خبراء يشخصون أسباب تراجع اليورو أمام الدولار ويصفون "روشتة" للتعافي
خبراء يشخصون أسباب تراجع اليورو أمام الدولار ويصفون "روشتة" للتعافي
تلقي الأزمة الروسية الأوكرانية بظلالها على أوروبا، حيث تراجع سعر اليورو مؤخرًا إلى ما دون دولار واحد، للمرة الأولى منذ 20 عامًا، وهو مستوى غير مسبوق، منذ أواخر العام 2002، عندما طُرح اليورو للتداول رسمياً، في خطوة يراه مراقبون ستؤثر على المدخرين وستزيد من حدة أزمة تكلفة المعيشة في أوروبا.
ويعاني اليورو من عدة أزمات في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية التي ساهمت في ارتفاع أسعار النفط والغاز والأغذية، بالإضافة إلى تأخر البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة رغم معدلات التضخم الأعلى منذ نحو 40 عاما.
وعلى مدار سنوات مضت، كان صانعو السياسة الأوروبية يرحبون بضعف العملة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، لأنه يجعل صادرات الكتلة أكثر قدرة على المنافسة.
والآن، مع ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياته منذ بدء مثل هذه الأرقام القياسية، فإن ضعف العملة لم يعد مرغوبا فيه لأنه يعزز ارتفاع الأسعار بجعل الواردات أكثر تكلفة.
وحذر من انخفاض سعر اليورو أمام الدولار، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، فرانسوا فيليروي دي غالو، الذي قال: “إن البنك سيرصد بعناية التطورات في سعر الصرف الفعلي، كمحرك مهم للتضخم المستورد”.
وشدد على أن "انخفاض سعر اليورو بشكله الراهن سيتعارض مع هدفنا المتمثل في استقرار الأسعار".
وقدرت ورقة نشرها البنك المركزي الأوروبي عام 2020، أن انخفاض قيمة اليورو بنسبة 1% مقابل سلة العملات يمكن أن يضيف ما يصل إلى 0.11 نقطة مئوية للتضخم في غضون عام، و0.25 نقطة مئوية على مدى 3 سنوات.
إلى أي حد يمكن أن يصل تدهور اليورو؟
محللون أوروبيون حذروا من أن "اليورو ربما لم يصل إلى أدنى مستوياته نظرًا للمخاطر المستمرة من التهديد بقطع الغاز الروسي الأمر الذي قد يدفع المنطقة إلى ركود عميق".
وتشير التقديرات الأوروبية إلى أن هذا السيناريو قد يؤدي بدوره إلى تقييد قدرة البنك المركزي الأوروبي بشكل كبير على رفع أسعار الفائدة، وهو ما لم يفعله حتى الآن.
ولا تهادن روسيا في التعامل بورقة الغاز، إذ قلصت الإمدادات لبعض دول الاتحاد الأوروبي، وقطعت مؤخرًا التدفق في خط أنابيب نورد ستريم إلى ألمانيا بنسبة 60%.
ويقول المحلل جاين فولي لدى شركة "رابوبنك" للخدمات المالية: “إلى أي حد يمكن أن يصل تدهور اليورو؟ يعتمد ذلك على الأرجح على رغبة روسيا في مفاقمة الحرب الاقتصادية مع أوروبا”، وأشار إلى أن "معرفة نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليست أمرا سهلا"، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.
الدولار يستردّ عافيته
قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، صلاح الدين فهمي: "إن السبب الرئيسي لذلك يعود إلى السياسة التي اتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، حيث رفع الفائدة بإجراءات ومعدلات غير مسبوقة حيث رفع بنسبة 75 نقطة أي 75%، وهناك توقع الرفع بـ"1% "الشهر القادم، وهذه سياسة توقيتية متشددة يتبعها البنك للسيطرة وكبح جماح التضخم، وهذا ما جعل الدولار يسترد عافيته أمام سلة العملات الأخرى وهي" الفرنك، واليورو، والين"، التي انخفضت أمامه".
وعن السبب أرجع الخبير الاقتصادي الأزمة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدأت تلقي بظلالها على علاقة اليورو بالدولار، حيث استهدف البنك الفيدرالي الأمريكي السيطرة على التضخم وبشكل سريع، برفعه سعر الفائدة وكذلك الدول التي تربطها علاقة اقتصادية بأمريكا، مثل دول الخليج وبنفس المعدلات، بهدف منع الودائع من الخروج خارج الجهاز المصرفي، ويكون هناك سياسة نقدية تستهدف التضخم، وهذا ما فعلته مصر لمواجهة الأزمة".
وأضاف الخبير الاقتصادي، في أوروبا ارتفعت الأسعار مما يؤدي إلى ارتفاع نفقات المعيشة بشكل سلبي على الأوروبيين، وهناك علاقة عكسية بين ارتفاع النفقات ومستوى المعيشة، فإذا ارتفعت النفقات قل مستوى المعيشة.
تضخم وارتفاع أسعار
قال الخبير الاقتصادي فخرى الفقي: “إن لانخفاض سعر اليورو أمام الدولار العديد من التأثيرات، ففي الوقت الذي يمثل عاملًا إيجابياً لمصدري منطقة اليورو الذين قد يشهدون زيادة في الطلب على سلعهم الأرخص نسبيًا، إلا أنه يجعل الواردات أكثر تكلفة، مما يزيد من مخاوف التضخم، وزيادة أسعار السلع والمنتجات”.
روشتة تعافٍ
وفقًا لتقارير صحفية، يتوقع المستثمرون أنّ بإمكان اليورو التعافي إذا زالت عدة عقبات تقف في طريقه، خلال الأشهر المقبلة، وتتمثل العقبة الأولى في خطر توقف إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، وهو أمرٌ من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، ويُجبر دول منطقة اليورو على الحدّ من بعض الأنشطة الصناعية.
وقالت المحللة لدى "كوميرزبنك" إستر ريخليت لوكالة "فرانس برس": "إذا عاد تدفّق الغاز من روسيا إلى وضعه الطبيعي، أو توقف عن التراجع على الأقل، بعد انتهاء الإغلاق الذي أدّت إليه أعمال الصيانة في نورد ستريم 1، الأسبوع المقبل، فسيخفف ذلك مخاوف الأسواق بعض الشيء من أزمة غاز وشيكة في أوروبا".
وبينما حذّرت مجموعة "غازبروم" الروسية العملاقة للغاز من أنّه لا يمكنها ضمان سير عمل خط الأنابيب بشكلٍ عادي، تخشى الدول الأوروبية من إمكانية أن تسعى موسكو إلى استخدام مبررات تقنية من أجل وقف شحنات الغاز بشكل دائم والضغط عليها.
بدوره، حذّر المحلل لدى "إس بي آي" لإدارة الأصول، ستيفن إنيس، من أنّه في حال "عدم إعادة تشغيل نورد ستريم 1، فسيتراجع اليورو وسيشعر العالم بأسره بارتدادات الهزة الاقتصادية، فيما يمكن أن تتسبب أزمة الطاقة الأوروبية بركود".
ولفتت خبيرة الصرف الأجنبي لدى "رابوبنك" جين فولي إلى أنّ "الركود سيعني بالتأكيد أنّ الأسواق ستصبح أكثر قلقاً حيال مخاطر التجزئة في منطقة اليورو".