بين الجوع والبرد.. الطريق لإيران يتحول إلى مقبرة للأفغان الفارين من الفقر

بين الجوع والبرد.. الطريق لإيران يتحول إلى مقبرة للأفغان الفارين من الفقر
الثلوج تكسو منطقة حدودية بين إيران وأفغانستان

في جبال إقليم هرات غرب أفغانستان، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات قاسية، تحولت محاولة الهروب بحثاً عن لقمة العيش إلى نهاية مأساوية، حيث لقي ثلاثة مهاجرين أفغان حتفهم من شدة البرد أثناء محاولتهم التسلل عبر الحدود نحو إيران، في مشهد يعكس حجم الأزمة الإنسانية التي تدفع آلاف الأفغان إلى المخاطرة بحياتهم على طرق الهجرة غير النظامية.

وأكد مسؤول محلي في الجيش الأفغاني، السبت، أن الضحايا كانوا ضمن مجموعة حاولت عبور الحدود خلسة إلى إيران، قبل أن يفاجئهم الطقس القاسي في منطقة جبلية تشهد برودة شديدة.

وأوضح أن عمليات البحث عنهم بدأت، مساء الأربعاء، لكنّ جثامينهم لم يعثر عليها إلا يوم الخميس، بعدما كان البرد قد سبق فرق الإنقاذ. وفي المنطقة نفسها عثر أيضاً على راعٍ أفغاني توفي نتيجة انخفاض درجات الحرارة، ما يعكس خطورة الظروف المناخية التي تضرب غرب البلاد، وفق وكالة فرانس برس.

حدود مفتوحة على الموت

المعلومات الرسمية لا تعكس وحدها حجم الكارثة، حيث أشارت مصادر محلية في ولاية هرات في تصريحات لقناة "أفغانستان إنترناشيونال" إلى وفاة مجموعة كبرى من المهاجرين الأفغان داخل الأراضي الإيرانية نفسها، نتيجة موجة برد شديدة ضربت المناطق الحدودية.

ووفق هذه المصادر، جرى نقل جثامين ما لا يقل عن 15 شخصاً إلى محافظتي كهسان وأدرسكن في ولاية هرات، في حين رجحت مصادر أخرى أن يكون عدد الضحايا أكبر بكثير، وربما يصل إلى عشرات.

مهاجر أفغاني زار ثلاجات الموتى في مقبرة الشهداء وثلاجة مستشفى تايباد في محافظة خراسان رضوي الإيرانية، أكد في مقابلة إعلامية أن أكثر من 40 مهاجراً أفغانياً لقوا حتفهم بسبب البرد القارس، وحتى الآن، لم تصدر تأكيدات رسمية من السلطات المعنية حول صحة هذه الأرقام، في وقت تتحدث فيه المصادر عن مفقودين ما زالوا عالقين أو مجهولي المصير على امتداد الشريط الحدودي بين البلدين.

طقس لا يرحم

بحسب المعلومات المتداولة، تحرك مئات الأفغان خلال الأيام الأخيرة باتجاه إيران عبر مسارات غير رسمية، تحديداً من معبر إسلام قلعة باتجاه مدينة تايباد، وتشهد هذه الطرق الجبلية في هذا الوقت من العام طقساً شديد القسوة، مع تساقط الثلوج والأمطار وانخفاض حاد في درجات الحرارة، ما يجعل أي رحلة سيراً على الأقدام مغامرة محفوفة بالموت.

العديد من هؤلاء المهاجرين اضطروا إلى التحرك ليلاً لتجنب نقاط التفتيش، دون تجهيزات شتوية كافية أو غذاء مناسب، في ظل فقر مدقع وانعدام البدائل، البعض منهم أوقفه حرس الحدود الأفغاني، وأبلغهم أن رفاقهم لقوا حتفهم في الطريق، في حين واصل آخرون السير حتى سقطوا ضحايا للبرد.

تأتي هذه المأساة في سياق أوسع من الضغوط التي يتعرض لها الأفغان داخل إيران، ووفق أحدث بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اضطر أكثر من 1.8 مليون أفغاني إلى العودة إلى أفغانستان بين يناير ونهاية نوفمبر 2025، نتيجة ضغوط مباشرة من السلطات الإيرانية، وصفت المفوضية معظمها بأنها حالات ترحيل قسري.

هذه الإعادات الجماعية التي تتم غالباً في ظروف غير إنسانية، زادت من العبء على بلد يعاني أصلاً هشاشة اقتصادية وخدمات محدودة، وتشير المفوضية إلى أن هذا الوضع قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، حيث يحاول كثير من العائدين الهجرة مرة أخرى نحو إيران أو باكستان، هرباً من واقع لا يوفر الحد الأدنى من مقومات الحياة.

أزمة إنسانية مركبة

داخل أفغانستان، تتشابك الأزمات لتدفع الناس نحو الهجرة القاتلة، فالبلاد التي تعاني بشدة من تداعيات التغير المناخي شهدت في الأشهر الأخيرة زلزالين مدمرين، زادا من معاناة السكان، خصوصاً في المناطق الريفية، وبحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، يعاني أكثر من 17 مليون شخص في أفغانستان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ما يعني أن ملايين الأسر لا تملك ما يكفي من الطعام للبقاء.

الفقر المتزايد، وانعدام فرص العمل، وانهيار الاقتصاد، كلها عوامل تدفع الشباب وحتى العائلات بأكملها إلى المخاطرة بعبور الحدود. كثيرون يرون في إيران فرصة للعمل المؤقت أو مصدر دخل يتيح لهم إعالة أسرهم، رغم علمهم بالمخاطر الأمنية والمناخية.

كما تخضع أفغانستان لعقوبات دولية واسعة في ظل استمرار السياسات التي تقصي النساء من سوق العمل والتعليم والأماكن العامة، وتصف الأمم المتحدة هذه السياسات بأنها شكل من أشكال الفصل القائم، ما أدى إلى تراجع الدعم الدولي وتقلص المساعدات. هذه العزلة تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وتغلق أمام السكان أبواب الأمل داخل بلدهم.

منظمات حقوقية تحذر

في ظل هذه التطورات، دعت منظمة العفو الدولية الدول إلى عدم إعادة الأفغان قسراً إلى بلادهم، محذرة من أن البلاد تشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وأزمة إنسانية خانقة. وأكدت المنظمة أن إعادة اللاجئين في هذه الظروف تعرضهم لمخاطر جسيمة، سواء داخل أفغانستان أو أثناء محاولات الهجرة المتكررة.

ما حدث على الحدود الأفغانية الإيرانية ليس حادثة معزولة، بل جزء من مأساة متكررة يعيشها شعب محاصر بالفقر والبرد والسياسة، بالنسبة لكثير من الأفغان، لم تعد الهجرة خياراً لتحسين الحياة، بل محاولة أخيرة للبقاء على قيد الحياة، حتى لو كان الثمن الموت في طرق جبلية متجمدة.

هؤلاء الذين قضوا من شدة البرد لم يكونوا أرقاماً في تقارير رسمية، بل بشر حملوا أحلاماً بسيطة بالعمل والأمان، ومع كل موجة برد جديدة، تتجدد المخاوف من سقوط ضحايا آخرين، في ظل غياب حلول جذرية تعالج جذور الأزمة وتوفر للأفغان سبباً للبقاء في وطنهم دون خوف من الجوع أو الصقيع.

تشهد أفغانستان منذ سنوات واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم، نتيجة الصراع الطويل، والتغيرات السياسية، والعقوبات الدولية، والكوارث الطبيعية، الملايين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء، في حين تدفع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية أعداداً كبيرة إلى الهجرة غير النظامية نحو الدول المجاورة، خصوصاً إيران وباكستان. 

وفي المقابل، تواجه هذه الدول تحديات داخلية تدفعها إلى تشديد سياسات اللجوء، ما يؤدي إلى عمليات ترحيل قسرية ومخاطر متزايدة على طرق الهجرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية