نساء في الظل.. لماذا تغيب المرأة عن طاولات السلام وتحضر في ساحات المعاناة؟

نساء في الظل.. لماذا تغيب المرأة عن طاولات السلام وتحضر في ساحات المعاناة؟
يوم المرأة العالمي - أرشيف

في عالم تتصارع فيه الأزمات وتتصاعد النزاعات، تظل المرأة الحلقة الأضعف في سلسلة المعاناة الإنسانية، ليست المرأة ضحية للعنف المباشر فحسب، بل هي أيضاً الضحية الصامتة لانهيار الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مناطق الصراع. 

وفقاً لتقرير أممي صدر حديثاً، فإن حقوق المرأة شهدت تراجعاً ملموساً في 25% من دول العالم خلال عام 2024، وهو ما يمثل انتكاسة كبيرة للجهود الدولية التي بُذلت على مدى عقود لتحقيق المساواة بين الجنسين، هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات باردة، بل هي صرخة استغاثة من ملايين النساء اللواتي يعانين في صمت، خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.

في مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تتصاعد الحروب الأهلية والصراعات العسكرية، تتعرض النساء لأشكال متعددة من العنف، بدءاً من الاغتصاب كسلاح حرب، وصولاً إلى الحرمان من الحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. وفقاً للأمم المتحدة، فإن النساء في هذه المناطق يواجهن خطراً مضاعفاً: فبالإضافة إلى العنف الجسدي والنفسي، يعانين من تدهور الخدمات العامة وانهيار البنى التحتية، ما يزيد من صعوبة وصولهن إلى الموارد الأساسية. 

ويأتي اليوم العالمي للمرأة، هذا العام في ظل ظروف صعبة هذا اليوم، الذي بدأ كحركة عمالية في أوائل القرن العشرين، تحول إلى منصة عالمية للدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ومع ذلك، فإن التقرير الأممي يسلط الضوء على أن التقدم المحرز في هذا المجال مهدد بالتراجع. فبدلاً من تعميم المساواة، نشهد تعميماً لكراهية النساء، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، هذه العبارة القوية تعكس واقعاً مريراً: فبعد 30 عاماً من اعتماد إعلان بكين، الذي كان يُعد خارطة طريق تاريخية لتحقيق المساواة بين الجنسين، فما يزال النساء يواجهن تمييزاً عنيفاً في مجتمعات عدة.

النضال من أجل حقوق المرأة

إعلان بكين، الذي تم تبنيه عام 1995، كان بمنزلة نقطة تحول في النضال من أجل حقوق المرأة. فقد حدد 12 مجالاً للعمل، بما في ذلك مكافحة الفقر والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وزيادة تمثيل النساء في المناصب القيادية، ومع ذلك، فإن التقرير الجديد يكشف أن العديد من هذه الأهداف لم تتحقق بعد، ففي حين أن 88% من الدول قد سنت قوانين لمكافحة العنف ضد المرأة، فإن التمييز على أساس الجنس ما يزال متأصلاً في العديد من الاقتصاديات والمجتمعات، النساء يتمتعن بـ 64% فقط من الحقوق القانونية للرجال، وهو ما يعكس فجوة كبيرة في العدالة الاجتماعية.

في مناطق النزاع، تتفاقم هذه الفجوات بشكل كبير فبالإضافة إلى العنف الجسدي، تعاني النساء من حرمان اقتصادي واجتماعي، وفقاً للتقرير، فإن النساء في هذه المناطق غالباً ما يُحرمن من الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، مما يحد من فرصهن في تحقيق الاستقلال الاقتصادي، كما أن انهيار المؤسسات الديمقراطية في العديد من هذه المناطق يؤدي إلى تراجع في حقوق المرأة، حيث تزداد سيطرة الجماعات المسلحة والتي غالباً ما تتبنى أيديولوجيات تمييزية ضد النساء.

ويرى خبراء أن التقرير الأممي يقدم صورة قاتمة ولكنها واقعية عن حالة حقوق المرأة في العالم، خاصة في مناطق النزاع، ومع اقتراب اليوم العالمي للمرأة، فإن هذه الأرقام تذكرنا بأن النضال من أجل المساواة بين الجنسين لم ينته بعد، ففي حين أن هناك بعض التقدم، فإن التحديات ما تزال هائلة، خاصة في ظل تصاعد الخطابات المعادية لحقوق المرأة وتراجع المؤسسات الديمقراطية، العالم بحاجة إلى وقفة حازمة لضمان أن تصبح حقوق الإنسان والمساواة حقيقة واقعة لجميع النساء والفتيات، في كل مكان.

بين الحماية القانونية والواقع المُنتهَك

وفي السياق، قال الخبير الحقوقي البحريني عبد الله زيد، إنه وفي ظل النزاعات المسلحة، تتحول حقوق الإنسان إلى شعارات مفرغة من مضمونها، وتصبح الفئات الأكثر هشاشة، وعلى رأسها النساء، ضحايا مضاعفات الحرب بأشكالها المختلفة، إن الحديث عن حقوق المرأة في مناطق النزاع ليس مجرد توصيف لواقع مأساوي، بل هو قضية حقوقية تتعلق بالعدالة، المساءلة، وضمان الكرامة الإنسانية في سياقات يُعاد فيها تعريف القمع والاستغلال بوسائل وحجج متجددة، وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، فإن النساء في النزاعات المسلحة يتمتعن بحماية خاصة، إلا أن هذه النصوص تبقى في كثير من الأحيان حبراً على ورق.

وتابع عبد الله زيد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إلى جانب العنف المباشر، تعاني النساء من أشكال غير مرئية من الانتهاكات، تشمل التهجير القسري، فقدان الحق في التعليم والعمل، والحرمان من الخدمات الأساسية في اليمن وسوريا، أدى النزاع إلى زيادة نسبة النساء المعيلات لأسرهن نتيجة فقدان الأزواج، إلا أن هذه المسؤولية لم تترافق مع دعم مؤسسي، بل مع مزيد من القيود المجتمعية والاقتصادية التي تجعل النساء يعملن في ظروف استغلالية دون حماية قانونية.

واسترسل، التمييز القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاع لا يقتصر على العنف المباشر، بل يتجلى أيضًا في التهميش السياسي للنساء خلال عمليات السلام، رغم أن قرار مجلس الأمن رقم 1325 يؤكد دور المرأة في بناء السلام، إلا أن تمثيل النساء في المفاوضات ما يزال محدودًا وهامشيًا، وكأن تحقيق السلام قضية ذكورية بحتة في ليبيا، أفغانستان، واليمن، كانت النساء حاضرات في ساحات المعاناة، لكن غائبات عن طاولات القرار، وهو تمييز مقنن يتناقض مع أبسط مبادئ المساواة والعدالة.

وشدد على أن حقوق المرأة في النزاعات ليست ترفًا قانونيًا أو قضية مؤجلة إلى ما بعد انتهاء الصراع، بل هي جزء لا يتجزأ من أي مقاربة جادة لحماية المدنيين وتحقيق العدالة، إن ضمان سلامة النساء، توفير الخدمات الصحية والنفسية لضحايا العنف، ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضدهن، ليست مجرد التزامات أخلاقية، بل هي استحقاقات قانونية وفق القانون الدولي. إن الفشل في ضمان هذه الحقوق هو تواطؤ مع من يستخدم الحرب ذريعة لإعادة إنتاج قمع النساء تحت مسميات مختلفة.

وأتم، من هذا المنطلق، فإن أي نقاش حول الحلول في مناطق النزاع يجب أن يبدأ من منظور حقوقي واضح، لا يساوم على كرامة النساء ولا يعد معاناتهن تفصيلًا هامشيًا، فتحقيق العدالة للنساء في مناطق النزاع هو اختبار حقيقي لمدى التزام المجتمع الدولي بمبادئه، وهو معركة يجب أن تخوضها كل الأصوات الحرة التي تؤمن بأن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ، حتى في أحلك الظروف.

المرأة في مناطق النزاع

وعن تجربتها في غزة كمنطقة نزاع، قالت روان طه، إننا في غزة، كما في كل مناطق النزاع، تتحول المرأة إلى خط الدفاع الأول عن الحياة رغم أنها غالبًا ما تكون الضحية الأولى، الحرب هنا ليست مجرد غارات وقذائف، بل هي حصار خانق، وانقطاع مستمر للكهرباء، وشح في الماء والغذاء، وانهيار للمنظومة الصحية، وكل ذلك ينعكس أولًا على النساء اللواتي يجدن أنفسهن في قلب المعاناة اليومية، بلا حماية تُذكر ولا صوت يُسمع. 

وتابعت روان طه، في تصريحات لـ"جسور بوست"، في ظل القصف المتكرر وانعدام الأمان، لا تعاني النساء فقط من خطر الموت المباشر، بل أيضًا من العواقب الممتدة للحرب: فقدان الأزواج والأبناء، تهدّم البيوت، تهجير قسري، وضغوط اقتصادية تفوق الوصف. ومع ذلك، تُترك النساء لمواجهة هذا المصير وحدهن، دون دعم كافٍ أو مراعاة لاحتياجاتهن الخاصة، في كل حرب تمرّ على غزة، تتكرر المشاهد نفسها: امرأة تحمل أطفالها باكية بين الأنقاض، أخرى تبحث عن بقايا منزلها المدمر، وثالثة تجلس أمام مستشفى مكتظ تنتظر معرفة مصير أحبائها. 

وشددت على أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يتفاقم في ظل النزاعات، حيث يؤدي الانهيار الأمني والاجتماعي إلى تضاعف أخطار العنف الأسري والاستغلال، في غزة، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وغياب فرص العمل، تضطر الكثير من النساء إلى القبول بظروف معيشية قاسية، والعمل في بيئات غير آمنة أو محرومة من أي حقوق الأسوأ من ذلك، أن كثيرًا من المساعدات الإنسانية الموجهة للنساء تظل خاضعة لاعتبارات سياسية أو أمنية، فتُمنع عنهن بسبب القيود المفروضة على القطاع، ما يجعلهن أكثر هشاشة أمام الظروف القاسية. 

وعن الحق في الرعاية الصحية، قالت روان طه، إنه رفاهية غير متاحة، مع نقص المستشفيات والمعدات الطبية، تعاني النساء الحوامل من غياب الخدمات الأساسية، حيث يتم منعهن أحيانًا من مغادرة القطاع للحصول على العلاج اللازم وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن نسبة النساء اللواتي يمتن خلال الولادة في غزة تتزايد بسبب نقص الرعاية الطبية، وعدم القدرة على الوصول إلى مستشفيات مجهزة بسبب الحصار. في كل يوم، تواجه آلاف النساء هذا الواقع، دون أن يُذكرن في نشرات الأخبار أو أن يتم التعامل مع معاناتهن كأولوية إنسانية. 

وأتمت، الحديث عن حقوق المرأة في مناطق النزاع لا يجب أن يبقى مجرد شعارات، ما تحتاجه المرأة هنا ليس فقط مساعدات إنسانية مؤقتة، بل حماية قانونية حقيقية، والتزامًا دوليًا بوضع حد لانتهاكات حقوقها، لا يمكن الاستمرار في التعامل مع النساء في النزاعات كأرقام في تقارير، بل كأرواح لها الحق في العيش بأمان وكرامة، دون أن يكون ذلك مرهونًا بحسابات السياسة أو بتوازنات القوى. 

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية