خاص بوثائق الهوية.. قرار حكومي ينهي معاناة المحجبات في السنغال

خاص بوثائق الهوية.. قرار حكومي ينهي معاناة المحجبات في السنغال
نساء محجبات في السنغال

في خطوة لقيت ترحيبا واسعا داخل الأوساط الشعبية والحقوقية، أصدرت السلطات السنغالية مؤخرا قرارا رسميا يضع حدا لإشكالية طالما أثارت الجدل في مراكز تسجيل بطاقة الهوية الوطنية البيومترية، والمتعلقة بإلزام النساء المحجبات بكشف شعر الرأس أثناء التصوير، وجاء القرار الجديد ليؤكد أن احترام المعتقد الديني لا يتعارض مع متطلبات التحقق الأمني، وأن كرامة المواطنات تشكل أولوية لا تقل أهمية عن الإجراءات الإدارية.

وبحسب تقرير بثه موقع "فضائية إفريقيا 24 تي في" اليوم الاثنين، أصدر وزير الداخلية والأمن العام في السنغال محمدو بامبا سيسي تعليمات واضحة للمشرفين على مراكز تسجيل بطاقة الهوية الوطنية البيومترية الخاصة بمجموعة إيكواس، تقضي بالسماح للنساء المحجبات بإتمام عملية التسجيل دون الحاجة إلى نزع غطاء الرأس، طالما أن ملامح الوجه ظاهرة بشكل كافٍ للتحقق من الهوية.

القرار الحكومي لم يأتِ من فراغ، بل جاء عقب تسجيل حوادث متكررة في عدد من مراكز التسجيل، حيث طُلب من نساء محجبات خلع الحجاب أثناء التصوير، الأمر الذي تسبب في إحراج شديد لهن، ودفع بعضهن إلى الامتناع عن استكمال إجراءات التسجيل، هذه الوقائع أثارت استياء واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، ودفعت جمعيات مدنية وحقوقية إلى المطالبة بتدخل عاجل من السلطات.

معايير واضحة دون انتهاك الخصوصية

وأوضح وزير الداخلية، في بيان رسمي في العاصمة دكار، أن عملية التسجيل البيومتري لا تتطلب سوى أن يكون الوجه مكشوفا بشكل يسمح بالتعرف على الملامح الأساسية، مؤكدا أن إظهار الأذنين أو كشف الشعر ليس شرطا ضروريا، وأشار إلى أن الهدف من هذه التعليمات هو تسهيل حصول النساء على وثائقهن الرسمية دون المساس بقناعاتهن الدينية أو تعريضهن لأي ضغط نفسي.

بالنسبة لكثير من النساء في السنغال، يمثل هذا القرار رسالة طمأنة طال انتظارها، فالحجاب بالنسبة لهن ليس مجرد قطعة قماش، بل تعبيراً عن هوية دينية وثقافية راسخة، واعتبرت ناشطات أن السماح بالتسجيل دون كشف الشعر يعزز شعور الانتماء والثقة في مؤسسات الدولة، ويؤكد أن الدولة لا تضع المواطنات أمام خيار قاس بين الامتثال الإداري واحترام المعتقد.

تسهيل الوصول إلى الوثائق الرسمية

السلطات السنغالية أكدت أن هذه الخطوة تندرج ضمن حرصها على ضمان وصول جميع المواطنات والمواطنين إلى بطاقة الهوية الوطنية البيومترية، باعتبارها وثيقة أساسية لا غنى عنها في الحياة اليومية، فالبطاقة مطلوبة للحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، والمشاركة في الانتخابات، والاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، فضلا عن تسهيل المعاملات الإدارية المختلفة.

بطاقة بيومترية بمعايير إقليمية

وتعد بطاقة الهوية الوطنية البيومترية في السنغال وثيقة مؤمنة تتماشى مع المعايير المعتمدة من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس، وتتيح هذه البطاقة لحاملها الاستفادة من حرية التنقل داخل فضاء المنظمة الإقليمية، إضافة إلى استخدامها كوثيقة تعريف موحدة في عدد من الدول الأعضاء، ما يعزز الاندماج الإقليمي ويسهل حركة الأفراد.

بين الأمن واحترام الحقوق

أثار القرار نقاشاً أوسع حول العلاقة بين المتطلبات الأمنية واحترام الحقوق الفردية، ففي حين تشدد بعض الجهات على أهمية الدقة في إجراءات التحقق من الهوية، يرى خبراء أن هذه الدقة لا تستلزم بالضرورة انتهاك الخصوصية الدينية، ويؤكد مختصون في الشؤون الإدارية أن إظهار الوجه كاملا كافٍ لتحقيق الغرض الأمني، دون الحاجة إلى فرض شروط إضافية قد تحمل طابعا تمييزيا.

لقي القرار إشادة من منظمات حقوق الإنسان التي اعتبرته نموذجا لإدارة التنوع الديني في مجتمع متعدد المعتقدات، وأكدت هذه المنظمات أن احترام الخصوصية الدينية يعزز السلم الاجتماعي، ويمنع شعور فئات معينة بالإقصاء أو التمييز، وهو ما ينعكس إيجابا على الاستقرار العام.

السنغال كنموذج للتعايش

تُعرف السنغال منذ عقود بأنها من أكثر الدول الإفريقية استقرارا على مستوى التعايش الديني، حيث يشكل المسلمون الأغلبية إلى جانب وجود مسيحيين وأتباع معتقدات أخرى، في إطار من التسامح المتبادل، ويعكس القرار الأخير استمرار هذا النهج، وترجمة عملية لشعار احترام التنوع الذي تتبناه الدولة في سياساتها العامة.

ورغم الترحيب الواسع، يرى مراقبون أن التحدي الحقيقي يكمن في التطبيق الفعلي للتعليمات على مستوى جميع مراكز التسجيل، خصوصا في المناطق البعيدة عن العاصمة، ويؤكدون أهمية تدريب الموظفين وتوعيتهم بمضمون القرار، لضمان عدم تكرار الممارسات السابقة التي أضرت بصورة المؤسسات وأثقلت كاهل النساء.

من المتوقع أن يسهم القرار في رفع معدلات الإقبال على التسجيل، خاصة بين النساء اللواتي كن مترددات بسبب التجارب السلبية السابقة. كما يعزز ثقة المواطنات في أن الدولة قادرة على الاستماع لمطالبهن وتصحيح المسارات عندما تظهر ثغرات في التطبيق.

تعمل السنغال منذ سنوات على تعميم بطاقة الهوية الوطنية البيومترية في إطار تحديث منظومتها الإدارية وتعزيز أمن الوثائق الرسمية، وتأتي هذه الجهود ضمن التزاماتها تجاه معايير المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي تهدف إلى تسهيل حركة الأفراد وتعزيز التكامل الإقليمي. وخلال مراحل التطبيق، برزت إشكاليات تتعلق بالتوفيق بين المتطلبات التقنية واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية، لا سيما في مجتمع يتمسك بقيمه الروحية، ويشكل القرار الأخير محطة مهمة في هذا المسار، إذ يبرهن على إمكانية تحقيق التوازن بين الحداثة الإدارية وصون الحقوق الأساسية، ويقدم نموذجا يمكن أن تحتذي به دول أخرى تواجه تحديات مشابهة في إدارة التنوع واحترام المعتقد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية