الاسترقاق الحديث.. الأفارقة بين الأمس واليوم

الاسترقاق الحديث.. الأفارقة بين الأمس واليوم

باسم ثروت

 

 

في حاضرات أيامنا زمن التسارع الرقمي والتقني، وأزمان الليبرالية والديمقراطية الحديثة، صارت المناداة والمناجاة بحقوق الإنسان اتجاها عالمياً، فاليوم يطل علينا من نافذة الماضي اليوم العالمي للإلغاء الرق والاسترقاق.

 

لكن هذا الإلغاء أو الانتهاء ليس إلا مجرد انتهاء للشكل القديم، فيري كثيرون أن زمن الرق والاسترقاق قد ولى، أو أنهما من زمن بعيد في قرون بعيدة حين كانت السفن تنقل العبيد من أفريقيا إلى أوروبا أو أميركا، إنما حاضرات الأزمان أظهرت شكل جديد للرق والاسترقاق تطلق عليه المنظمات الدولية”الرق/ العبودية الحديثة”.

 

تطور الرق وتحور بأساليب مختلفة عبر التاريخ ففي حاضرات أيامنا، ما زالت بعض أشكال الرق التقليدية القديمة قائمة على نحو ما كانت عليه في الماضي، وتحول بعض منها إلى أشكال جديدة، وكانت هذه الأشكال من الرق ناتجة عن التمييز القائم منذ عهد طويل ضد أكثر الفئات استضعافا في المجتمعات مثل: أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، والأقليات القبلية والسكان الأصليين.

 

ومن خلال مفهوم أوسع يعني الرق الحديث، الممارسات من قبيل العمل الجبري، واستعباد المدين، والزواج القسري، والاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي، وعمل الأطفال، والتجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاعات المسلحة،ويشمل الرق الحديث أيضاً حالات الاستغلال التي لا يمكن للشخص أن يرفضها أو يغادرها بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع وإساءة استعمال السلطة.

 

وعلى عكس واقع الأحوال في العالم وأفريقيا خاصة، الذي يشير إلي انتهاء الرق، لكنه انتهاء ورقياً وعلي مستوي التشريعات والقوانين التي اتخذتها الأمم المتحدة وكثير من الدول بإلغاء وتحريم تجارة الرقيق, لكن علي الأرض فإن الرق في أفريقيا أخذ أشكالا جديدة لا تقل ضراوة وقسوة عن صوره القديمة في العبودية والاتجار بالأشخاص وبيعهم بأرخص الأسعار.

 

فقد أشار تقرير مؤشر العبودية العالمي لعام2018، إلى أن هناك 5.4 ضحية للعبودية الحديثة مقابل كل 1000 شخص في العالم من الناحية الإقليمية، جاء انتشار العبودية الحديثة في إفريقيا في أعلى مستوى حيث بلغ 7.6 ضحية لكل 1000 شخص في المنطقة. تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ (6.1 ضحايا) وأوروبا وآسيا الوسطى (3.9 ضحايا). وكان الانتشار في الدول العربية والأمريكتين أقل حيث بلغ 3.3 و 1.9 ضحية لكل 1000 شخص على التوالي.

 

في عام 2016 ، كان ما يقدر بنحو 9.2 مليون رجل وامرأة وطفل يعيشون في العبودية الحديثة في إفريقيا. حيث معدل الزواج القسري بلغ (4.8 ضحية لكل 1000 شخص في المنطقة) أعلى من معدل العمل القسري الذي بلغ (2.8 ضحية لكل 1000 شخص في المنطقة).

 

علاوة على ذلك، أكثر من نصف جميع ضحايا الاستغلال في العمل الجبري (54 في المائة) مستعبدين للديون، مع نسب مماثلة من الرجال والنساء في المنطقة محاصرون بسبب الديون. كما يقدر عدد ضحايا الاستغلال الجنسي القسري بنحو 400 ألف شخص في المنطقة، وهو ما يمثل ثمانية في المائة من جميع ضحايا الاستغلال الجنسي القسري والاستغلال الجنسي التجاري للأطفال في جميع أنحاء العالم داخل المنطقة.

 

وكانت إريتريا، وبوروندي، وجمهورية إفريقيا الوسطى هي البلدان التي بها أعلى معدل انتشار للرق الحديث ومع ذلك، سجلت نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية أعلى رقم مطلق وشكلتا أكثر من ربع (26.3 في المائة) من جميع الضحايا في المنطقة.

 

بالإضافة إلى كل ما سبق، هناك من يقعون ضحايا وسبايا للجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة المنتشرة في كل أرباع إفريقيا، حيث يمارس عليهم أسوأ أنواع الاسترقاق مثل بيع النساء والفتيات للاسترقاق أو استغلالهم في الاستعباد الجنسي، ناهيك عن أولئك اللاجئين والنازحين الذين يقعون فريسة لتجار البشر والمهربين ومن يستطع منهم الوصول إلى وجهته يتعرض للعمل في المنازل بأجور باخسه، عطفاً على العديد والعديد من العنصرية والاهانات المتكررة بشكل شبه يومي.

 

إجمالاً، بين حاضرات الأيام وماضيات الأزمان مازالت القارة الإفريقية تعاني من استعباد شعوبها سواء بالطرق التقليدية القديمة أو الاسترقاق الحديث، فكم ستدوم كل هذه المعاناة التي تواجهها الشعوب الإفريقية؟ ومتى سيضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه القارة الإفريقية؟ وهل ستشهد هذه القارة أزمنة الإصلاح والانفتاح على السلام والاستقرار أم ماذا؟

 

تبقى الأسئلة مطروحة ونحن على مشارف عام 2022 وبعد مرور 15 عام منذ أول مرة احتفل بها العالم بيوم إلغاء الرق والاسترقاق عام 2007.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية