كاترينا راشيفسكا.. حقوقية شابة تقود معركة لاستعادة الأطفال المختطفين من روسيا

كاترينا راشيفسكا.. حقوقية شابة تقود معركة لاستعادة الأطفال المختطفين من روسيا
المحامية الحقوقية كاترينا راشيفسكا- أرشيف

تخوض المحامية الحقوقية كاترينا راشيفسكا واحدةً من أكثر المعارك القانونية والإنسانية تعقيدًا في الحرب الروسية الأوكرانية، معركة لا تُدار بالسلاح ولا بالسياسة، بل بالقانون الدولي بوصفه الملاذ الأخير في مواجهة جريمة تتجاوز حدود النزاع المسلح إلى قلب حقوق الطفل والهوية والوجود.

تظهر راشيفسكا، البالغة من العمر 28 عامًا، بوصفها الوجه القانوني الأبرز لحملة أوكرانيا الرامية إلى استعادة آلاف الأطفال الذين نُقلوا أو رُحّلوا قسرًا من الأراضي الأوكرانية المحتلة إلى روسيا، في واحدة من أخطر القضايا الحقوقية المعاصرة، وفقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

تدرك المسؤولة عن ملف العدالة الدولية في المركز الإقليمي لحقوق الإنسان في أوكرانيا أن هذا الدور العلني يجعلها تحت رقابة دائمة، لكنها تُصر على الاستمرار، معتبرة أن الصمت في هذه القضية يُمثل تواطؤًا غير مباشر مع جريمة مستمرة.

تقول راشيفسكا بوضوح: "القانون هو سلاحي الوحيد"، في تعبير مكثف عن طبيعة المعركة التي تقودها.

تحوّل قصة راشيفسكا من مسار مهني تقليدي في الدفاع عن حقوق الإنسان إلى مواجهة مباشرة مع واحدة من أقوى الدول عسكريًا، منذ الأيام الأولى للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022.

كانت تعمل حينها على إطلاق تحقيق قانوني بشأن ترحيل سجناء أوكرانيين من شبه جزيرة القرم المحتلة إلى داخل روسيا، قبل أن يتسع نطاق الانتهاكات ليشمل الأطفال على نحو ممنهج.

فكرت في مغادرة كييف والانضمام إلى عائلتها في قرية تقع في منطقة بولتافا شرق البلاد، على مسافة لا تتجاوز 15 كيلومترًا من خط المواجهة، ولكنها أدركت سريعًا أن العيش تحت الاحتلال الروسي يعني استحالة الاستمرار في أي عمل حقوقي، بل ويعني خطرًا مباشرًا على حياتها وحياة كل من وثّقت شهاداتهم.

تمسح جميع البيانات وجهات الاتصال من أجهزتها الإلكترونية، ليس خوفًا على نفسها فقط، بل خشية أن تؤدي أي عملية "تدقيق" روسية إلى تعريض الناجين من التهجير القسري والترحيل لخطر الانتقام.

تعترف قائلة: "بصفتي مدافعة عن حقوق الإنسان توثق الجرائم الروسية، كنت أعلم تمامًا أنني سأكون من أوائل من يفشلون في إجراءات التدقيق".

الأطفال كغنائم حرب

تكشف المعطيات الحقوقية عن حجم جريمة تتجاوز حدود الانتهاكات الفردية إلى سياسة دولة، حيث تشير تقديرات السلطات الأوكرانية والبرلمان الأوروبي إلى أن ما يقرب من 20 ألف طفل أوكراني نُقلوا أو رُحّلوا قسرًا إلى روسيا وبيلاروسيا منذ بدء الغزو الشامل في فبراير 2022، وفق ما أوردته مجلة "نيوزويك" الأمريكية.

توضح التقارير أن بعض هؤلاء الأطفال خضعوا لعمليات تبنٍ غير قانونية من قبل عائلات روسية، مع تغيير أسمائهم، وفي بعض الحالات تغيير مكان ميلادهم رسميًا، بما يطمس هويتهم الوطنية ويُعقّد أي محاولة مستقبلية للمّ شملهم بعائلاتهم.

تسجل المحكمة الجنائية الدولية هذا النمط بوصفه "ترحيلًا غير قانوني"، وهو ما أدى في مارس 2023 إلى إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومفوضة شؤون الأطفال الروسية ماريا لفوفا-بيلوفا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

تؤكد راشيفسكا أن الجهود الدبلوماسية المباشرة مع موسكو لم تُفضِ إلا إلى نتائج محدودة للغاية، إذ لم تُعد السلطات الروسية سوى 20 طفلًا فقط، بينما كان أغلب الأطفال الذين عادوا قد نُقلوا داخل الأراضي الأوكرانية المحتلة، وليس من داخل روسيا نفسها.

ترى راشيفسكا أن صدور مذكرات التوقيف شكّل لحظة فارقة أعادت إحياء الإيمان بالقانون الدولي لدى جزء من المجتمع الأوكراني، وتقول إن هذه الخطوة أعطت الناس إحساسًا بأن الجرائم لا تمر دون توثيق أو توصيف قانوني، لكنها في الوقت نفسه لم تُوقف الانتهاكات ولم تؤدِّ إلى أي اعتقال فعلي.

وتصطدم العدالة الدولية بواقع سياسي قاسٍ، عندما تجاهلت دول مثل منغوليا وطاجيكستان التزاماتها القانونية باعتقال بوتين رغم كونه مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية.

تعكس هذه الوقائع، بحسب راشيفسكا، شعورًا متزايدًا داخل أوكرانيا بأن العدالة الدولية تُستخدم أحيانًا كأداة سياسية، لا كآلية إنصاف حقيقية، وتضيف أن هذا الإحباط لا يُقلل من أهمية المسار القانوني، بل يزيد من ضرورة الاستمرار فيه بوصفه سجلًا تاريخيًا لا يمكن محوه.

أبعاد دولية جديدة

تكشف شهادة راشيفسكا أمام لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن بُعد جديد وخطير للجريمة، حيث أفادت بأن طفلين أوكرانيين مختطفين نُقلا إلى كوريا الشمالية، وفق ما نقلته وكالة "يونايتد برس إنترناشونال" الأمريكية.

تحدد الخبيرة القانونية هوية الطفلين: ميشا (12 عامًا) من دونيتسك المحتلة، وليزا (16 عامًا) من سيمفيروبول المحتلة، اللذين أُرسلا إلى معسكر سونغدوون، على بُعد نحو 5500 ميل من موطنيهما.

وتشرح أن الطفلين خضعا لدعاية عسكرية وتدريبات أيديولوجية، في سياق يعكس تعمق التعاون العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ منذ عام 2022.

توثق منظمات حقوقية 165 معسكرًا لإعادة "تأهيل" الأطفال الأوكرانيين، حيث يتعرضون للاندماج القسري والتجنيد، موزعة بين الأراضي المحتلة وروسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية.

قرار أممي وإجماع حقوقي

تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يؤيد عودة الأطفال الأوكرانيين، حيث صوّتت 91 دولة لصالح مشروع قرار يطالب روسيا بضمان العودة الفورية والآمنة وغير المشروطة لجميع الأطفال المرحّلين قسرًا، مقابل 12 دولة عارضت و57 امتنعت عن التصويت، بحسب "نيوزويك".

وتنقل نائبة وزير الخارجية الأوكراني، ماريانا بيتسا، موقفًا حاسمًا خلال الجلسة الاستثنائية الطارئة، قائلة: "من غير المعقول أن يُنظر إلى الأطفال كغنائم حرب"، فيما تتهم مؤسسات أوروبية روسيا بارتكاب انتهاكات ممنهجة ترقى إلى استراتيجية لمحو الهوية الأوكرانية.

وتستمر راشيفسكا في عملها رغم الإرهاق النفسي الهائل، وتروي قضايا لأطفال أُجبروا على مشاهدة اعتداءات مروعة، مؤكدة أن هذه الشهادات لا تغادر ذاكرتها، ولكنها تستمد الأمل من الأطفال الذين عادوا وبدؤوا إعادة بناء حياتهم، بعضهم التحق بالدراسة الجامعية بعد عام واحد فقط من عودته.

وتختم المحامية الحقوقية قناعتها بالقول إن المعركة لم تنتهِ بعد، حتى مع توقف الحرب يومًا ما، مؤكدة إيمانها بأن للجهد القانوني معنى يتجاوز النتائج الآنية، قائلة: "حتى عندما تنتهي الحرب، سأظل محامية.. السلاح الوحيد الذي أملكه هو القانون الدولي".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية