وسط اتهامات بالتقصير الأمني.. تصاعد العداء ضد المهاجرين في تونس
وسط اتهامات بالتقصير الأمني.. تصاعد العداء ضد المهاجرين في تونس
تواصل التقارير الغربية والأوروبية تسليط الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها المهاجرات الإفريقيات في تونس، والتي تشمل اعتداءات جنسية، وذلك بالرغم من إشادة السلطات التونسية بالجهود المبذولة من قبل قوات الأمن في حماية المهاجرين وضمان حقوقهم.
وأكد حقوقي تونسي في تصريح خاص لـ"جسور بوست"، وجود حالات اعتداء جنسي موثقة في تقارير حقوقية، مشيراً إلى غياب أي تحرك رسمي للتحقيق فيها.
من جانبه، شدد مرشح رئاسي سابق على أن الحكومة التونسية تتحمل مسؤولية فشل حماية المهاجرين، والانتهاكات التي يتعرضون لها، إضافة إلى عدم الاستجابة لمطالب المواطنين المتضررين من تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين، في ظل غياب حلول عادلة وواقعية.
وتعد مدينة صفاقس، ثاني أكبر مدن تونس، نقطة انطلاق رئيسية لعمليات العبور غير القانوني عبر البحر المتوسط، خاصة للمهاجرين القادمين من إفريقيا باتجاه السواحل الأوروبية، وتحديداً الإيطالية، ورغم الاتفاقيات التي أبرمتها تونس مع الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل مساعدات مالية وتعاوناً اقتصادياً مقابل الحد من الهجرة غير النظامية، فإن الأزمة لا تزال تتفاقم، وسط ضغوط اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن آلاف المهاجرين غير النظاميين، معظمهم من الأفارقة، يعيشون في بساتين الزيتون المحيطة بصفاقس، في ظل ظروف معيشية قاسية وإجراءات أمنية مشددة.
ووفقاً لدراسة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في يوليو 2024، فإن 40.1% من المهاجرين لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، و70% منهم يعرفون مهاجرين يعانون من نقص الغذاء.
وفي 11 مارس الجاري، كشف موقع "مهاجر نيوز"، المدعوم من الاتحاد الأوروبي، عن شهادات لمهاجرات تعرضن لاعتداءات جنسية في تونس، من بينهن شابة تدعى "لافا"، تبلغ من العمر 23 عاماً، قادمة من سيراليون، والتي أكدت تعرضها للاغتصاب مرتين منذ وصولها إلى البلاد في مايو 2023.
قلق أممي
بحسب شهادة "لافا"، فإن الاعتداء الأول وقع في 12 سبتمبر 2024، عندما أوقفها رجال أمن تونسيون أثناء محاولتها ركوب قارب متجه إلى أوروبا، حيث تعرضت للاغتصاب من قِبَلهم قبل أن تفقد الوعي، أما الاعتداء الثاني، فوقع في منتصف فبراير 2025، عندما هاجمها ثلاثة رجال في الشارع، واغتصبوها وضربوها، ما اضطرها إلى العودة إلى مخيمات صفاقس بحثاً عن الأمان.
وفي 15 أكتوبر 2024، أعرب خبراء أمميون عن "قلق بالغ" إزاء التقارير "الصادمة" التي تفيد بحدوث انتهاكات واسعة النطاق ضد المهاجرين غير النظاميين في تونس، تشمل الاغتصاب والإبعاد القسري. ووفق بيانات الأمم المتحدة، فإن 189 مهاجراً لقوا حتفهم أثناء عبور البحر، و265 شخصاً توفوا أثناء عمليات اعتراض في المياه، و96 مهاجراً في عداد المفقودين أو ضحايا الإبعاد القسري، بين يناير ويوليو 2024.
وحذرت الأمم المتحدة من تزايد نشاط الجماعات الإجرامية المتورطة في الاتجار بالبشر داخل تونس، مشيرةً إلى انتشار العنف الجنسي، بما في ذلك استغلال الأطفال واغتصاب الفتيات دون سن العاشرة في المناطق الحدودية، كما أفاد الخبراء الأمميون بأنهم تواصلوا مع السلطات التونسية والاتحاد الأوروبي لمناقشة هذه الادعاءات، مؤكدين استمرار التعاون بين الجانبين رغم خطورة الوضع الإنساني.
ورغم هذه التقارير، لا تزال تونس تُعتبر "مكاناً آمناً" لعمليات البحث والإنقاذ في البحر، وفقاً للاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، ما يثير تساؤلات حول مصير المهاجرين العالقين بين وعود الحماية وانتهاكات الواقع.
في 24 سبتمبر 2024، دعت المفوضية الأوروبية السلطات التونسية إلى فتح تحقيق في مزاعم تفيد بتورط عناصر أمن في ارتكاب اعتداءات جنسية واغتصاب بحق مهاجرين على الأراضي التونسية. وقالت المفوضية في تصريحات صحفية: "عندما تكون هناك مزاعم بارتكاب مخالفات من قبل القوى الأمنية، نتوقع تحقيقاً شفافاً في هذه الحالات".
شهادات مروعة
نشرت صحيفة (ذي غارديان) البريطانية شهادات صادمة عن تعرض نساء لانتهاكات جسيمة على أيدي قوات الأمن التونسية، من بين هذه الشهادات، ماري، شابة تبلغ من العمر 22 عاماً من ساحل العاج، تحدثت عن تعرضها لاعتداء جنسي من قبل أربعة ضباط من الحرس الوطني التونسي.. وأوضحت أنها تمكنت من الفرار بعد أن جذب صراخها انتباه لاجئين سودانيين مارّين، قبل أن تلجأ إلى مخيم مؤقت قرب صفاقس، وصفته بـ"المروع".
أما موسى، وهو شاب غيني يبلغ من العمر 28 عاماً، فقد تحدث عن تجربته أثناء محاولته الهجرة من صفاقس. قال إنه كان على متن أحد القوارب الأربعة التي اعترضتها السلطات التونسية قبالة سواحل المدينة في 6 فبراير 2024.
ووفقاً لشهادته، تم اقتياد المهاجرين إلى قاعدة للحرس الوطني، حيث كانت النساء تؤخذ بشكل منتظم إلى منزل صغير للاعتداء عليهن.
وأضاف: "كل ساعة تقريباً كانوا يأخذون امرأتين أو ثلاثاً.. كنا نسمع صراخهن وبكاءهن طلباً للمساعدة، لكن لم يهتم أحد بوجود 100 شاهد.. بعض النساء لم يتمكنّ من المشي بعد الاعتداء عليهن".
إنكار رسمي
بدورها، رفضت السلطات التونسية هذه المزاعم، ووصفتها بأنها "كاذبة ولا أساس لها من الصحة"، مؤكدة أن قواتها الأمنية تعمل "باحترافية للحفاظ على سيادة القانون مع مراعاة المبادئ والمعايير الدولية".
وفي بيان رسمي، شددت الحكومة على أنها "لم تدخر أي جهد" لتلبية احتياجات المهاجرين الأساسية، ومكافحة الشبكات الإجرامية التي تستغل أوضاعهم، مشيرةً إلى أنها تتعامل مع ملف الهجرة غير النظامية وفقاً للقوانين الدولية لحقوق الإنسان.
وفي فبراير 2025، دافع وزير الخارجية التونسي، محمد النفطي، عن موقف بلاده خلال جلسة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قائلاً: "المهاجرون غير النظاميين هم ضحايا نظام اقتصادي عالمي لم تكن تونس سبباً فيه، بل هي من ضحاياه. ومع ذلك، تتعامل تونس مع هذه الظاهرة بما ينسجم مع التزاماتها الدولية واحترامها للكرامة البشرية".
وأصدرت وزارة الشؤون الخارجية التونسية بياناً نفت فيه صحة التقارير المتداولة، واصفة إياها بـ"المزاعم المغرضة والأخبار الزائفة"، مؤكدة أن تونس تحرص على احترام حقوق المهاجرين، مع التشديد على "سيادة الدولة وضرورة فرض احترام القانون".
ورغم نفي الحكومة، لم تتمكن السلطات من احتواء الغضب الشعبي المتصاعد بسبب التزايد المستمر للمهاجرين غير النظاميين، خاصة في مدينة صفاقس، حيث شهدت المنطقة عدة مظاهرات احتجاجية للمطالبة بحلول عاجلة لهذه الأزمة.
وفي 10 مارس 2025، لجأت السلطات إلى حلول أمنية، حيث قامت الشرطة بتفكيك عدد من مخيمات المهاجرين في محافظة صفاقس، ما أثار ردود فعل متباينة.
وخلال زيارة لهذه المخيمات، صرحت النائبة التونسية فاطمة المسدي، في حديث إذاعي، بأنها تفقدت أحد أكبر المخيمات في منطقة العامرة بصفاقس، والذي يضم نحو 200 خيمة وأكثر من ألف شخص.
وأوضحت أن المخيم شهد تطوراً كبيراً منذ 2023، حيث بدأ بخمسين خيمة فقط، لكنه تضاعف بشكل لافت.
وأشارت المسدي إلى أن المخيمات باتت تشكل "كياناً موازياً" داخل البلاد، حيث تمتلك اقتصاداً داخلياً مستقلاً، معتبرةً أن ذلك يشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على تونس، إذ تقدر التكلفة السنوية لاستضافة هؤلاء المهاجرين بنحو 70 مليون دينار، في وقت يستفيدون فيه من المواد الغذائية المدعمة على حساب المواطنين التونسيين.
ورداً على الانتقادات الموجهة لها واتهامها بالتحريض ضد المهاجرين، أكدت المسدي أنها تنقل "الوقائع كما هي"، دون أي دوافع عنصرية، مشددة على أن “حق التونسيين في الأمن والعيش الكريم يجب أن يكون الأولوية الأولى”.
فشل ذريع
في هذا السياق، قال الحقوقي التونسي، كريم عبد السلام، في تصريح لـ"جسور بوست": "للأسف هناك تأكيد لحوادث الاعتداءات الجنسية، ليس فقط من قبل بعض عناصر الأمن، ولكن أيضاً بين المهاجرين أنفسهم، في المقابل، تتزايد حملات الكراهية ضد المهاجرين، يقودها بعض نواب البرلمان ووجوه سياسية مقربة من السلطة".
وأضاف عبد السلام: "الحكومة أبرمت اتفاقاً مع إيطاليا لاستقبال المهاجرين، مما يجعل تونس أول نقطة صد أمام موجات الهجرة الكبرى، مقابل تلقي مساعدات لوجستية ومالية، ومع ذلك، لم يتم توفير أي ظروف معيشية كريمة للمهاجرين، بل يتم إنكار وجودهم ضمن هذه الاتفاقات".
وأكد أن هناك "ازدواجية واضحة في خطاب الحكومة، إذ تختلف تصريحاتها العلنية الموجهة إلى التونسيين عن التزاماتها الفعلية أمام إيطاليا والاتحاد الأوروبي، حيث تبدي تعاوناً في الحد من الهجرة، بينما تروج محلياً لخطاب التخويف وتأجيج العداء ضد المهاجرين".
اعتداءات ضد المهاجرين
ومن جانبه، قال الكاتب السياسي والمرشح الرئاسي التونسي السابق عماد الدائمي، لـ"جسور بوست"، إن "هناك تقارير عديدة من منظمات حقوقية دولية ومحلية تؤكد وقوع اعتداءات ضد المهاجرين".
وأضاف: "من المؤكد أن المهاجرين الأفارقة يعيشون في ظروف صعبة للغاية، لكن الأمر لا يقتصر عليهم فقط، فالمواطنون التونسيون في المناطق التي يوجد فيها المهاجرون يعانون أيضاً من أوضاع معيشية صعبة، بل إن بعضهم بات محروماً من دخول أراضيه الزراعية وسط تهديدات بأزمة وبائية ومشكلات صحية وبيئية".
وأشار الدائمي إلى أن "السلطات التونسية مسؤولة عن هذه الأزمة، سواء في ما يتعلق بالاعتداءات ضد المهاجرين، أو معاناة التونسيين، خاصة في مدينة صفاقس والمناطق المجاورة، حيث إنه من البداية لم يتم اتخاذ أي إجراءات لحماية الحدود البرية التي تسلل عبرها معظم المهاجرين بطريقة غير قانونية. كما أنه لم يتعامل بجدية مع الأزمة في مراحلها المبكرة، ما أدى إلى تفاقمها".
وأضاف الدائمي أن "النظام وقع اتفاقيات سرية مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي، وتم إخفاؤها عن الشعب التونسي، رغم أن بعض تفاصيلها سُرِبت، حيث تنص هذه الاتفاقيات على حصول تونس على دعم مالي محدود مقابل توطين المهاجرين الأفارقة، دون توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة لهم".
وتابع: "لم يتم أيضاً معالجة المشكلات الأمنية والصحية، كما لم تؤخذ بعين الاعتبار القضايا التي تهم المواطنين التونسيين، خصوصاً أصحاب الأراضي الزراعية الذين يواجهون صعوبات بسبب المخيمات العشوائية المقامة داخل غابات الزيتون المملوكة لهم، مما حرمهم من الوصول إلى ممتلكاتهم والاستفادة منها".
وقال إن "السلطة لم تتخذ إجراءات صارمة لحماية الحدود والمواطنين، بل استمرت في سياسة الإنكار والتخبط. المسؤولية الأساسية لحماية الحدود تقع على عاتق التونسيين، وليس حماية حدود أوروبا. وأي اتفاقية لا تتضمن إعادة المهاجرين إلى بلدانهم في ظروف إنسانية كريمة، وتوفير الحماية لهم من كل أشكال الاستغلال، تُعد مجحفة بحق كل من التونسيين والأفارقة على حد سواء".