«فايننشيال تايمز»: خطط إندونيسيا للطاقة المتجددة تتطلب إصلاحات جذرية
التخلي عن الفحم في 15 عامًا
تواجه إندونيسيا صعوبة كبيرة في تحقيق خطتها الطموح لإيقاف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم خلال 15 عامًا، حيث حذّر الخبراء من أنها لن تستطيع ذلك دون إجراء إصلاحات سياسية جذرية وزيادة كبيرة في الاستثمارات بالبنية التحتية للطاقة المتجددة
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" أمس الثلاثاء، تعهد الرئيس الإندونيسي، برابوو سوبيانتو، بالتخلص التدريجي من محطات الفحم وإنشاء أكثر من 75 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2040، وأكد في نوفمبر، أن إندونيسيا ستحقق صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، أي قبل عشر سنوات من الهدف الذي حدده سلفه، جوكو ويدودو.
يقول الخبراء إن أهداف برابوو طموحة للغاية بالنسبة لدولة تعتمد على الفحم في توليد حوالي 66% من كهربائها، وتواصل بناء محطات جديدة تعمل بالفحم، مع سجل ضعيف في تحقيق أهدافها المناخية.
وتعتمد إندونيسيا أيضًا على محطات الفحم الرخيصة لتشغيل قطاع معالجة النيكل، وهو عامل اقتصادي حيوي وركيزة أساسية في سلسلة التوريد العالمية للفولاذ المقاوم للصدأ والمركبات الكهربائية.
وأكدت وكالة الطاقة الدولية وخبراء آخرون في مجال الطاقة لصحيفة فايننشال تايمز أن إندونيسيا بحاجة إلى تغييرات شاملة في النظام، بما في ذلك إلغاء السياسات التي تفضل الوقود الأحفوري، وإعطاء الأولوية لبناء بنية تحتية للطاقة النظيفة، بما في ذلك شبكات النقل، وتقليل اعتماد الصناعات الاستراتيجية على الفحم.
في عام 2022، أطلق قطاع الطاقة في إندونيسيا نحو 650 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، مما يجعلها سابع أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة من وكالة الطاقة الدولية.
تحديات تقنية ومالية
يقول المدير التنفيذي لمعهد إصلاح الخدمات الأساسية، فابي توميو: "إن تحقيق هذه الأهداف ممكن من الناحية التقنية والمالية.. ولكن المفتاح يكمن في إجراء العديد من الإصلاحات اللازمة."
قدّر توميو أن إندونيسيا بحاجة إلى استثمارات لا تقل عن 1.2 تريليون دولار بين الآن وعام 2050 لتطوير الطاقة النظيفة وشبكات التخزين والنقل، إضافة إلى حوالي 28 مليار دولار كتكاليف للتقاعد المبكر لمحطات الفحم.
وتشير بيانات الحكومة إلى أن إجمالي الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في إندونيسيا بلغ 1.5 مليار دولار في عام 2023.
ولتنفيذ خطة برابوو لوقف استخدام الفحم خلال 15 عامًا، يجب على إندونيسيا بناء 8 جيجاوات من الطاقة المتجددة سنويًا، مع إيقاف 3 جيجاوات من الفحم سنويًا حتى عام 2040، ولكن وفقًا لمعهد أبحاث الطاقة "إمبر"، أضافت البلاد 3.3 جيجاوات فقط من الطاقة المتجددة بين عامي 2018 و2023.
ساهمت الطاقة النظيفة بنسبة 13% فقط من إجمالي الطاقة في إندونيسيا عام 2023، مقارنة بـ40% للفحم، وفقًا لوزارة الطاقة، ورغم أن جاكرتا حددت هدفًا للطاقة المتجددة بنسبة 23% بحلول عام 2025، يرى المحللون أنه من غير المرجح تحقيق هذا الهدف بالمعدلات الحالية.
عقبات الاستثمار
من أكبر العقبات التي تواجه الطاقة المتجددة في إندونيسيا، أنها تفرض سقفًا سعريًا على الفحم المستخدم في محطات الكهرباء، مما يجعله أرخص بكثير من البدائل.
كما يُلزم منتجو الطاقة المتجددة ببيع الكهرباء للشركة الوطنية لتوزيع الكهرباء بأسعار تجعل الاستثمارات في الطاقة النظيفة غير مربحة، إضافة إلى ذلك، تفرض إندونيسيا قيودًا على الملكية والمشتريات ومتطلبات المحتوى المحلي للمشاريع المتجددة.
ودعت وكالة الطاقة الدولية إندونيسيا إلى إلغاء دعم الوقود الأحفوري، بما في ذلك وضع حد أقصى لأسعار الفحم، لتسريع تطوير الطاقة المتجددة.
وفي قمة عُقدت في نوفمبر، قالت المديرة العامة للطاقة الجديدة والمتجددة والمحافظة على الطاقة في وزارة الطاقة، إينيا ليستياني ديوي، إن الحكومة ستتخذ خطوات لتسهيل استثمارات القطاع الخاص في قطاع الطاقة المتجددة في إندونيسيا، لكنها أضافت أن تحقيق أهداف برابوو يمثل "تحديًا كبيرًا".
التمويل الخارجي
في عام 2022، وافقت مجموعة من الدول المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة واليابان على تقديم نحو 22 مليار دولار لمساعدة إندونيسيا في الانتقال من الفحم، في ما كان يُعتبر حينها أكبر صفقة من نوعها، لكن تم صرف جزء بسيط فقط من هذه الأموال.
وتحتاج إندونيسيا إلى استثمارات هائلة في خطوط النقل عبر جزرها العديدة وتخزين الطاقة لضمان توفير طاقة نظيفة، بعض موارد الطاقة الخضراء غير المستغلة، مثل الطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية، تُنتج بشكل أفضل في مناطق بعيدة عن جزيرة جاوة، التي تضم 55% من السكان.
واستمر إنتاج الفحم في التوسع، حيث تضاعف منذ توقيع إندونيسيا على اتفاقية باريس للمناخ، وهي معاهدة دولية بارزة لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة العالمية، بلغ إنتاج الفحم في إندونيسيا رقمًا قياسيًا قدره 831 مليون طن في عام 2024، وفقًا لبيانات الحكومة.
يُعزى ذلك جزئيًا إلى النمو الكبير في معالجة المعادن، خصوصًا النيكل، الذي تمتلك إندونيسيا أكبر احتياطياته في العالم، ومنذ عام 2020، منعت جاكرتا تصدير خام النيكل، مما أجبر الشركات على الاستثمار في المعالجة المحلية.
كما استثنت الحكومة الصناعات الاستراتيجية، بما في ذلك المعادن، من حظر إنشاء محطات فحم جديدة.
ضعف الالتزام
قالت وكالة التصنيف "فيتش" في تقرير حديث إن "سجل إندونيسيا في متابعة التزاماتها السابقة بشأن الانتقال الطاقوي كان ضعيفًا في بعض المجالات".
وأضافت أن أهداف سياسات برابوو "ستواجه تحديات كبيرة في التنفيذ" وقد تزيد من مخاطر أمن الطاقة في البلاد.