع بين المساءلة القضائية والضغط السياسي والدعم الإنساني، حتى يتمكن شعب ميانمار من التمتع بحقوقه الأساسية في الحرية والكرامة والسلام.