ناشطة إيطالية: السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من دون تحرير المرأة

ناشطة إيطالية: السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من دون تحرير المرأة
الناشطة الإيطالية في مجال حقوق المرأة، لورا كواغليولو

في زمن تتكاثر فيه الدعوات إلى السلام بينما تتسع رقعة الحروب والانتهاكات، تبرز أصوات تحاول إعادة تعريف معنى السلام من جذوره الاجتماعية والإنسانية، ومن بين هذه الأصوات، تقدمت الناشطة الإيطالية في مجال حقوق المرأة والإنسان لورا كواغليولو برؤية تؤكد أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من دون تحرير المرأة ومشاركتها، وأن أي مشروع سلام يتجاهل هذا الأساس محكوم عليه بالفشل مهما بدا متماسكا في ظاهره.

في تصريحات صحفية حديثة أوردتها وكالة أنباء المرأة الجمعة، شددت كواغليولو على أن المقاربة السائدة التي تضع السلطة في المقدمة وتؤجل قضايا النساء إلى مراحل لاحقة تعكس فهما قاصرا لطبيعة الصراعات المعاصرة، وأوضحت أن تمكين النساء وتنظيمهن وإشراكهن في التعبير عن احتياجات المجتمع يمثل ركنا جوهريا لأي عملية تهدف إلى بناء سلام مستدام، وليس مجرد مطلب جانبي يمكن التفاوض عليه.

السلام.. عملية اجتماعية لا قرار سياسي

ترى كواغليولو أن السلام لا ينبغي أن يُختزل في اتفاقات سياسية تعقد بين النخب، بل يجب فهمه كعملية اجتماعية طويلة الأمد تنطلق من القاعدة إلى القمة، وفي حديثها عن الوضع في تركيا، اعتبرت كواغليولو أن سياسة العزلة المفروضة على السياسي التركي عبد الله أوجلان تمثل واحدة من أبرز العقبات أمام تحقيق سلام اجتماعي حقيقي، وأشارت إلى أن هذه العزلة ليست حالة فردية معزولة، بل تعكس نمطا أوسع من الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء السياسيون، وهو ما يقوّض أي أفق للمصالحة والعدالة.

وأكدت أن احترام حقوق الإنسان وإنهاء العزلة وإطلاق سراح السجناء السياسيين خطوات لا غنى عنها لدفع عملية السلام إلى الأمام، مؤكدة أنه بدون معالجة هذه القضايا الجوهرية، يبقى الحديث عن السلام مجرد خطاب فارغ لا يلامس الواقع وترى أن المجتمع الدولي، وخاصة المنظمات الحقوقية الأوروبية، يتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الملف، سواء من خلال الضغط السياسي أو عبر التحرك القانوني والإعلامي.

تحرير المرأة جوهر المشروع التغييري

أحد المحاور الأساسية في خطاب كواغليولو يتمثل في مركزية قضية المرأة داخل أي مشروع تحرري، فهي تؤكد أن النموذج الذي يضع تحرير المرأة في صلبه يتمتع بفرادة استثنائية، لأنه يعالج جذور النظام الأبوي الذي شكل عبر التاريخ أحد أبرز مصادر القمع والعنف.

وتوضح أن النساء كن أول فئة تعرضت للاستعمار المنهجي، وأنهن حتى اليوم لم يحصلن على تحرر كامل، رغم كل التحولات الاجتماعية والسياسية، كما تشير إلى أن النساء دفعن الثمن الأغلى للحروب والاضطهاد، سواء من خلال التهجير أو العنف أو التهميش الاقتصادي والاجتماعي.

من هذا المنطلق، ترى كواغليولو أن تحليل الجذور التاريخية للنظام الأبوي يشكل خطوة أساسية لفهم واقع النساء المعاصر، وأن دراسات النوع الاجتماعي تفتح المجال لإعادة التفكير في التاريخ والمجتمع والعلوم من منظور أكثر عدلا وإنصافا، وتضيف أن العديد من التيارات التي تصف نفسها بالتقدمية أو الاشتراكية لا تزال قاصرة في مقاربتها لقضية المرأة، لأنها لا تضع التحرر النسوي في موقعه المركزي.

قراءة نقدية للخطاب العالمي حول السلام

في سياق أوسع، انتقدت كواغليولو الخطابات الدولية الراهنة التي تتحدث عن السلام في مناطق تشهد عنفا مستمرا، مشيرة إلى ما يجري في غزة بصفته مثالًا صارخًا على هذا التناقض، وأوضحت أن وضعًا يستمر فيه القصف وتُهمش فيه حقوق شعب كامل لا يمكن وصفه بالسلام، مهما تعددت المبادرات السياسية.

وترى أن السلام الحقيقي يجب أن يُفهم كعملية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة بناء المجتمع من أساسه، وليس كمرحلة مؤقتة لوقف إطلاق النار، ومن هنا، دعت إلى تحقيق المصالحة والعدالة الاجتماعية، وليس مجرد مبادرة سياسية معزولة.

تشويه الأفكار وإفراغها من مضمونها

لفتت كواغليولو الانتباه إلى أن أفكار عبد الله أوجلان كثيرا ما تُنتزع من سياقها السياسي والاجتماعي بشكل متعمد في تركيا، وهو ما يؤدي إلى إضعاف مضمونها الحقيقي، واعتبرت أن هذا التشويه ليس أمرا عرضيا، بل خيارا واعيا يهدف إلى تفريغ المشروع من محتواه التغييري.

وبحسب رأيها، فإن مشروع الدولة الديمقراطية الذي طرحه أوجلان يمثل أحد أهم النماذج الفكرية المعاصرة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل على المستوى العالمي، فهو يقدم بديلا عن الدولة القومية المركزية، ويطرح تصورا يقوم على الديمقراطية القاعدية والتعددية واحترام التنوع، مع اعتبار تحرير المرأة شرطا لا يمكن تجاوزه.

مسؤولية دولية تتجاوز الحدود

في ختام مواقفها، وجّهت كواغليولو نداء مباشرا إلى منظمات حقوق الإنسان في أوروبا لتحمل مسؤولياتها إزاء قضية عبد الله أوجلان، وأشارت إلى مبادرات أُطلقت في مدينة جنوة الإيطالية لمنحه الجنسية، معتبرة أن مثل هذه الخطوات تحمل دلالات سياسية وأخلاقية مهمة، وتسهم في فتح نقاش أوسع حول جوهر النموذج الذي يمثله.

وأكدت أن النضال من أجل حرية أوجلان لا يقتصر على المطالبة بإطلاق سراح شخص، بل يتعلق أيضا بتوضيح ما يعنيه هذا النموذج لشعوب الشرق الأوسط وللعالم، فالمسألة، بحسب تعبيرها، تتعلق بمستقبل السلام والعدالة الاجتماعية.

تأتي تصريحات لورا كواغليولو في سياق دولي يتسم بتصاعد النزاعات المسلحة وتراجع الثقة في نماذج السلام التقليدية، في تركيا، لا تزال قضية السجناء السياسيين والعزلة المفروضة على عبد الله أوجلان محل انتقاد واسع من قبل منظمات حقوقية دولية، تعتبرها انتهاكا للمعايير القانونية والإنسانية، في المقابل، تحظى أفكار أوجلان حول الديمقراطية القاعدية وتحرير المرأة باهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية والنسوية، بوصفها محاولة لإعادة تعريف السياسة والسلام من منظور اجتماعي شامل، وفي أوروبا، تتنامى الدعوات إلى دور أكثر فاعلية في دعم حقوق الإنسان والحلول السلمية، وسط جدل حول مسؤولية المجتمع الدولي في معالجة جذور الصراعات بدل الاكتفاء بإدارة أزماتها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية