«رمال قاتلة».. العقارب تزيد معاناة المواطنين في جنوب ليبيا

«الصحة العالمية» توفر 4 آلاف جرعة.. وحقوقيون يطالبون بالمزيد

«رمال قاتلة».. العقارب تزيد معاناة المواطنين في جنوب ليبيا
لدغات العقارب تشكل تهديدًا متزايدًا يضاعف معانات جنوب ليبيا

يعيش سكان الجنوب الليبي في ظروف بيئية وصحية صعبة، حيث تشكل لدغات العقارب تهديدًا متزايدًا يضاعف معاناتهم اليومية، وتتفاقم الأزمة نتيجة المناخ الصحراوي الجاف الذي يشكل بيئة مناسبة لتكاثر العقارب وانتشارها في القرى النائية، إضافة إلى ندرة الموارد الطبية، وخاصة الأمصال المضادة للسُموم، وتؤدي هذه الأوضاع إلى ازدياد حالات الوفيات والإصابات التي يمكن تجنبها لو توفرت الخدمات الصحية الملائمة.

ويشهد الجنوب الليبي انتشارًا واسعًا للعقارب بسبب طبيعة المنطقة الصحراوية التي تعتبر ملاذًا لهذه الحشرات الخطيرة، وتفتقر هذه المناطق إلى البنية التحتية المناسبة والمرافق الصحية الأساسية، مما يعزز من وجود العقارب في الأحياء السكنية وحتى داخل المنازل، حيث تبحث العقارب عن أماكن مظللة ورطبة بعيدًا عن أشعة الشمس الحارقة، ما يجعل الأهالي عرضة لهذا التهديد بشكل يومي، وخاصة في أشهر الصيف الحارة التي تزداد فيها نشاطات العقارب وتكرار اللدغات.

تُعد العقارب المنتشرة في المنطقة، خصوصًا العقارب الصفراء والسوداء، من أخطر الأنواع في العالم، حيث تفرز سُمًا قاتلًا يؤدي إلى شلل في الجهاز التنفسي واضطرابات قلبية خطيرة، ما يجعل التدخل الطبي السريع ضرورة حتمية للنجاة، وتزيد مخاطر اللدغات على الأطفال وكبار السن الذين يعانون من ضعف في المناعة ويكونون أكثر تأثرًا بالتسمم. 

وتشير التقارير إلى حالات وفاة بين الأطفال وكبار السن في غياب المصل المضاد، ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحسين الوضع الصحي في هذه المناطق.

يأتي التحدي الأكبر مع نقص الأمصال المضادة، حيث تعاني المراكز الصحية من ندرة حادة في هذه المواد المنقذة للحياة، ما يجعل الحصول على العلاج في الوقت المناسب أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا في بعض الحالات، ويعتمد الكثير من الأهالي على الإسعافات الأولية التقليدية، إلا أن هذه الوسائل غير كافية لمواجهة سُم العقارب القوي، حيث يعاني المصابون في بعض الأحيان من عواقب وخيمة نتيجة التأخر في الحصول على العلاج اللازم، ما يزيد من حالات الوفاة، ويضاعف معاناة العائلات التي تخسر أبناءها بسبب لدغات العقارب.

دعوات لتحسين الرعاية الصحية

أمام هذا الوضع المأساوي، تزداد الدعوات إلى الحكومة الليبية والمنظمات الإنسانية لتوفير الدعم اللازم لسكان الجنوب الليبي، سواء من خلال توفير الأمصال المضادة للسُموم أو تحسين البنية التحتية الصحية وتأهيل الكوادر الطبية للتعامل مع هذه الحالات الطارئة. 

ويأمل السكان أن تتخذ السلطات إجراءات عاجلة للحد من خطر العقارب وحماية الأهالي من لدغاتها القاتلة، مشددين على أن توفير الرعاية الصحية الملائمة لا يعتبر رفاهية بل ضرورة حتمية لإنقاذ الأرواح في منطقة تتعرض لأحد أخطر الكوارث البيئية والصحية.

مأساة فقد الصبي "جبريل"

يروي المواطن صالح السوكني قصة فقده ابنه الأكبر "جبريل"، ذي الـ13 عاما، نتيجة تعرضه للدغ العقرب وعدم التمكن من إنقاذ حياته نظراً لعدم توفر الأمصال المضادة لسم العقارب.

وقال السوكني، في تصريحات لـ"جسور بوست": “نحن من سكان منطقة فزان وعندما تعرض فيها ابني للدغ العقرب لم أكن موجودا بالبيت، وكانت المدينة تعاني من نقص في الأمصال، وعدم توفر الوقود، ابني في ذلك الوقت كان موجوداً ببيت جده وهو يبعد عن بيتنا قرابة 500 متر، حيث طلبت منه والدته الرجوع إلى البيت هو وأخوه الصغير، وفي الطريق تعرض للدغ العقرب ورجع مهرولاً إلى بيت جده طالباً المساعدة وكانت الكهرباء مقطوعة والوقود غير متوفر، حاولت العائلة تقديم الإسعافات الأولية ولكن مساعيها لم تنجح”.

وأكمل إياد السوكني، شقيق الصبي المتوفي، واصفاً حالة أخيه أنه أخذ يصرخ من شدة الألم ويطلب المساعدة وعند وصوله إلى بيت جده قامت جدته بمحاولة إسعافه بالطريقة البدائية بان أخذت سطل رمل وقامت بمسح مكان الجرح في قدمه ومن بعدها أعطوه كوب من الحليب قام بشربها بالكامل ثم قام بترجيعها، وفي تلك الأثناء حضر العم عامر وأخذه بسيارته إلى المركز الصحي القريب، وأخذ يردد أنا لا أريد أن أموت، وهناك تم حقنه بإبرة عادية نظراً لعدم توفر مصل لسم العقرب، وبعدها بنحو 10 دقائق انتشر السم في كامل جسده وفاضت روحه لبارئها.

وواصل والد جبريل: المنطقة تعاني من شح في الوقود بالإضافة لبعد المسافة عن مستشفى سبها الطبي، والأمصال لا تتوافر في المراكز الصحية، كذلك لا تتوفر سيارات إسعاف، كل هذه التحديات تشكل عائقاً كبيراً لإنقاذ أي حالة تحتاج لسرعة في إسعافها، وبعد وفاة ابني وعديد الوفيات التي حدثت للسبب نفسه، تواصلت مع عدد من الناشطين بالمنطقة لإيجاد حل لهذا الوضع، فتوجهنا إلى وزارة الصحة في العاصمة طرابلس ولكن لم نظفر بنتيجة.

وأضاف: فكرنا في رفع دعوى قضائية ولكن باءت مساعينا بالفشل، وتواصلنا مع التضامن الاجتماعي وقيدت الحالات تحت بند الكوارث وصرفت لنا 5 آلاف دينار كتعويض، واستمررت في محاولات للحصول على مصل العقارب من خلال التواصل مع المعارف وأصحاب الخير تحصلنا على قرابة (60) مصلاً، تم استعمالها لفترة محدودة، كما قمنا بتنظيم وقفة احتجاجية أصدرنا فيها بياناً طالبنا فيه بضرورة توفير الأمصال.

سعر المصل يصل لـ30 دولاراً

من جانبه، روى المواطن عبد القادر جاتوه، تجربته مع عدم توفر مصل العقارب راويا ما حدث مع شقيقته، قائلا "تعرضت أختي وهي مارة في الشارع العام للدغ العقرب وعلى الفور توجهت بها إلى المركز الصحي، ولكن للأسف أخبروني بعدم توفر المصل المضاد لسم العقارب ويلزمني إحضاره من الصيدلية، وعندما ذهبت إليها وجدته بقيمة 140 ديناراً ليبياً (نحو 30 دولاراً أمريكياً) وكنت لا أملك المبلغ فاضطررت لرهن هاتفي حتى أنقذ حياة أختي.

ووجه "جاتوه" مناشدة لوزارة الصحة والمركز الوطني لمكافحة الأمراض وكل الجهات ذات العلاقة، للنظر إلى هذه المناطق التي تحمل الطابع الصحراوي، وتكون على الأغلب موطناً لمثل هذه العقارب والزواحف بالاهتمام والنظر في هذا الموضوع المهم وتوفير الأمصال التي تحمي أرواح الناس في هذه المناطق من هذه الحشرة القاتلة التي لا ترى ضحاياها.

نقص الأمصال والمعدات الطبية

بدوره، قال مدير المركز الصحي بمنطقة بريك، عبد السلام الطاهر، في تصريحات لـ"جسور بوست": “المركز يعاني من نقص في الأدوية والمعدات الطبية والأطباء مما سبب إرباكاً في عملية تحسين الرعاية الصحية”، مشيراً إلى أن المركز ليس لديه عهدة مالية لأنه يتبع إدارة الخدمات الصحية، وهذا له تأثير سلبي على خدمات المركز.

وأضاف الطاهر أن أبرز التحديات التي تواجههم في الحصول على الأمصال تغيير طريق جلبها من الإمداد الطبي إلى المركز الوطني لمكافحة الأمراض، ما سبب ربكة في توفر مصل العقرب بوقته المحدد، بالإضافة لغياب العهد المالية التي تتيح التعاقد مع الأطباء وهو أحد أسباب نقص الأطباء، وفي ما يخص تعيين الكوادر الطبية فهذا حق أصيل لإدارة الخدمات الصحية باعتبارنا نتبعه، فالمركز ليس له أي ذمة مالية ولا يمكنه التواصل مباشرة مع الحكومة إلا عن طريق الإدارة، وبالنسبة للجانب الأمني بالمنطقة فالجنوب يتمتع بالأمن والأمان وليس هناك أي خروقات أمنية تعيق تقديم الخدمات الصحية لأهالي المنطقة، ولكن هناك صعوبات لوجستية لإيصال الإمدادات الطبية مثل سيارات الإسعاف وعدم توفر والوقود وغياب السيارات المجهزة لنقل الأدوية إلى المراكز الصحية، إضافة لانقطاع التيار الكهربائي من فترة إلى أخرى وعدم توفر مولد كهربائي، ما يحول دون حفظ الأدوية والأمصال الطبية.

وتابع أنه منذ 4 سنوات لم يتم التعامل مع منظمات إنسانية ومراكز صحية، كما لا يوجد أي دور لمنظمات المجتمع المدني، وليست هناك أي خطوات محلية لتحسين الخدمات الصحية بالمنطقة، وكان هناك في السابق دورات تدريبية للرفع من مهارات الكوادر الطبية والطبية المساعدة بالتعاون مع عدد من المنظمات الإنسانية، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد لها أي دور، كما لا يوجد لدينا إحصائيات دقيقة نظراً لوقوع المركز في وادي طوله 200 كلم، والمفترض أن تتوفر الإحصائيات بدقة لدى إدارة الخدمات الصحية لأنه يقع في نطاقها كل المراكز، ولكن في العموم توجد وفيات نتيجة لدغات العقارب بالعشرات كل شهر وأحيانا تصل للمئات.

ليس هناك مخزون من الأمصال

من جانبها، أرجعت مدير مكتب الخدمات الطبية بإدارة الخدمات الصحية بوادي الآجال الدكتورة عائشة مؤمن، أسباب نقص الأمصال الخاصة بلدغات العقارب بالمنطقة الجنوبية، إلى أن الإمداد الطبي هو من كان يمد الإدارة بهذا النوع من الأمصال، ولكن بعد إجراء الاتصالات معهم أوضحوا أن هذا الأمر أصبح من اختصاص المركز الوطني لمكافحة الأمراض، فعندما حدثت عملية تغيير المسار لاحظنا وجود نقص شديد وواضح في أمصال العقارب، ولم يكن هناك مخزون لها في أي مركز من المراكز أو وحدات الرعاية الصحية.

وأشارت الدكتورة عائشة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إلى أن الجهة الوحيدة التي قامت بتوفير كمية بسيطة من هذا المصل قرابة (80) أمبولة، هي جهاز الطوارئ والاستجابة السريعة بالحكومة الليبية، وتم توزيعها على المراكز، وهذه الكمية لا تكفي ليوم واحد، أما بالنسبة للإجراءات التي تم اتخاذها من قبلنا، وبما أننا مؤسسة حكومية تتبع للدولة، فهي توجيه مراسلات للجهات ذات الاختصاص لمدنا بهذا النوع من الأمصال وتوزيعها على المراكز المنتشرة بمنطقة وادي الآجال، وبالنسبة للإحصائيات فهي لا توجد لدينا بشكل دقيق، وسجلت حالة وفاة واحدة خلال سنة 2024 بمنطقة بنت بية.

وقالت د. عائشة مؤمن، إنه من الجانب التدريبي نعمل على التطوير من مهارات الأطقم الطبية المحلية على كيفية التعامل مع لدغات العقارب في ظل نقص المصل وهو الشيء البديل الحقن بالكورتيزون، حيث يقوم المختصين بتدريبهم والتطوير من إمكانياتهم في هذا المجال، ولكن على الرغم من الجهود التي تبذل توجد العديد من الصعوبات التي تواجهنا، حيث نعاني حالياً من نقص شديد في أمصال العقارب، مؤكدة أن الكوادر الطبية تعمل جاهدة على تقديم الإسعافات الأولية في مثل هذه الحالات وتجهيزها لتلقي باقي العلاج في مستشفى سبها الطبي باعتباره الأقرب في المنطقة ولديه إمكانيات أفضل.

وطالبت المسؤولين في الحكومتين بالغرب والشرق بسرعة توفير الأمصال للمواطنين في المنطقة الجنوبية التي تكثر فيها العقارب أكثر من الشمال، لهذا أشدد على ضرورة الاهتمام بهذا الملف وإعطائه الأولوية.

صعوبة الوصول إلى العلاج

من المشكلات الأخرى التي تواجه أهالي الجنوب الليبي هي بعد المسافات بين القرى والمناطق السكنية وبين المراكز الصحية القليلة التي تتوفر فيها الأمصال المضادة، فالكثير من العائلات تجد نفسها عاجزة عن نقل المصابين في الوقت المناسب بسبب سوء الطرق أو عدم توفر وسائل النقل، ما يؤدي إلى تفاقم الإصابات وتحولها إلى حالات حرجة، وتحدث الكثير من حالات الوفاة نتيجة التأخر في الوصول إلى العلاج اللازم، وهو أمر كان من الممكن تجنبه لو توفرت الأمصال والمرافق الصحية بالقرب من القرى النائية.

وأوضح مدير جمعية الهلال الأحمر الليبي فرع أوباري، ونائب رئيس الجمعية، أمود العربي، أن لدغ العقرب يشكل نسبة عالية من الخطورة وهي قاتلة، إن لم يتوفر لها المصل المضاد لسمومها وإجراء الإسعافات الأولية بأسرع وقت، مشيرا إلى أنه في فصل الصيف يكثر خروج العقارب في الجنوب، ولا توجد منطقة معينة يتم تحديدها، فهي تتفاوت على حسب الظروف البيئية والنظافة.

وأضاف العربي، في تصريح خاص لـ"جسور بوست"، أن تأثير سم العقارب خطير وخاصة على الأطفال وكبار السن وضعاف المناعة، مشيرا لأبرز التحديات التي تواجههم ومنها عند طلب المساعدة لإنقاذ مصاب ولا تستطيع الجمعية تقديمها لعدم توفر الإمكانيات، ولكن الذي يمكن تقديمه هو توجيهه لأقرب مركز صحي لتقديم الإسعافات الأولية، وأخذ المصل المضاد لسم العقارب في حال توفره، وجل الإصابات يتكفل بها أهل المصابين لإنقاذ حياتهم، وفي حال تحصلنا على الأمصال من أي جهة أو منظمة تساهم في رفع المعاناة عن أهل المنطقة مثل شركة (ربسون) وغيرها، فنحن بدورنا نقوم بتوزيعها على المراكز الصحية المجاورة أو تسلم لمخازن الأدوية حتى تتكفل بتوزيعها بمعرفتها على أقسام التطعيمات بالمنطقة.

وتابع: قمنا بالتنسيق لحملات توعوية في ما يخص المضادات ونقص الأمصال وكيفية التعامل مع هذه الحالات، أيضاً يقوم فريق الهلال أثناء زياراته للمدارس بالتنويه على الطلبة والتلاميذ بضرورة أخذ الحيطة والحذر أثناء تجولهم أو لعبهم أو تحركاتهم من أن يتعرضوا للدغ العقارب، وأن يكونوا على قدر كبير من الوعي بذلك للحفاظ على سلامتهم، ومن الصعوبات التي تواجهنا باعتبارنا في مناطق نائية عدم وجود سيارات صحراوية ذات الدفع الرباعي، وتبقى في حرج ولا تستطيع الدخول للمنطقة فالناس تنتظر منك إحضار إمكانيات تساعدهم وأنت لا تملكها وهذه صعوبة في حد ذاتها.

وأضاف العربي: دورنا هو تقديم المساعدة ولسنا متخصصين في الأمور الفنية واللوجستية فهي من تخصص وزارة الصحة، وللأسف ليس لدينا خطة طويلة الأجل لأن هذه الأمور تتركز على عدة عوامل غير موجودة، وتقع المسؤولية على وزارة الصحة والإصحاح البيئي والبلديات، والمطلوب منهم في فترة الصيف التركيز على نظافة المكان وتوفير الأدوية التي تقضي على هذه الحشرات على رأسها العقارب.

إهمال ممنهج ومطالبات بالمحاسبة

من جهته، قال الناشط الحقوقي، طارق لملوم، إن حوادث لدغ العقارب متكررة بسبب نقص الأمصال خاصة في مناطق الجنوب، وهي ليست حالة فردية ولا نتحدث عن حالة حدثت في أوقات معينة، وكان هناك نظام سارٍ في البلد وجيد، ولكن في ما بعد حدث نقص في الأمصال، وبات الموضوع ممنهجا في إهمال هذا الأمر، ولا يوجد أي تركيز حقيقي على مدى خطورة هذه المسالة خصوصاً في رعاية أطفال الجنوب بليبيا، وبصفة عامة لو تحدثنا عن الجانب الصحي للمستوصفات في الجنوب الليبي بصفة عامة لا يمكن أن يقال عنها إنها وصلت للحد الأدنى.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن خير دليل على وجود أزمة حقيقية ما حدث بعد الأحداث الأخيرة في السودان ونزوح أعداد كبيرة إلى مدينة الكفرة، حيث صُدم الجميع من الواقع المرير الذي شهده الكل في البنية التحتية بالجنوب، وخصوصاً الكفرة، وهذا الأمر ينطبق على بقية المدن، مشيرا إلى أن بعض الحالات التي تحتاج للعلاج تنقل بالإسعاف الطائر وهذا لمن يحالفه الحظ، أو يتحصل على سيارة إسعاف، هنا نتحدث عن حالات مرضية في القلب والكلى وحالات لو تأخر العلاج والكشف عنها قد تؤدي للوفاة.

وأردف لملوم: هناك تقصير حكومي واضح، وهناك تكتم على بعض الأزمات عندما تحدث ويتم إرسال دفعات من الدواء عن طريق الإمداد الطبي ويقول نحن قد وفرنا دواء وهذا غير كافٍ، ونعتقد أن حق الصحة ملزم وواجب على الدولة، وفي حال كان شبهات تقصير وليس تقصيرا كاملا، فيجب إقالة المسؤولين عن ذلك التقصير ومحاسبتهم، ونعتقد أن ما ينقص الآن هو ليس إرسال شحنات من الأمصال للعلاج فقط، وإنما الأمر يتطلب معرفة الأسباب وراء النقص، ولماذا هؤلاء الأطفال يكونون عرضة للدغ العقارب.

وتابع: "تجب دراسة الحلول وإبعاد الأطفال عن مثل هذه المواقف، وعمل بحث حقيقي عن طبيعة السكن الذي يسكنه هؤلاء الناس بطريقة عشوائية، وتوفير مساحات آمنة خضراء مثل التي قامت بها (اليونيسف) في بعض المناطق، لأنه في الغالب كانت إصابات الأطفال عند اللعب في الرمال والأماكن العشوائية المتفرقة الخطرة، وهذا من خلال توثيقنا للحالات، وتدريب العاملين في القطاع الصحي على كيفية التعامل مع الحالات الحرجة، كما ينبغي تحسين البنية التحتية الصحية من خلال بناء مراكز صحية إضافية وتجهيزها بالمعدات الضرورية، لا سيما في المناطق النائية التي تفتقر إلى أي نوع من الخدمات الصحية".

وأضاف لملوم: يجب أن تترافق هذه الجهود مع حملات توعية مجتمعية تُعلم السكان كيفية الوقاية من لدغات العقارب والإجراءات الفورية التي يجب اتخاذها عند التعرض لها، هذه الحملات يمكن أن تُنظم بالتعاون مع السلطات المحلية والمنظمات الدولية لتصل إلى أكبر عدد ممكن من السكان.

الاستجابة الحكومية والجهود المحلية

على الرغم من تزايد حالات لدغ العقارب في الجنوب الليبي خلال السنوات الماضية، فإن الاستجابة الحكومية ظلت محدودة ولم ترقَ إلى مستوى الأزمة، ولم تتمكن السلطات الصحية من توفير الأمصال بشكل كافٍ، كما أن حملات التوعية بشأن كيفية الوقاية من لدغات العقارب والتعامل معها لم تكن كافية، السكان المحليون يشعرون بالإحباط نتيجة إهمال مناطقهم وتهميشها، ويطالبون بحلول عاجلة لإنقاذ حياتهم وحياة أطفالهم من خطر العقارب.

وقال عضو لجنة الأزمة بوزارة الصحة بالحكومة الليبية، إسماعيل عيضة، إن الجنوب الغربي حدث به نقص نتيجة الاستهلاك، خاصة بعد التغير المناخي الذي تعرض له نتيجة سقوط الأمطار والتقلبات الجوية التي شهدتها المنطقة، ما أدى إلى خروج أعداد كبيرة من العقارب خاصة بعد وجود كميات كبيرة من مياه الأمطار في فترة الصيف، وبالتالي تسببت هذه العقارب في إصابة الكثيرين وخاصة الأطفال، نافياً تسجيل أي حالة وفاة بداية من شهر إبريل وعلى طول فصل الصيف وحتى الآن نظراً لنقص المصل في أي مدينة بالجنوب الغربي، برغم النقص الحاصل في الأمصال.

وأضاف عيضة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن اللجنة تتابع المستشفيات والمراكز الصحية الواقعة بالجنوب الغربي على الرغم من خروج بعضها عن الخدمة نتيجة التغيرات المناخية التي حدثت، ومتابعة الوضع الصحي والتنسيق على توفير أمصال العقارب وتوزيعها داخل المرافق الصحية، لأن هناك بعض المناطق لم تتضرر والبعض الآخر تضرر وحدث نزوح لسكانها مثل مدينة غات وتهالا، وتم توفير الأمصال للجنوب الشرقي والغربي على حد سواء غير أن الأخير كان أكثر كثافة سكانية والمنطقة تعج بهم وكانت فترة الصيف فترة صعبة جداً.        

وحاول "جسور بوست" الحصول على تعليق من المركز الوطني لمكافحة الأمراض باعتباره المسؤول عن توفير هذا النوع من الأمصال، لكنه لم يرد على استفساراتنا.

جهود منظمة الصحة العالمية

عملت منظمة الصحة العالمية على توفير المصل المضاد للسموم لإنقاذ أرواح أهالي الجنوب الليبي، الذين يعانون من انتشار العقارب خاصة خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة، ووزعت المنظمة خلال العام الجاري 2024 نحو 4000 جرعة من المصل المضاد على أغلب المناطق المتضررة، مع التركيز على المناطق الجنوبية التي تكثر فيها حالات التسمم. 

وكشفت “الصحة العالمية”، في تقرير نشرته عبر موقعها الرسمي، في نوفمبر الجاري، عن أن تكلفة الأمصال واللقاحات التي جرى تقديمها لدولة ليبيا، بلغت نحو 1.7 مليون دولار لتغطية احتياجات المواطنين الليبيين.

وأشارت المنظمة إلى أن المساعدات شملت أمصالاً وتطعيمات مضادة للدغ العقارب، وعضات الثعابين، بالإضافة إلى التطعيمات ضد الدفتيريا والإنفلونزا والتهاب الكبد من النمط (B)، حيث تغطي هذه اللقاحات ما يقارب 100 ألف طفل وبالغ، بمن فيهم القاطنون من جنسيات أخرى في ليبيا. 

وأكد ممثل منظمة الصحة العالمية في ليبيا، الدكتور سيد حسين جعفر، أن هذه الجهود أسهمت في تجنب العديد من الوفيات هذا العام، مشيرًا إلى أن مئات الأشخاص تعرضوا للدغات خلال الأعوام الماضية، ما أسفر عن فقدان العديد من الأرواح بسبب نقص الترياق المناسب.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية