محاكمة جيمي لاي.. نهاية مسيرة قطب الإعلام المؤيد للديمقراطية في هونغ كونغ
محاكمة جيمي لاي.. نهاية مسيرة قطب الإعلام المؤيد للديمقراطية في هونغ كونغ
أصدر القضاة في هونغ كونغ حكمًا بالإدانة على جيمي لاي، ناشر صحيفة "آبل ديلي" وناشط مؤيد للديمقراطية، بتهم تتعلق بالأمن القومي، في محاكمة تاريخية استمرت خمس سنوات.
أوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن هذه القضية أصبحت رمزًا للتغييرات السياسية الجذرية في المدينة، وقد تؤدي إلى السجن المؤبد للاي، البالغ من العمر 78 عامًا، والذي وُصف بأنه "مثير للمشكلات".
رصدت إستر توه، إحدى القاضيات الثلاث اللائي ترأسن جلسة الاستماع، دوافع السيد لاي بأنها "استياءً وكراهية" تجاه الصين، وأشارت إلى أنه كان "مبتهجًا" باحتمال فرض الحكومة الأمريكية عقوبات على هونغ كونغ بعد قمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2019، كما أكدت الصحيفة الأمريكية أن لاي سيواجه جلسة استماع لتخفيف العقوبة تبدأ في 12 يناير.
وصف رئيس لجنة الحرية في هونغ كونغ والمدير السابق لشركة "نكست ديجيتال"، مارك كليفورد، الحكم بأنه يمثل نهاية وحشية لحرية التعبير وحرية الصحافة في المدينة، وأشار إلى أن هونغ كونغ كانت تعد من أكثر مدن آسيا حرية، وأسهمت الصحافة الحرة في نجاحها الاقتصادي.
حملة ضد حرية التعبير
وأكدت نيويورك تايمز أن منظمات حقوق الإنسان الدولية، ومنها العفو الدولية التي أشارت إليها مديرة مكتبها في الصين، سارة بروكس، أدانت الحكم باعتباره دليلًا إضافيًا على حملة القمع ضد حرية التعبير.
وأشارت مديرة قسم آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، إيلين بيرسون، إلى أن إدانة لاي تُعد مهزلة قضائية وظلمًا فادحًا.
ووفقًا لتقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن محاكمة لاي أظهرت كيف قضت بكين، عبر قانون الأمن القومي لعام 2020، على ما تبقى من حرية الصحافة واستقلال القضاء في المدينة.
كما أشار تقرير لـ"أسوشيتد برس" إلى أن لاي أُدين بثلاث تهم تتعلق بالتآمر مع قوى أجنبية والتحريض على نشر مواد تحريضية، وأن القضاة اعتمدوا على اجتماعاته مع سياسيين في الولايات المتحدة ودبلوماسيين آخرين كجزء من الأدلة.
وأفادت الوكالة بأن لاي أمضى معظم فترة احتجازه في الحبس الانفرادي، ويبدو أنه فقد وزنه بشكل ملحوظ مع تدهور صحته، وفق ما ذكرته ابنته كلير لاي.
تداعيات حريق مجمع سكني
وتأتي هذه الأحكام في وقت تعاني فيه هونغ كونغ من تداعيات حريق مجمع سكني أودى بحياة ما لا يقل عن 160 شخصًا، وأن شرطة الأمن القومي اعتقلت أكثر من اثني عشر شخصًا منذ اندلاع الحريق، في حالة تأهب لما وصفته بـ"قوى معادية للصين"، بحسب "نيويورك تايمز".
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن هذه الإجراءات تسلط الضوء على تراجع التسامح في المدينة تجاه المعارضة للحكومة وحرية التعبير.
ذكرت الرئيسة السابقة للحزب الديمقراطي في هونغ كونغ، إميلي لاو، أن حلّ الحزب، الذي استمر 31 عامًا، يشكل إشارة سلبية لمبدأ "دولة واحدة ونظامان"، وأوضحت الصحف أن الحزب منع من دخول المجلس التشريعي منذ عام 2021 بعد فرض بكين اختبار ولاء على أعضائه.
جدير بالذكر أن قوانين الأمن القومي، أحدها مفروض من بكين عام 2020، والآخر من حكومة هونغ كونغ عام 2024، وسعت نطاقها لتشمل الخيانة والانفصال والتخريب والتحريض، أوضحت الصحف والمصادر السابقة أن لاي اتهم بالتواطؤ مع حكومات أجنبية للضغط على بكين وفرض عقوبات، واستشهد المدعون باجتماعاته مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين ويابانيين.
وأشار المدير التنفيذي لمركز القانون الآسيوي في جامعة جورجتاون، توماس إي. كيلوغ، إلى أن الإدانة تظهر مدى قسوة القانون، وأن لاي أُدين لمجرد ممارسة حقوقه الدستورية، بدلًا من أن تحميها المحاكم.
كما أدانت حكومات أجنبية، منها الولايات المتحدة وبريطانيا، المحاكمة وطالبت بالإفراج عن لاي، وأوضح فريقه القانوني أن الرئيس ترامب سعى خلال قمة في كوريا الجنوبية للإفراج عنه.
وأبلغ محامو لاي المحكمة في أغسطس 2025 بأن موكلهم يعاني من آلام مزمنة، وداء السكري، ومشكلات في القلب وارتفاع ضغط الدم، وفق تقرير "واشنطن بوست"، وأكدت ابنته كلير فقدانه للأسنان وبعض أظافره، وأنه أصبح أكثر نحافة وضعفًا.
وأشارت حكومة هونغ كونغ إلى أن خدماته الطبية كانت كافية، بينما قال وزير الأمن كريس تانغ إن الإدانة تحقيق للعدالة، ووصف جون لي، زعيم هونغ كونغ، نوايا لاي بأنها خبيثة وأضرت بالمصالح الأساسية للبلاد
ردود الفعل الدولية
أوضحت واشنطن بوست أن منظمات حقوقية -بينها “مراسلون بلا حدود” ومنظمة العفو الدولية- اعتبرت الحكم بمثابة ضربة لحرية الصحافة، وأشار المدير العام لمراسلون بلا حدود، تيبو بروتين، إلى أن الحرية نفسها حُطمت، لا مجرد فرد واحد، في المقابل، دافعت الصين عن القرار، وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غو جياكون على احترام النظام القانوني في هونغ كونغ.
ذكرت مصادر إعلامية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس البريطاني كير ستارمر أثارا القضية مع الصين، وسط مخاوف من تدهور صحة لاي في السجن، وأوضح ترامب في تصريحات سابقة أنه يسعى للإفراج عنه، لكن مواقفه الأخيرة تجاه الصين خففت من حدة الضغط، بحسب المصادر.
وُلد لاي في جنوب الصين عام 1948، ووصل إلى هونغ كونغ متسللًا على متن سفينة في سن الثانية عشرة، وأسس لاحقًا علامة الملابس التجارية "جيوردانو".
شارك في دعم احتجاجات ميدان تيانانمين في عام 1989 بطباعة أكثر من 200 ألف قميص ولافتة، وأطلقت صحيفة "آبل ديلي" عام 1995، قبل عامين من إعادة بريطانيا السيطرة على الإقليم، لتصبح من أكثر الصحف قراءةً ومصدر إزعاج لبكين.
أشارت الصحف إلى أن التراجع في الحريات المدنية أثر على إحياء ذكرى ميدان تيانانمين السنوية، حيث أصبحت الاحتفالات الآن مؤيدة للصين، بينما تعتقل الشرطة من يحاول الاحتفال، وذكرت أن الشرطة داهمت مقر الصحيفة بعد شهرين من قانون الأمن القومي 2020، واعتقلت لاي وعددًا من المديرين، وأُجبرت الصحيفة على الإغلاق بعد عام.
وأثارت محاكمة لاي إدانات من دول غربية، بما فيها المملكة المتحدة التي يحمل جنسيتها، وأنه يُتوقع أن تستمر الضغوط الدولية لضمان الإفراج عنه، وأوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن إطلاق سراح لاي يمثل أولوية قصوى، فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين صينيين متورطين في قمع الديمقراطية.
وأشارت "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" إلى أن جميع الشخصيات المعارضة البارزة تقريبًا إما في السجن أو في المنفى، وأن لاي دفع ببراءته من جميع التهم، واستمر احتجازه خلال التأجيلات المتكررة لمحاكمته، ما يعكس الضغط الكبير على المعارضة المدنية وحرية الصحافة في هونغ كونغ.











