“مارسيلا”.. مواطنة من "زهرة المحيط" تسعى لاستعادة كنوزها البيئية (صور)
“مارسيلا”.. مواطنة من "زهرة المحيط" تسعى لاستعادة كنوزها البيئية (صور)
في عام 2020، دمر إعصار إيوتا جزيرة صغيرة تقع في الكاريبي تُعرف باسم "زهرة المحيط"، وعلى الرغم من أن الخسائر في الأرواح البشرية كانت ضئيلة، إلا أن التأثير على النظم البيئية القيّمة أدى إلى تغيير كبير في منظور سكانها.
الآن وبعد عامين من الإعصار، لا يزال سكان "زهرة المحيط" يعملون لاستعادة كنوزهم البيئية، والاستعداد لأي مفاجأة قد يأتي بها تغير المناخ.
وتعد جزيرة بروفيدنسيا الكولومبية الجبلية، التي تقع في منتصف الطريق في امتداد البحر الكاريبي الذي يفصل بين كوستاريكا وجامايكا، موطنا لألوان بحرية مذهلة ومناظر طبيعية تحت الماء وغابات المانغروف الواسعة وحتى الغابات الاستوائية الجافة.
وتتمتع الجزيرة بتنوع النظم البيئية البحرية والعجائب الطبيعية المحيطة بها -بما في ذلك المشهد السنوي لآلاف السرطانات السوداء النادرة التي تنحدر من الجبال وتتجه إلى البحر لتضع بيضها- بجانب أحد أكبر الحواجز المرجانية في العالم.
وقد أدى ذلك إلى إعلانه جزءا من محمية المحيط الحيوي لليونسكو المعروفة باسم "زهرة المحيط".
ولكن مع ذلك، كما هو الحال بالنسبة لجميع الجزر في العالم، فإن كنوز بروفيدنسيا الطبيعية الفريدة مهددة بشدة بسبب تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، وهي تهديدات ليست "نظريات" تلوح في الأفق، ولكنها حقائق مروعة تؤثر بالفعل على كل جانب من جوانب الحياة هناك.
لن ينسى سكان الجزيرة البالغ عددهم 6 آلاف نسمة أبدا ليلة 16 نوفمبر 2022، عندما دمر إعصار إيوتا، أرضهم.
"مارسيلا كانو"، عالمة الأحياء والمقيمة منذ فترة طويلة في الجزيرة، كرست حياتها للحفاظ على كنوز بروفيدنسيا البيئية، تتذكر "مارسيلا" لحظة الإعصار: "الشيء الأكثر إثارة للصدمة كان الصوت، يقول الناس هنا، إن الإعصار جاء مصحوبا بالشيطان لأن الصوت كان غريبا ومخيفا للغاية".
قضت "مارسيلا" ساعات في تلك الليلة تصارع من أجل النجاة من العاصفة، كانت نائمة في منزلها عندما بدأت تسمع أصواتا غريبة، حوالي منتصف الليل، تبين أن ذلك كان هبوب رياح تزيد سرعتها على 155 ميلا في الساعة.
وعندما مر الإعصار المدمر عبر الجزيرة فانقطعت الكهرباء والاتصالات بعد فترة وجيزة، تتذكر "مارسيلا"، قائلة: "وقفت ولاحظت أن مصابيح السقف بدت وكأنها أعلى من المعتاد، حينها أدركت أن جزءا من سقفي قد طار بعيدا".
وتضيف أنها بعد دقائق سمعت صوتين قويين صادرين من غرفة الضيوف ورأت الماء ينساب على الجدران، وكان رد فعلها الفوري هو الخروج من المنزل، واصفة قرار الخروج بأنه كان الأفضل، لأن معظم جدران منزلها، ليس فقط السقف، قد انهار في الظلام تحت تأثير الأمطار الشديدة والرياح.
وقالت: "كانت السماء تمطر بغزارة، لم أتمكن تقريبا من الخروج من منزلي لأن الرياح لم تكن تسمح لي بفتح الباب، وصلت إلى المكان الذي أوقفت فيه مولا (عربة الغولف الآلية الخاصة بها) كانت غارقة تماما في الماء، وجلست هناك"، أمضت أكثر من 10 ساعات جالسة في عربة الغولف على أمل أن يصمد جدار مجاور لها وشجرة صنوبر كبيرة.
وتابعت: "كانت الرياح القوية جدا تأتي وتذهب لساعات وساعات، وكل ما كنت أفكر فيه هو التضرع للخالق بأن تنحسر هذه الرياح، فلقد مضى وقت طويل جدا، شعرت وكأنه أطول وقت في حياتي، وعند الساعة 11 صباحا تقريبا، تحسن الوضع قليلا، لكن السماء كانت لا تزال تمطر بغزارة".
في تلك اللحظة رأت جيرانها على الطريق ينادون عليها، استجمعت الشجاعة للسير فوق تل صغير مليء بالحطام باتجاههم وأدركت أنهم فقدوا منزلهم أيضا بسبب الرياح، لكن بالنسبة لمارسيلا، كانت الخسارة على وشك أن تصبح أكبر وأكثر إيلاما.
و"مارسيلا" هي مديرة متنزه ماكبين لاغون الطبيعي الوطني Old Providence McBean Lagoon، وهو موقع محمي فريد ومهم للغاية في الجزيرة، عملت لأكثر من 30 عاما لحمايته، وظلت رائدة، مع فريقها، في استعادة النظام البيئي والسياحة البيئية.
وقالت "مارسيلا" إنه في كل مرة تحكي فيها هذه القصة، بالكاد تستطيع أن تحبس دموعها: "نظرت حولي لأكتشف أن كل النباتات على الجزيرة قد ذهبت أدراج الرياح، وكان كل شيء أسود، ولم تعد جميع الأشجار مكسوة بالأوراق.. بدا الأمر كما لو أن كل شيء قد احترق، وكان البحر مرتفعا.. كان بإمكاني رؤية جزيرة سانتا كاتالينا من هناك.
في تلك الليلة، لجأت "مارسيلا" مع 10 عائلات إلى الاحتماء بحافة خرسانية، في الطابق الثاني لمنزل قيد الإنشاء، لم يتأثر بالرياح والمطر، تقول "لقد صنعنا سريرا مؤقتا مشتركا، كان ذلك أيضا في ذروة انتشار فيروس كورونا في كولومبيا، لكن لم يكن أحد يهتم بذلك في تلك اللحظة.
كانت السماء لا تزال تمطر، وانقطعت الاتصالات عن الجزيرة لأكثر من 8 ساعات، ظل الناس في سائر أنحاء كولومبيا يتساءلون لمدة يوم تقريبا عما إذا كانت بروفيدنسيا قد نجت من إعصار إيوتا أم لا.
وفي الأيام التالية، مع وصول المساعدة، وصف سكان محليون آخرون كيف كان الناس يتجولون مثل "الزومبي"، أو الموتى الأحياء، بحثا عن الطعام والمأوى، بأعجوبة، فقد 4 أشخاص فقط حياتهم في تلك الليلة، ولكن تم تدمير أكثر من 98% من البنية التحتية للجزيرة وتشريد 6 آلاف شخص.
وقالت مارسيلا: "ذهبت سيرا على الأقدام لأسأل عن فريقي في الحديقة الوطنية، كنا جميعا على ما يرام، لكننا فقدنا كل شيء عملنا من أجله، مكتبنا ومكتبتنا وبيانات البحث المخزنة في أجهزة الكمبيوتر لدينا، فقدنا كل شيء".
وأضافت "لقد أمضيت معظم حياتي هنا في بروفيدنسيا.. لقد كان مؤلما جدا أن أرى أن كل جهودنا للحفاظ على الحديقة الوطنية قد تلاشت"، ووفقا لإدارة المتنزهات الطبيعية الوطنية في كولومبيا، تأثر حوالي 90% من غابات المانغروف والغابات، فضلا عن الشعاب المرجانية في المياه الضحلة، والتي كان العديد منها في مشاتل كجزء من جهود الاستعادة المستمرة.
وقالت مارسيلا: "نحن نعمل على استعادة الغطاء النباتي والتكوينات الملحية، لقد قمنا أيضا بإنقاذ وإعادة زرع المستعمرات المرجانية التي اقتلعها الإعصار"، تشرح وهي واقفة فيما تبقى من رصيف كراب كاي، الذي كان يمثل، في يوم من الأيام، أكثر المناطق جذبا للسياح في بروفيدنسيا.
وبفضل العمل الميداني والتجربة في ترميم الشعاب المرجانية، على مدار العقد الماضي، تعد حديقة ماكبين لاغون الوطنية حاليا أكبر مساهم في المشروع الوطني "مليون شعبة مرجانية من أجل كولومبيا" والذي يهدف لاستعادة أكثر من 200 هكتار من الشعاب المرجانية، مع أكثر من 55 ألف جزء من الشعاب المرجانية في المشاتل وأكثر من 6 آلاف قطعة مزروعة.
وقالت مارسيلا كانو: "أمامنا تحدٍ كبير على وجه التحديد مع المانغروف الأحمر، الذي ينمو على الساحل، مات أكثر من 95% من هذه الأنواع أثناء الإعصار، ولا تتجدد بشكل طبيعي".
وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، تدعم أشجار المانغروف التنوع البيولوجي الغني وتوفر موطنا للأسماك والمحار، فضلا عن أنها تشكل مدرجا للهبوط ومنطقة تعشيش لأعداد كبيرة من الطيور، أما جذورها فهي تمثل مأوى للزواحف والبرمائيات.
يمكن لنظامها البيئي أن يمتص كمية من الكربون تصل إلى 5 أضعاف ما تمتصه الغابات الاستوائية، كما أن تربتها تشكل أحواضا كربونية عالية الفعالية، مما يجعلها "رئات" مهمة لكوكبنا الذي يعاني من ارتفاع درجة الحرارة.
وتعمل أشجار المانغروف أيضا كخط دفاع ساحلي طبيعي ضد هبوب العواصف وأمواج التسونامي وارتفاع مستوى سطح البحر والتآكل، وهو أمر شاهده سكان سانتا كاتالينا، وهي جزيرة صغيرة متصلة بشمال بروفيدنسيا بواسطة جسر.
وقالت مارسيلا كانو: "سوف يستغرق الأمر منا حوالي 10 سنوات كي نتمكن من الحصول على غابات المانغروف بالهيكل والوظيفة التي كانت عليها قبل الإعصار، هذه عمليات ترميم طويلة الأمد، ومن المهم أن تفهم الحكومات ذلك".
وأضافت الخبيرة وعالمة الأحياء: "قبل الإعصار، كنت على وشك التقاعد، لكنني لا أستطيع الآن، لا يمكنني ترك منصبي دون التأكد من أن هذا المتنزه قوي وجاهز للأجيال القادمة".