1092 مريضاً رحلوا بلا علاج.. تحذير أممي من انهيار النظام الصحي في غزة

1092 مريضاً رحلوا بلا علاج.. تحذير أممي من انهيار النظام الصحي في غزة
مرضى من غزة في سيارة إسعاف

كشفت منظمة الصحة العالمية، أن 1092 مريضاً في غزة توفوا خلال انتظارهم الإجلاء الطبي بين يوليو 2024 و28 نوفمبر الماضي، في واحدة من أكثر الشهادات قسوة على الانهيار الصحي المتواصل في القطاع المحاصر.

هذه الأرقام، التي أعلنها ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريك بيبركورن، خلال إحاطة صحفية في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، الجمعة، لا تمثل الصورة الكاملة للمأساة، فبحسب بيبركورن، تستند الإحصاءات فقط إلى الحالات التي جرى الإبلاغ عنها رسميا، في ظل عجز شبه كامل عن توثيق جميع الوفيات الناتجة عن عدم الإجلاء الطبي، الواقع، كما أشار، قد يكون أكثر قتامة، مع وجود مرضى قضوا في المنازل أو الملاجئ أو حتى على أبواب المستشفيات دون أن يسجلوا في أي قاعدة بيانات وفق وكالة "قدس برس".

السبب الرئيسي لهذه الوفيات، وفق منظمة الصحة العالمية، هو الحصار الإسرائيلي الخانق والمستمر منذ أكثر من عامين، والذي تزامن مع حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. هذا الحصار لم يقتصر على منع الغذاء والوقود، بل شمل القيود الصارمة على خروج المرضى، ومنعهم من الوصول إلى علاج تخصصي غير متوفر داخل القطاع، خاصة في مجالات جراحة القلب والأورام وزراعة الأعضاء والعناية المركزة المتقدمة.

دعوات بلا استجابة كافية

أكد بيبركورن أن منظمة الصحة العالمية دعت مراراً المزيد من الدول إلى استقبال مرضى من قطاع غزة، مطالباً باستئناف عمليات الإجلاء الطبي إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، هذه الخطوة، بحسب المنظمة، تمثل أحد المسارات القليلة المتبقية للتخفيف من الكارثة الصحية، إلا أن الاستجابة الدولية لا تزال دون مستوى الحاجة، في ظل تعقيدات سياسية وأمنية تعرقل فتح هذه المسارات الإنسانية.

الوضع داخل غزة لا يقل مأساوية. فبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، يعمل 18 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في القطاع بشكل جزئي، وسط نقص حاد في الطواقم الطبية والأدوية والمستلزمات الأساسية، وهذا يعني أن نصف المنظومة الصحية تقريباً خرج عن الخدمة، في حين يكافح النصف الآخر للبقاء وسط ظروف استثنائية، من انقطاع الكهرباء إلى شح الوقود والمياه.

انهيار الرعاية ونقص الأدوية

الأزمة لا تقتصر على المستشفيات. نحو 43 بالمئة من مراكز الرعاية الصحية الأولية توقفت عن العمل أو تعمل بقدرة محدودة للغاية، وهذه المراكز، التي تشكل خط الدفاع الأول في علاج الأمراض المزمنة ومتابعة الحالات غير الطارئة، باتت عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، ما يؤدي إلى تفاقم حالات مرضية كان يمكن السيطرة عليها في الظروف الطبيعية.

بيبركورن حذر من نقص حاد في الأدوية الأساسية، خاصة تلك المستخدمة لعلاج أمراض القلب والسكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي. مرضى الأمراض المزمنة هم الأكثر تضرراً، إذ يحتاجون إلى علاج منتظم لا يحتمل الانقطاع، ومع غياب هذه الأدوية، تتحول أمراض قابلة للسيطرة إلى حالات طارئة تنتهي في كثير من الأحيان بالوفاة.

ورغم إشارة ممثل منظمة الصحة العالمية إلى تحسن نسبي في معدلات الموافقة على إدخال الإمدادات إلى غزة، فإنه شدد على أن عملية إدخال الأدوية والمعدات الطبية لا تزال بطيئة ومعقدة دون مبرر، وهذه البيروقراطية، في سياق أزمة إنسانية حادة، تعني أياماً إضافية من المعاناة، وسقوط مزيد من الضحايا الذين لا يملكون رفاهية الانتظار.

منظمة أطباء بلا حدود كانت قد أطلقت، في وقت سابق من الشهر الجاري، نداء عاجلاً إلى دول العالم لاستقبال عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة المحتاجين بشكل فوري إلى الإجلاء الطبي، وأكدت المنظمة أن المئات لقوا حتفهم وهم ينتظرون فرصة للعلاج خارج القطاع، في مشهد يعكس فشل المجتمع الدولي في توفير ممرات إنسانية آمنة ومستدامة للمرضى.

آلاف خرجوا وآلاف ينتظرون

بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، جرى إجلاء أكثر من 8000 مريض من قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023. غير أن هذا الرقم يبدو ضئيلاً مقارنة بحجم الحاجة الفعلية، إذ لا يزال أكثر من 16500 مريض بحاجة ماسة إلى العلاج خارج القطاع، هؤلاء المرضى، من بينهم أطفال ونساء وكبار سن، يعيشون على أمل اتصال أو تصريح قد يأتي متأخراً جداً.

ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة صحية عابرة، بل استهداف ممنهج لمقومات الحياة، فمنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب قوات الجيش الإسرائيلي حرب إبادة شاملة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير والاعتقال، في تجاهل واضح للنداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العمليات، وفي هذا السياق، يصبح حرمان المرضى من العلاج جزءاً من هذه الحرب، وسلاحاً إضافياً يفتك بصمت.

الحرب خلفت حتى الآن أكثر من 241000 فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يزيد على 11000 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولاً، كما نزح مئات الآلاف من منازلهم، وواجه القطاع مجاعة أودت بحياة كثيرين، معظمهم أطفال، في ظل دمار شامل طال معظم المدن والمناطق، ومحو أحياء كاملة من فوق الخريطة.

أجساد تنتظر إذناً بالنجاة

في خضم هذه الأرقام، تبرز مأساة المرضى المنتظرين للإجلاء الطبي بوصفها وجهاً آخر للحرب، فهم لا يطالبون بوقف إطلاق النار ولا بتغيير سياسي، بل بإذن عبور، بسرير في مستشفى، بفرصة للبقاء على قيد الحياة، وكثيرون منهم قضوا وهم ينتظرون مكالمة أو تصريحاً لم يصل أبداً.

يخضع قطاع غزة لحصار إسرائيلي مشدد منذ عام 2007، تفاقم بشكل غير مسبوق بعد اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، وهذا الحصار قيّد حركة الأشخاص والبضائع، وأضعف المنظومة الصحية تدريجياً على مدى سنوات، ومع تصاعد العمليات العسكرية، تعرضت المستشفيات والمراكز الصحية لأضرار جسيمة، وفقد القطاع القدرة على تقديم الرعاية التخصصية المتقدمة. 

الإجلاء الطبي كان دائماً شريان حياة لآلاف المرضى، إلا أن القيود المفروضة عليه جعلته مساراً محفوفاً بالتأخير والتعقيد، وتسلط تصريحات منظمة الصحة العالمية الأخيرة الضوء على الثمن الإنساني لهذه السياسات، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية مباشرة، ليس فقط في تقديم المساعدات، بل في ضمان حق المرضى في العلاج والحياة، قبل أن تتحول قوائم الانتظار إلى قوائم وفاة أطول وأكثر إيلاماً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية