تحت الحصار والحرب.. معاناة الأمهات مؤشر صادم لانهيار الحياة في غزة

تحت الحصار والحرب.. معاناة الأمهات مؤشر صادم لانهيار الحياة في غزة
أمهات يعانين في غزة

يشهد قطاع غزة تدهوراً خطيراً في أوضاع صحة النساء والأطفال، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في حالات الإجهاض وتراجع حاد في أعداد المواليد الجدد، في مشهد يعكس عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان تحت وطأة الحرب والحصار المستمرين. وهذا التراجع لا يمثل مجرد أرقام طبية، بل يشير إلى انهيار شامل في مقومات الحياة الأساسية، ويضع مستقبل أجيال كاملة أمام مخاطر حقيقية.

وبحسب تصريحات نقلها المركز الفلسطيني للإعلام اليوم الاثنين، كشف المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش عن انخفاض عدد المواليد الجدد بنسبة 40 في المئة على أساس سنوي، بالتوازي مع ارتفاع واضح في حالات الإجهاض، مؤكداً أن هذه المؤشرات تعكس بصورة مباشرة آثار الحرب وسياسات التجويع وتدمير النظام الصحي.

انخفاض الولادات إلى مستويات مقلقة

وأوضح البرش أن عدد الولادات الشهرية في قطاع غزة تراجع من نحو 26000 حالة قبل اندلاع الحرب إلى قرابة 17000 حالة فقط في الوقت الحالي، ويعزو هذا الانخفاض الحاد إلى الظروف المعيشية القاسية التي تواجهها النساء الحوامل في ظل نقص الغذاء، وانعدام الأمن، وتراجع الخدمات الصحية الأساسية، إضافة إلى الضغوط النفسية الهائلة التي تعيشها الأسر.

وأشار المسؤول الصحي إلى أن انخفاض أوزان المواليد بات ظاهرة واسعة الانتشار في القطاع، نتيجة سوء تغذية الأمهات خلال فترات الحمل، وأضاف أن منع الاحتلال إدخال المكملات الغذائية الأساسية والفيتامينات الضرورية للحوامل أدى إلى تفاقم المخاطر الصحية، سواء على الأجنة داخل الأرحام أو على الأطفال بعد الولادة، ما ينذر بمضاعفات صحية قد تستمر لسنوات.

الحرب وتأثيرها المباشر في الأمومة

يأتي هذا التدهور الصحي في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 والتي اتسمت باستخدام القتل والتجويع والتدمير الواسع للبنية التحتية، إلى جانب التهجير القسري والاعتقالات، هذه الحرب لم تترك مجالاً للحياة الطبيعية، وحولت الحمل والولادة من حدث إنساني طبيعي إلى رحلة محفوفة بالمخاطر.

ووفقاً لمعطيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قتلت قوات الجيش منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 8 أكتوبر 2024 نحو 12500 امرأة فلسطينية، وتعيش عشرات آلاف النساء الناجيات، وبينهن حوامل، في ظروف إنسانية بالغة القسوة داخل مخيمات النزوح المنتشرة في مختلف أنحاء القطاع، حيث تفتقر هذه المخيمات إلى أدنى مقومات الصحة والسلامة.

انهيار المنظومة الصحية

تتفاقم معاناة النساء الحوامل مع الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية في غزة، بعد أن دمرت الحرب معظم المستشفيات والمراكز الطبية أو أخرجتها عن الخدمة، ويعاني ما تبقى من مرافق صحية من نقص حاد في الكوادر الطبية والمستلزمات والأدوية، ما يجعل تقديم الرعاية الصحية للأمهات والمواليد أمراً بالغ الصعوبة.

ويضطر كثير من النساء إلى الولادة في ظروف بدائية وغير آمنة، سواء في المنازل أو داخل خيام النزوح، من دون توفر طواقم طبية كافية أو أدوات تعقيم أساسية، هذا الواقع يعرض حياة الأمهات والمواليد لخطر حقيقي، ويرفع احتمالات الوفاة أو الإصابة بمضاعفات صحية خطيرة، قد تترك آثاراً دائمة في الصحة الجسدية والنفسية.

نساء يدفعن ثمناً يومياً للحرب

وتشير بيانات محلية إلى أن الحرب تحصد يومياً أرواح نحو 14 امرأة في قطاع غزة، كما تحول كل يوم 29 امرأة متزوجة إلى أرامل، وتتسبب في إجهاض 16 امرأة حاملاً في المتوسط، هذه الأرقام تكشف حجم الكارثة التي تصيب النساء بشكل يومي، وتحول حياتهن إلى سلسلة متواصلة من الفقدان والمعاناة.

ولا تقتصر معاناة النساء على المخاطر الصحية فحسب، بل تمتد إلى الحرمان من أبسط احتياجات الحياة اليومية، مثل المياه النظيفة، والغذاء الكافي، والخصوصية، والرعاية الصحية النفسية، وفي ظل الحصار المستمر، تصبح هذه الاحتياجات الأساسية حلماً بعيد المنال، خاصة للحوامل والمرضعات.

تحذيرات دولية بلا استجابة

وقد حذرت وكالات مختلفة تابعة للأمم المتحدة، في أكثر من مناسبة، من أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تشكل حرباً على النساء، نظراً لما تسببه من انتهاكات جسيمة لحقوقهن الصحية والإنسانية، ورغم هذه التحذيرات، لا تزال النداءات الدولية قاصرة عن إحداث تغيير ملموس على الأرض، في ظل استمرار العمليات العسكرية وتقييد دخول المساعدات.

تداعيات طويلة الأمد على المجتمع

يحذر خبراء صحيون من أن استمرار هذا الوضع ينذر بتداعيات خطيرة وطويلة الأمد على المجتمع الفلسطيني في غزة، تشمل ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة لدى الأطفال، وزيادة وفيات الأمهات، وتدهور الصحة النفسية للأسر، كما أن انخفاض أعداد المواليد قد يترك أثراً ديمغرافياً واجتماعياً عميقاً في المستقبل.

يخضع قطاع غزة لحصار مشدد منذ أكثر من 17 عاماً، ما أدى إلى إضعاف بنيته الاقتصادية والصحية بشكل كبير، ومع اندلاع الحرب 7 أكتوبر 2023 تفاقمت الأوضاع الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تعرضت المستشفيات والبنية التحتية الصحية للتدمير، وتعرض السكان لنقص حاد في الغذاء والمياه والدواء، وتعد النساء الحوامل والأطفال من أكثر الفئات تضرراً في هذا السياق، إذ يواجهون مخاطر مضاعفة في ظل غياب الرعاية الصحية الكافية واستمرار العمليات العسكرية، ما يجعل أزمة صحة الأمومة في غزة واحدة من أخطر تجليات الكارثة الإنسانية المستمرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية