اتفاقية "ميناماتا".. 5 سنوات على كبح انتشار الزئبق السام بالعالم

اتفاقية "ميناماتا".. 5 سنوات على كبح انتشار الزئبق السام بالعالم

بـ"التخلص التدريجي من استخدام الزئبق السام، وفرض حظر على مناجم الزئبق الجديدة"، يحتفي العالم بدخول اتفاقية "ميناماتا" حيز التنفيذ منذ 5 سنوات.

وبحسب الأمم المتحدة، "رغم أن اتفاقية ميناماتا حديثة العهد، إلا أنها تستند إلى تاريخ طويل من الجهود العلمية، لفهم وإدارة مخاطر الزئبق كمادة سامة".

ودخلت "ميناماتا" حيز التنفيذ في 17 أغسطس 2017، وهي اتفاقية عالمية لحماية صحة الإنسان والبيئة من الانبعاثات البشرية ومن إطلاقات الزئبق ومركبات الزئبق السام.

وسُميت الاتفاقية بهذا الاسم، لأن مادة الزئبق السام دمرت قرى الصيد في خليج ميناماتا باليابان في منتصف القرن العشرين، ما دفع الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى التفاعل للحد من التلوث بالزئبق. 

ويتذكر المجتمع الدولي من خلال اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق العديد من الأرواح التي فُقدت بسبب التسمم بالزئبق، كما يلتزم بالوقاية من وقوع كوارث مماثلة.

وفي عام 1990، نظم الباحثون الاجتماع الأول للمؤتمر الدولي للزئبق باعتباره ملوثًا عالميًا، ونشرت الأوراق الصادرة عنه كمدخلات علمية لصناعة السياسات في العالم.

ويوجد الزئبق في قشرة الأرض ويتم إطلاقه بشكل طبيعي من خلال النشاط البركاني وتآكل الصخور، وهو موجود بأشكال مختلفة، لكل منها درجة متفاوتة من السمية ولكن جميعها ضارة بشكل متساوٍ.

ووفق التقارير العلمية، يؤثر الزئبق على الجهاز العصبي، والمخ، والقلب، والكليتين، والرئتين، والجهاز المناعي لجميع الكائنات الحية، إذ اعتبرته منظمة الصحة العالمية أحد أكثر المواد الكيميائية العشر في العالم التي تؤثر على الصحة العامة.

بدورها، قالت مونيكا ستانكوفيتش، الأمينة التنفيذية لاتفاقية ميناماتا، في بيان أممي: "لقد كان العلم قوة دافعة وراء اتفاقية ميناماتا، والتي تضم 137 دولة، وتشمل أحكامها فرض حظر على مناجم الزئبق الجديدة والتخلص التدريجي من استخدام الزئبق في عدد من المنتجات".

المناخ والزئبق

وفي يوليو الماضي، عُقد المؤتمر الدولي الخامس عشر لمكافحة الزئبق، تحت عنوان "الحد من انبعاثات الزئبق لتحقيق عالم أكثر اخضرارًا"، عبر تقنية الاتصال المرئي.

واستعرض المؤتمر تأثير تغير المناخ على تلوث الزئبق، إذ تقدر انبعاثات الزئبق من حرائق الغابات بنحو 600 طن سنويًا، وهو ما يمثل نحو ربع إجمالي انبعاثات الزئبق الناتجة عن النشاط البشري. 

وأوضح أن الزيادات في حرائق الغابات بسبب تغير المناخ بالعالم قد تؤدي إلى زيادة هذه الانبعاثات بنسبة 14 بالمئة بحلول عام 2050 مقارنة بعام 2000.

كما تم إنشاء فريق علمي مفتوح العضوية، يتألف من خبراء من جميع أنحاء العالم ترشحهم أطراف الاتفاقية، وبدأ العمل من أجل إعداد تقارير علمية عن رصد الزئبق وانبعاثاته وإطلاقاته.

وقالت الأمم المتحدة إن مرفق البيئة العالمية سيوفر 265 مليون دولار لمشروعات الزئبق بين 2022 و2026 في إطار التجديد الثامن لصندوقه، كما سيقدم الفريق الاستشاري العلمي والتقني للمرفق التخطيط والتنفيذ والتقييم للمشاريع في إطار حافظة الزئبق.

وخلال الفترة بين 7 و18 نوفمبر المقبل، سيجتمع ما يقرب من 30 ألف مشارك من 196 دولة حول العالم، لعقد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP27، الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ بمصر.

ويواجه العالم تحديات الآثار السلبية للتغيرات المستمرة في المناخ، إذ تحذر الدراسات العالمية من ارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض.

مخاطر الزئبق

وتقول منظمة الصحة العالمية إن عنصر الزئبق ومثيل الزئبق سامّان بالنسبة إلى الجهاز العصبي المركزي والمحيطي، ويمكن أن يخلّف استنشاق بخار الزئبق آثاراً ضارة على الجهازين العصبي والهضمي وجهاز المناعة وعلى الرئتين والكليتين، وقد يكون قاتلاً.

كما تسبب أملاح الزئبق غير العضوية تآكل الجلد والعينين وقناة الجهاز الهضمي، وقد تتسبب في تسمّم الكليتين في حالة تناولها، ويُلاحظ حدوث اضطرابات عصبية وسلوكية عقب استنشاق مختلف مركبات الزئبق أو ابتلاعها أو تعرّض الجلد لها.

وتوضح المنظمة الأممية أن معظم أعراض الإصابة تتمثل في الارتعاشات والأرق وفقدان الذاكرة وتأثر الأعصاب والعضلات والشعور بالصداع وتعرّض الوظائف المعرفية والحركية للخلل. 

فيما تشير إلى عدة سبل للوقاية من آثار الزئبق الضارة بالصحة، أبرزها الترويج لاستخدام الطاقة النظيفة، ووقف استخدام الزئبق في تعدين الذهب، وإلغاء تعدين الزئبق، والتخلّص تدريجياً من المنتجات غير الأساسية الحاوية عليه.

وتمسك المنظمة بزمام تنفيذ مشاريع رامية إلى تعزيز الإدارة السليمة للنفايات الصحية والتخلّص منها، وقد يسّرت عملية استحداث أجهزة لقياس ضغط الدم غير حاوية على الزئبق معقولة التكلفة وموثوقة.

والزئبق قادر على البقاء في الهواء لفترات طويلة قد تصل إلى 18 شهرًا كما أنه ينتقل في الهواء والماء لمسافات بعيدة، وعندما يترسب الزئبق في التربة أو الماء، يتحول عن طريق البكتيريا إلى زئبق عضوي. 

ويتعرض الإنسان إلى الخطر من الزئبق إما عن طريق استنشاق بخار الزئبق في أثناء تصنيعه، أو عن طريق الطعام خصوصًا استهلاك الأسماك والقشريات الملوثة به، وهو الطريق الأغلب.

نجاح أممي

بدوره، أشاد الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب الدكتور مجدي علام، بجهود الأمم المتحدة في الحد من استخدام مادة الزئبق عالميا من خلال الالتزام ببنود اتفاقية "ميناماتا".

 وأوضح علام في تصريح لـ«جسور بوست» أن ارتفاع معدلات مادة الزئبق في الغلاف الجوي أدى إلى تآكل الطبقة الهلامية الرقيقة أو ما عرف في ما بعد بـ"ثقب الأوزون".

وأضاف: "اتفاقية ميناماتا تعد من أكبر النجاحات في تاريخ العالم، نظرا لالتزام الدول الموقعة عليها بتقليل استخدام مادة الزئبق، والتي كانت تدخل في العديد من الصناعات العسكرية والطبية".

وتابع علام: "الأمم المتحدة نجحت بعد سنوات من إعادة طبقة الأوزون إلى طبيعتها، ومن ثم تقليل المخاطر الصحية والبيئية المترتبة على ذلك".

وحذرت الهيئة الاتحادية الألمانية للحفاظ على البيئة، من المخاطر المتزايدة الناتجة عن الزئبق السائل خصوصا في الدول النامية التي تعتمد على عمالة الأطفال في تفكيك مصابيح الفلورسنت القديمة للحصول على الأجزاء المعدنية بداخلها. 

وأوضحت أن خطورة الزئبق السائل لا تقتصر عليه فحسب بل تمتد لملح الزئبق والكثير من مشتقاته، وعندما ينتهي الحال بهذه المواد في البحار والأنهار مع المخلفات الصناعية فإن الكائنات البحرية تمتصها، وبالتالي فهي تعود للإنسان مجددا بشكل مكثف عن طريق تناول الأسماك.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية