"أمومة تحت الضغط".. عنف نفسي وقوالب جندرية تقيّد النساء في إيران

"أمومة تحت الضغط".. عنف نفسي وقوالب جندرية تقيّد النساء في إيران
دعوات لإنهاء التمييز ضد الإيرانيات

تكشف شهادات نساء من مدينة كرماشان الإيرانية، عن وجهٍ خفي من العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تتحول الأمومة من تجربة إنسانية عميقة إلى عبء نفسي واجتماعي يُستخدم للضغط والسيطرة داخل مؤسسة الزواج. 

وفي مجتمعات لا تزال تحكمها منظومة ذكورية صارمة، تُختزل قيمة المرأة في قدرتها على الإنجاب، وتُحاصر منذ اللحظة الأولى للحمل بتوقعات غير واقعية، وإهانات متواصلة، ومساءلة قاسية حول جسدها ودورها وهويتها، بحسب ما ذكرت وكالة "أنباء المرأة"، اليوم السبت.

تروي فريبا. ق، البالغة من العمر 32 عاماً، كيف تحولت كلمة واحدة إلى أداة عنف يومي، فالاتفاق الذي جمعها بزوجها على تأجيل الإنجاب إلى حين إكمال دراستها لم يصمد طويلاً أمام ضغط المحيط الاجتماعي، سرعان ما بدأت تهمة “العقم” تطاردها، وتسللت إلى علاقتها الزوجية، لتصبح اتهاماً متكرراً يُستخدم لإجبارها على الحمل. 

وفي هذا السياق، لا يُطرح احتمال عقم الرجل، بل يُوجَّه الاتهام تلقائياً إلى المرأة، وكأن الأعراف غير المكتوبة تبرّئ الرجل سلفاً وتحمل المرأة المسؤولية الكاملة عن أي تأخر في الإنجاب.

هذا المنظور لا يرى في المرأة إنسانة مستقلة لها طموحات ومسار حياة، بل يعتبرها وسيلة لإنجاب الأطفال وضمان “اكتمال” الأسرة، وتحت هذا الضغط، تُجبر كثير من النساء على قرارات مصيرية تمس أجسادهن ومستقبلهن التعليمي والمهني، في انتهاك صريح لحقهن في الاختيار الحر وفي السلامة النفسية.

الحمل والعنف النفسي

لا تتوقف الضغوط عند لحظة الحمل، بل تتصاعد مع التغيرات الجسدية الطبيعية التي ترافقه. تصف فريبا. ق كيف واجهت الإهانات منذ الأسابيع الأولى، وكيف تحوّل جسدها، الذي يؤدي وظيفة بيولوجية وإنسانية معقدة، إلى موضوع للسخرية والاشمئزاز. 

وبدلاً من الدعم، وُضعت أمام معادلة مستحيلة: أن تكون حاملاً بلا غثيان، وألا يزداد وزنها، وأن تحافظ في الوقت ذاته على صورة المرأة “المثالية” شكلاً وأداءً.

حتى بعد الولادة، لم تنتهِ معاناتها، إذ استمر التقليل من قيمتها بسبب آثار الحمل على جسدها، وامتد الأمر إلى التحكم في سلوكها اليومي، وصولاً إلى مطالبتها بإخفاء عملية الإرضاع الطبيعي، في تعبير واضح عن رفض الجسد الأمومي كما هو.

إنهاك بلا تقدير

تتكرر هذه التجربة في شهادة ستاره. ي، التي أنجبت طفلها قبل أشهر قليلة. تصف الأمومة كمرحلة من الاستنزاف الجسدي والنفسي، حيث تُهمّش احتياجات الأم تماماً أمام متطلبات الطفل. 

ليالٍ طويلة من السهر، ونوم متقطع، وأعباء رعاية لا تنتهي، تُقابل غالباً بغياب الدعم من الشريك، وبنظرات نقدية بدل التقدير.

تشير ستاره. ي إلى أن التوقعات المفروضة على النساء تتجاهل تماماً واقع الأمومة، فالمطالبة الدائمة بالحفاظ على الجاذبية والشكل الخارجي تتعارض مع الإرهاق الجسدي والنفسي الذي تعيشه الأمهات. 

وفي هذه المعادلة، تُختزل المرأة في دور إرضاء الرجل، ويُغفل كونها إنساناً له حدود وقدرة محدودة على الاحتمال.

عنف غير مرئي

تعكس هذه الشهادات نمطاً واسع الانتشار من العنف النفسي القائم على النوع الاجتماعي، وهو عنف غالباً ما يبقى غير مرئي لأنه يُمارَس داخل الأسرة وتحت غطاء “الطبيعي” و”المقبول اجتماعياً”. 

ويُعد تحديد قيمة المرأة وفق معايير الجمال والإنجاب أحد أكثر القوالب الجندرية رسوخاً، ويؤدي إلى تقويض ثقة النساء بأنفسهن، ودفعهن إلى لوم ذواتهن بدل مساءلة البنية التي تنتج هذا القمع.

وفي ظل هذه المنظومة، تصبح الأمومة واجباً مفروضاً لا خياراً حراً، وتجربة قد تحمل مخاطر صحية ونفسية طويلة الأمد، تُدار بعقلية السيطرة لا الشراكة، وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان التي تكفل للمرأة الحق في الكرامة، والاختيار، والحماية من العنف، أياً كان شكله.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية