«إيران إنترناشيونال»: النساء الإيرانيات يكسرن حاجز الصمت عبر الفضاء الرقمي

«إيران إنترناشيونال»: النساء الإيرانيات يكسرن حاجز الصمت عبر الفضاء الرقمي
النساء الإيرانيات يكسرن حاجز الصمت - أرشيف

التزمت النساء في إيران لأعوام طويلة، الصمت تحت وطأة القيود الاجتماعية والقوانين الصارمة التي ضيقت على حرياتهن، مانعةً إياهن من التعبير عن آرائهن أو الكشف عن معاناتهن، وفق موقع "إيران إنترناشيونال". 

وأضاف الموقع الإيراني: غير أن التحولات الرقمية قلبت هذه المعادلة رأسًا على عقب، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة نضال جديدة تخوضها الإيرانيات لكسر القيود المفروضة عليهن والمطالبة بحقوقهن.

ولم يعد العالم الافتراضي مجرد مساحة للترفيه والتواصل، بل تحول إلى منصة لتمكين النساء من رواية تجاربهن، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرضن لها، وكشف المستور في قضايا كانت تُعد من المحرمات في المجتمع الإيراني. 

عبر التغريدات، مقاطع الفيديو، والمنشورات، وجدت الإيرانيات متنفسًا جديدًا لكسر حاجز الصمت، والتواصل مع العالم الخارجي، في تحدٍّ مباشر للسلطات والأعراف التقليدية.

تحطيم المحرمات الاجتماعية

في السنوات الأخيرة، ناقشت النساء الإيرانيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي موضوعات لم يكن بالإمكان التطرق إليها في السابق، مثل قضايا الجسد، الصحة الإنجابية، التحرش الجنسي، والحريات الفردية. 

وعلى منصات مثل "إنستغرام" و"تويتر"، تحدثن بصراحة عن تحديات فترة الحيض وضرورة توعية الرجال حولها، في خطوة جريئة لكسر الوصمة المجتمعية المرتبطة بهذه القضية.

كما انخرطت النساء في حملات ضد معايير الجمال غير الواقعية والضغوط المجتمعية المرتبطة بها، من خلال نشر صورهن دون فلاتر أو تعديلات، ضمن حملة "#جسمي_أنا"، التي هدفت إلى تعزيز الثقة بالنفس ومواجهة الصور النمطية. 

وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في فضح الخرافات المرتبطة بغشاء البكارة، إذ كشف النقاش المفتوح عن عدم علمية اختبارات العذرية، ما عزز الوعي بين النساء وأدى إلى تزايد المطالب بإلغاء هذه الممارسات.

ثورة ضد التحرش

مع انتشار حركة "#MeToo" عالميًا، وجدت النساء الإيرانيات في هذه الحملة فرصة ذهبية لكسر حاجز الصمت حول التحرش الجنسي، الذي ظل طويلًا موضوعًا مسكوتًا عنه في بيئة يغلب عليها الطابع الذكوري. 

ولأول مرة، تجرأت النساء على مشاركة تجاربهن مع التحرش والاعتداء الجنسي، كاشفات عن أسماء المعتدين من مختلف البيئات، سواء في أماكن العمل أو الجامعات أو حتى في الدوائر الاجتماعية.

ورغم الأخطار التي قد تواجه النساء اللاتي يجرؤن على الحديث علنًا، فإن شجاعتهن أطلقت شرارة تغيير لم يكن من الممكن تخيلها قبل عقد من الزمن. 

ومع تصاعد هذه الحملة، اضطرت بعض المؤسسات إلى التحقيق في اتهامات التحرش، ما شكل ضغطًا غير مسبوق على النظام الاجتماعي المحافظ في البلاد.

احتجاجات رقمية ومقاومة نسوية

لم يقتصر الحراك النسوي الإيراني على منصات التواصل الاجتماعي، بل امتد إلى شوارع المدن الكبرى، حيث ظهرت حركات مثل "فتيات شارع الثورة"، التي شهدت قيام نساء بخلع الحجاب الإجباري علنًا كنوع من العصيان المدني. 

وتزامنت هذه الاحتجاجات مع حملة "الحرية الخفية"، التي ساعدت على إلقاء الضوء على معاناة النساء مع القوانين التمييزية.

واستُخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق هذه الاحتجاجات ونقلها للعالم، حيث أصبحت المنصات الرقمية بديلاً عن وسائل الإعلام التقليدية التي تخضع للرقابة الحكومية. 

ومن خلال نشر مقاطع فيديو، تحدّت النساء السلطات الإيرانية، ما أدى إلى موجة من الاعتقالات والاضطهاد، كان من ضحاياها ناشطات مثل حديثة نجفي وسارينا إسماعيل زاده، اللتين قُتلتا خلال الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب وفاة مهسا أميني.

اقتصاد رقمي واستقلال مالي

لم تقتصر استفادة النساء الإيرانيات من وسائل التواصل الاجتماعي على النضال الحقوقي فحسب، بل أصبحت هذه المنصات أيضًا وسيلة لتحقيق الاستقلال المالي، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. 

ومن خلال "إنستغرام"، تمكنت العديد من الإيرانيات من تأسيس أعمالهن الخاصة دون الحاجة إلى رأس مال كبير أو مكان عمل فعلي، فبرزت مشاريع صغيرة في مجالات الأزياء، الجواهر، المأكولات المنزلية، والحرف اليدوية.

وحتى في القرى والمناطق النائية، وجدت النساء في الفضاء الرقمي فرصة لتحسين أوضاعهن المعيشية، حيث بدأن ببيع منتجات زراعية وصناعات محلية عبر الإنترنت، ما ساعد على تعزيز الاقتصاد المحلي. 

وتشير الإحصاءات إلى أن 11 مليون وظيفة في إيران تعتمد على الشبكات الاجتماعية، وأن "إنستغرام" وحده يسهم بنسبة 83% من دخل التجارة الإلكترونية في البلاد.

ومع ذلك، فإن القيود المفروضة على الإنترنت والرقابة الحكومية تشكل عائقًا أمام هذه الأعمال الرقمية، حيث تعرضت حسابات تجارية عدة للحجب أو التضييق، ما يعكس استمرار التحديات التي تواجهها النساء في مسيرة تحقيق الاستقلال الاقتصادي.

معركة مستمرة من أجل الحقوق

في ظل نظام يفرض قيودًا صارمة على حرية التعبير، باتت وسائل التواصل الاجتماعي المتنفس الوحيد للنساء الإيرانيات للتعبير عن تطلعاتهن وطموحاتهن. 

وبينما تستمر السلطات في فرض إجراءات قمعية، يثبت التاريخ أن مقاومة النساء لا يمكن إسكاتها بسهولة، وأن النضال من أجل الحقوق سيبقى مستمرًا، سواء في الشوارع أو عبر الفضاء الرقمي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية