«فايننشيال تايمز»: بولندا تُعيد النظر في إعادة توطين المُرحّلين بالحقبة السوفيتية

خوفًا من النفوذ الروسي

«فايننشيال تايمز»: بولندا تُعيد النظر في إعادة توطين المُرحّلين بالحقبة السوفيتية
دولة بولندا- أرشيف

أعلنت بولندا عن احتمال إيقاف برنامج إعادة توطين أقارب البولنديين الذين تم ترحيلهم إلى الاتحاد السوفيتي في الأربعينيات، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، اليوم الخميس.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن القرار يأتي في سياق مراجعة شاملة أطلقتها الحكومة البولندية لتقييم المخاطر الأمنية المرتبطة باستمرار البرنامج، الذي أُطلق عام 2000 بهدف تصحيح آثار الترحيل الجماعي الذي نظمته السلطات السوفيتية بعد احتلال بولندا بالتعاون مع ألمانيا النازية عام 1939.

وأكد نائب وزير الهجرة البولندي، ماشي دودشيتشيك، أن البرنامج التاريخي الذي أتاح لآلاف المرحّلين وأحفادهم الحصول على الجنسية البولندية يخضع الآن للتدقيق، قائلا: "لقد أوفينا بالتزامنا الأخلاقي تجاه الأجيال السابقة، ولكن يجب أن نضمن أن هذا البرنامج لا يشكل ثغرة أمنية".

أجيال من المعاناة

وثّقت بولندا واحدة من أكثر الفصول مأساوية في تاريخها الحديث عندما نظم الاتحاد السوفيتي جولات متتالية من الترحيل القسري للبولنديين إلى مناطق نائية مثل سيبيريا.

وشهدت تلك الفترة وفاة الآلاف نتيجة الظروف القاسية في معسكرات العمل، ,في المقابل، عاد جزء من الناجين إلى بولندا بجهودهم الذاتية، ولكن بقي آخرون في الشتات.

ومنذ عام 2020، تلقت السلطات البولندية 17 ألف طلب إعادة توطين، منها 7500 طلب قيد المراجعة حاليًا.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص مؤهلون للتقدم بهذا الطلب، معظمهم يعيش في كازاخستان والبعض الآخر في روسيا، وأوضح دودشيتشيك أن البرنامج قد يُغلق خلال العامين المقبلين إذا استمرت المخاوف الأمنية الحالية.

مخاوف أمنية وجذور بولندية

أثارت الحكومة البولندية مخاوف من احتمال استغلال البرنامج من قِبَل أفراد قد يشكلون تهديدًا أمنيًا، وقال دودشيتشيك: "علينا أن نتجنب وضعًا يُمنح فيه شخص يحمل الجنسية الروسية جواز سفر بولنديًا بناءً على صلة بعيدة بجدته البولندية دون التأكد من نواياه".

اشترط البرنامج أن يكون للمتقدم على الأقل أحد الوالدين أو الأجداد البولنديين، أو جدّان بولنديان من جهة الأب أو الأم، مع تقديم وثائق تُثبت الصلة، لكن العديد من المتقدمين الجدد لا يتحدثون اللغة البولندية وولدوا بعد فترة طويلة من ترحيل أقاربهم، مما جعل الحكومة تعيد تقييم قوة الروابط بينهم وبين بولندا.

وقال دودشيتشيك: "إذا كان المتقدمون من الجيل الرابع، فإن جذورهم مع بولندا ليست قوية كما هي الحال مع الجيل الأول".

تصاعد التوترات مع روسيا

اتخذت بولندا موقفًا صارمًا ضد روسيا في الأشهر الأخيرة، حيث صعّد رئيس الوزراء دونالد تاسك من الإجراءات ضد ما وصفه بالتهديدات الروسية، شملت هذه الإجراءات اتهامات بالتجسس، وهجمات إلكترونية، وأعمالا تخريبية مثل الحريق الذي شب في أكبر مركز تجاري في وارسو في مايو الماضي.

وفي أكتوبر 2024، أمر وزير الخارجية البولندي، رادوسواف سيكورسكي، بإغلاق القنصلية الروسية في مدينة بوزنان، كما حذر دبلوماسيين روس آخرين من مواجهة الطرد إذا استمر تورطهم في "الحرب الهجينة ضد بولندا".

الهجرة غير الشرعية وتداعياتها

رأت الحكومة البولندية أن الهجرة غير الشرعية تمثل تهديدًا إضافيًا، حيث اتهمت موسكو وحليفتها بيلاروسيا بتسهيل عبور المهاجرين عبر الحدود منذ عام 2021، تزامن ذلك مع تشديد القوانين المتعلقة بتأشيرات الطلاب وبرنامج "بطاقة البولندي"، الذي صُمم لمنح الإقامة للأجانب من أصول بولندية.

وشمل هذا البرنامج في الغالب مواطنين من بيلاروسيا وأوكرانيا الذين تعود جذورهم إلى شرق بولندا قبل الحرب العالمية الثانية، وهو الإقليم الذي فقدته بولندا لصالح الاتحاد السوفيتي بعد الحرب.

وتوقع دودشيتشيك أن يؤدي قرار إغلاق البرنامج إلى اندفاع المتقدمين في اللحظة الأخيرة، لكنه أشار إلى أن ذلك سيساعد الحكومة على تحديد العدد الحقيقي للأشخاص المهتمين بإعادة التوطين بدلاً من الاعتماد على التقديرات.

وقال: "إذا تقدم 50 ألف شخص بطلبات فعلية فسيكون ذلك دليلًا واضحًا على الحاجة إلى البرنامج".

ويبقى القرار النهائي بشأن مستقبل البرنامج قيد النقاش، حيث تتأرجح الحكومة بين التزاماتها الأخلاقية والأمن القومي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية