اليوم الدولي للمرأة 2025.. أين يقف العالم بعد ثلاثين عاماً على إعلان بكين؟
يحتفل به 8 مارس من كل عام
يحيي العالم في 8 مارس من كل عام اليوم الدولي للمرأة، مناسبة عالمية تُخصص للاحتفاء بإنجازات النساء في مختلف المجالات وتسليط الضوء على التحديات المستمرة التي تعوق تحقيق المساواة بين الجنسين، وفي عام 2025، يكتسب هذا اليوم أهمية خاصة، إذ يصادف الذكرى الثلاثين لاعتماد إعلان ومنهاج عمل بكين، الذي يُعدّ واحدًا من أهم الوثائق التاريخية التي أرست أسس النهوض بحقوق المرأة على مستوى العالم.
يأتي احتفال هذا العام تحت شعار "الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات"، حيث يدعو موضوع هذا العام إلى اتخاذ إجراءات يمكن أن تطلق العنان للحقوق المتساوية والسلطة والفرص للجميع ومستقبل نسوي لا تترك فيه امرأة خلف الركب.
كما تتبنى الحملة العالمية لهذا اليوم موضوع "تسريع العمل"، الذي يؤكد الحاجة إلى مضاعفة الجهود لسد الفجوة بين الجنسين، خاصة مع التقديرات التي تشير إلى أن تحقيق التكافؤ الكامل قد يستغرق حتى عام 2158، إذا استمرت وتيرة التقدم الحالية.
تاريخ الاحتفال باليوم الدولي للمرأة
بدأ العالم بالاحتفال باليوم الدولي للمرأة في أوائل القرن العشرين، عندما خرجت مظاهرات نسائية في أوروبا وأمريكا للمطالبة بتحسين أوضاع العمل، والمساواة في الأجور، ومنح المرأة حق التصويت، وفي عام 1910، اقترحت الناشطة الألمانية كلارا زيتكن تخصيص يوم عالمي للمرأة، خلال المؤتمر الدولي الثاني للنساء الاشتراكيات في كوبنهاغن.
شهد عام 1911 أول احتفال واسع النطاق باليوم الدولي للمرأة في كل من ألمانيا والنمسا والدنمارك وسويسرا، حيث شارك أكثر من مليون شخص في مسيرات تدعو إلى تحقيق المساواة. منذ ذلك الحين، أخذت الاحتفالات تتوسع عالميًا، إلى أن أعلنت الأمم المتحدة عام 1975 سنة دولية للمرأة، ثم اعتمدت 8 مارس يومًا دوليًا رسميًا لها في عام 1977.
إعلان بكين
شهد عام 1995 حدثًا محوريًا في تاريخ النضال النسوي، حيث اجتمع ممثلون عن 189 دولة في العاصمة الصينية بكين، لاعتماد إعلان ومنهاج عمل بكين خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة.
وضع هذا الإعلان خريطة طريق شاملة تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في 12 مجالًا رئيسيًا، شملت التعليم، والصحة، والمشاركة السياسية، والاقتصاد، وحقوق المرأة في الأزمات والصراعات.
اعتُبر الإعلان نقلة نوعية في مجال حقوق المرأة، حيث أكد بوضوح أن "حقوق المرأة هي حقوق إنسان"، وهو المبدأ الذي أصبح حجر الأساس للعديد من السياسات والمبادرات العالمية منذ ذلك الحين.
إنجازات بارزة وتحديات كبيرة
حققت النساء في العقود الثلاثة الماضية تقدمًا ملحوظًا في مجالات عدة، حيث ارتفعت معدلات التحاق الفتيات بالتعليم، وزاد تمثيل المرأة في المناصب القيادية والسياسية، كما تعزز دورها في سوق العمل، مع ذلك، ما زالت الفجوات قائمة، وما زال ملايين النساء يواجهن أشكالًا متعددة من التمييز والعنف.
تقارير صادمة
تكشف التقارير الأممية عن أرقام صادمة، حيث تُقتل امرأة كل عشر دقائق على يد شريكها أو أحد أفراد أسرتها، بينما تعيش 612 مليون امرأة وفتاة في مناطق تشهد صراعات مسلحة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تُظهر الإحصاءات أن أقل من ثلثي النساء يشاركن في سوق العمل عالميًا، وغالبًا ما يحصلن على أجور أقل من الرجال بنسبة تصل إلى 20% في بعض الدول، وبهذا المعدل، يستغرق القضاء على الفقر المدقع للنساء والفتيات 130 عامًا.
التقنيات الحديثة وتعزيز حقوق المرأة
تستخدم النساء التقنيات الرقمية لتعزيز أصواتهن والمطالبة بحقوقهن، حيث أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة واسعة للناشطات لمشاركة قضايا المرأة على نطاق عالمي، مع ذلك، يُشكل الفضاء الرقمي تهديدًا متزايدًا، إذ تتعرض النساء لحملات تنمّر إلكتروني، واستهداف مباشر من قبل جهات معادية للمساواة.
العنف الرقمي
تؤكد الأمم المتحدة أن العنف الرقمي ضد النساء أصبح مشكلة متنامية، حيث يتم استغلال الأدوات الرقمية لنشر خطاب الكراهية، والتشهير، وإسكات أصوات الناشطات، تحذر التقارير من أن هذا النوع من العنف الإلكتروني يمكن أن يؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية خطرة، بل قد يمتد إلى عنف جسدي في بعض الحالات.
حماية حقوق المرأة
خلال الاحتفال الرسمي باليوم الدولي للمرأة في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا العام، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة أكد فيها ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة التحديات التي تعوق تقدم المرأة.
قال غوتيريش: "نجتمع اليوم ليس فقط للاحتفال، بل للمضي قدمًا صامدين، متحدين، وثابتين في سعينا لتحقيق المساواة والتنمية والسلام لجميع النساء في كل مكان"، وأشار إلى أن التقدم المحرز في حقوق المرأة ما يزال هشًا، ويواجه أخطار التراجع بسبب الأزمات العالمية المتعددة.
من جانبها، دعت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة سيما بحوث إلى تعزيز الحماية القانونية للنساء، وزيادة تمثيلهن في مراكز صنع القرار، مؤكدة أن "تحقيق المساواة بين الجنسين ليس فقط حقًا أساسيًا، بل هو الحل الأمثل لبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا".
المرحلة المقبلة
يشدد الخبراء على أن المساواة بين الجنسين لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة، وتدعو الأمم المتحدة إلى تبني إجراءات ملموسة وسريعة لضمان تمكين النساء في جميع المجالات، بما في ذلك توفير التعليم الجيد، وتعزيز الحقوق الاقتصادية، وحماية النساء من العنف، وضمان وصولهن إلى العدالة.
تؤكد الدراسات أن الاستثمار في المرأة يعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد والمجتمع ككل، حيث تُشير التقديرات إلى أن تحقيق المساواة الكاملة في سوق العمل يمكن أن يضيف 28 تريليون دولار إلى الناتج العالمي بحلول عام 2025.
مستقبل أكثر عدلًا للنساء
يمثل اليوم الدولي للمرأة 2025 لحظة فارقة لتقييم ما تحقق منذ اعتماد إعلان بيجين قبل ثلاثة عقود، وما يزال مطلوبًا لضمان تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.
تدعو الأمم المتحدة قادة العالم إلى الالتزام بتعهداتهم، واتخاذ خطوات حقيقية لتسريع تنفيذ السياسات الداعمة لحقوق المرأة، ويظل تحقيق المساواة مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود بين الحكومات، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.
في النهاية، لا يقتصر اليوم الدولي للمرأة على الاحتفال بالإنجازات، بل يمثل أيضًا دعوة للعمل الجاد والمستمر لضمان أن تحصل كل امرأة وفتاة على حقوقها الكاملة، لأن مستقبل العالم يعتمد على ذلك.