«الإيكونوميست»: الهجرة والكوارث الطبيعية تُفاقمان أزمة الإسكان في أمريكا
«الإيكونوميست»: الهجرة والكوارث الطبيعية تُفاقمان أزمة الإسكان في أمريكا
تسببت الزيادة الملحوظة في معدلات الهجرة وتأثير الكوارث الطبيعية المُتزايدة، في ارتفاع حاد وغير مسبوق في معدلات التشرد في الولايات المتحدة بحسب مجلة “الإيكونوميست”.
ونشرت المجلة أمس الثلاثاء، تقريرا اعتمد على إحصاء سنوي دقيق يُجريه مُتطوعون مُنتشرون في جميع أنحاء البلاد، في مُحاولة شاملة لحصر أعداد المشردين، ورغم الاعتراف بوجود تحديات لوجستية في الوصول إلى جميع الحالات، خاصةً أولئك الذين يعيشون في أماكن نائية أو مُختبئة، إلا أن هذا الإحصاء يُعتبر “الصورة الأكثر اكتمالًا للتشرد في أمريكا اليوم”. بحسب “الإيكونوميست”.
زيادة كبيرة في أعداد المُشردين
وأشارت نتائج إحصاء 2024 الصادرة في 27 ديسمبر الماضي، بوضوح إلى تفاقم الأزمة ووصولها إلى مستويات قياسية.
سجلت الإحصائيات زيادة كبيرة في عدد المُشردين بنسبة 18% بين عامي 2023 و2024، ليصل إجمالي العدد إلى حوالي 771 ألف شخص، ليُعادل هذا الرقم تقريبًا عدد سكان ولاية نورث داكوتا بأكملها، ما يُعطي تصورًا عن حجم المُشكلة.
وكشفت البيانات عن أن غالبية الزيادة سُجلت بين الأشخاص الذين يعيشون في الملاجئ المُخصصة للإيواء المؤقت، والتي تشمل أماكن مثل غرف الفنادق المُخصصة لهذا الغرض أو الأماكن التي تُوفر أسرّة مُؤقتة في صفوف مُنظمة.
وفي المقابل، يُفضل البعض النوم في العراء، كما هو شائع في الساحل الغربي للولايات المتحدة وفي بعض الولايات الجنوبية، يُعد الارتفاع المُقلق بنسبة 39% في تشرد الأُسر مُؤشرًا خطيرًا، حيث يُؤكد التقرير على أن أزمة الإسكان تفاقمت بشكل ملحوظ بسبب عاملين رئيسيين: التدفق الكبير لأعداد المُهاجرين، والكوارث الطبيعية المُتزايدة التي أدت إلى تدمير المنازل وتهجير السكان من مناطقهم.
نقص حاد في المساكن
وأظهرت التقديرات والتحليلات التي أجرتها شركة "موديز أناليتيكس" الاستشارية وجود نقص حاد يُقدر بحوالي 2.9 مليون وحدة سكنية مُيسرة في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الإيجارات وأسعار تملك المنازل، ما يُصعب على الكثيرين، خاصةً ذوي الدخل المحدود، الحصول على مسكن مُناسب.
تُعتبر الولايات التي تشهد مُعدلات تشرد مُرتفعة باستمرار، مثل كاليفورنيا ونيويورك وهاواي وماساتشوستس، من بين الولايات التي تُسجل أعلى أسعار للإسكان في البلاد، ما يُؤكد العلاقة الوثيقة بين ارتفاع تكاليف السكن وزيادة مُعدلات التشرد.
يُساهم هذا الوضع المُتردي في دفع المزيد من الأشخاص إلى دائرة التشرد، خاصةً مع انتهاء برامج المُساعدة الطارئة التي أُطلقت خلال فترة جائحة كوفيد-19، والتي كانت تُقدم دعمًا ماليًا للإيجار وتمنع عمليات الإخلاء.
تأثير تدفق المُهاجرين
أدى التدفق الكبير للمُهاجرين إلى المُدن الأمريكية، وخاصةً أولئك الذين تم نقلهم من الحدود الجنوبية في إجراءات أثارت جدلًا واسعًا، إلى زيادة الضغط بشكل كبير على أنظمة الإيواء المُثقلة بالأعباء بالفعل.
واستقبلت مُدن رئيسية مثل شيكاغو ودنفر ومدينة نيويورك أعدادًا كبيرة من المُهاجرين، ما أدى إلى اكتظاظ الملاجئ المُخصصة للإيواء المؤقت وزيادة أعداد المشردين الذين يضطرون للعيش في الشوارع أو أماكن غير مُناسبة.
تُرجع مدينة نيويورك نحو 88% من الزيادة في التشرد لديها بشكل مُباشر إلى إيواء طالبي اللجوء في ملاجئ المدينة، ما يُوضح حجم التأثير الذي يُحدثه تدفق المُهاجرين على هذه الأنظمة.
يُوضح هذا الوضع المُعقد كيف يُمكن أن يُسهم تدفق المُهاجرين في تفاقم أزمة التشرد بشكل كبير، خاصةً في ظل النقص الحاد في المساكن المُتاحة وعدم كفاية الدعم المُقدم.
الكوارث الطبيعية
تُعتبر الكوارث الطبيعية، مثل حرائق الغابات والأعاصير والفيضانات، عاملًا مُهمًا آخر يُسهم بشكل كبير في تفاقم أزمة التشرد، ويُعد حريق لاهاينا المُدمر في هاواي في أغسطس 2023 مثالًا واضحًا ومُؤلمًا على ذلك، حيث أدى إلى تدمير شامل للمنازل وتهجير السكان من مناطقهم.
يُؤدي تدمير المنازل بسبب الكوارث الطبيعية إلى زيادة مُفاجئة في الطلب على المساكن المُتاحة، ما يُسهم بدوره في ارتفاع الأسعار ويُصعب على المُتضررين العثور على مأوى بديل.
يُشبه هذا الوضع المأساوي ما حدث في تشيكو بولاية كاليفورنيا بعد حريق بلدة بارادايس عام 2018، ما يُؤكد أن هذه الكوارث تُفاقم أزمة الإسكان والتشرد بشكل كبير وتُزيد من تعقيدها.
حلول مُستدامة لمواجهة الأزمة
يُشير التقرير إلى بعض النقاط الإيجابية، رغم الصورة القاتمة مثل الانخفاض الملحوظ في عدد المُحاربين القُدامى المُشردين بفضل التعاون المُثمر بين المُدن ووزارة شؤون المُحاربين القُدامى الفيدرالية.
يُمكن الاستفادة من مثال هذا التعاون الناجح في التعامل مع فئات أخرى من المُشردين وتطبيقه على نطاق أوسع، ومع ذلك، يظل التعامل الشامل والفعّال مع أزمة الإسكان وتأثير الهجرة والكوارث الطبيعية تحديًا كبيرًا يتطلب حلولًا شاملة ومُستدامة على المدى الطويل.
ويُؤكد التقرير بشكل قاطع ضرورة مُعالجة النقص الحاد في المساكن المُيسرة وتوفير الدعم اللازم للمُتضررين من الكوارث والمُهاجرين، من أجل الحد من تفاقم أزمة التشرد المُستمرة وإيجاد حلول جذرية لها.