«الإيكونوميست»: رسوم ترامب الجمركية تعرض الشركات الأمريكية الكبرى للانتقام
«الإيكونوميست»: رسوم ترامب الجمركية تعرض الشركات الأمريكية الكبرى للانتقام
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات شديدة اللهجة ضد الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، واعتبر أن بلاده تعرّضت للاستغلال والنهب من قبل دول قريبة وبعيدة، وبقدر ما توحي هذه اللغة بالعدوانية، فإنها فتحت المجال أمام إمكانية ردّ الدول الأخرى، ليس فقط على واردات السلع، بل على الخدمات الأمريكية التي تهيمن على قطاعات متعددة مثل التكنولوجيا، والاستشارات، والخدمات المالية.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست" السبت، ركّز ترامب في سياساته التجارية على العجز الأمريكي في التجارة السلعية، الذي بلغ رقماً قياسياً قدره 1.2 تريليون دولار في عام 2024، متجاهلاً أن بلاده تحقق فائضاً كبيراً في قطاع الخدمات، فقد بلغ فائض تجارة الخدمات الأمريكية نحو 295 مليار دولار، وهو رقم قريب من أعلى مستوياته التاريخية، رغم أن جزءاً منه ناتج عن ترتيبات ضريبية لشركات متعددة الجنسيات.
وسجلت الولايات المتحدة صادرات خدمات بقيمة 1.1 تريليون دولار في عام 2024، أي ضعف ما حققته أقرب الدول المنافسة، ويُظهر هذا الرقم أن أمريكا لا تعاني صعوبات في التصدير كما يصور الخطاب السياسي لترامب، لكنها ببساطة تتفوق في تصدير الحلول الرقمية، والبنى التحتية للتوصيل، وأدوات التحوط المالي، بدلاً من المعادن والآلات.
إمكانات الرد متاحة أمام الشركاء
قد تفكر الدول التي تسعى للرد على السياسات التجارية لترامب في فرض رسوم على وارداتها من الخدمات الأمريكية، بناء على المنهج ذاته الذي استخدمه البيت الأبيض، فقد اعتمدت إدارة ترامب طريقة حسابية بسيطة تقوم على تقسيم العجز التجاري الثنائي على واردات السلع من كل دولة، ثم خفضت الناتج إلى النصف، واعتبرته "رسماً عادلاً".
ورغم أن هذه الطريقة طُبقت على السلع فقط، فإن "الإيكونوميست" استخدمت المنهج نفسه لقياس إمكانات الرد على الخدمات، وتوصلت إلى نتائج مختلفة كلياً، فمثلاً، قد تفرض الصين رسوماً بنسبة 28% على الخدمات الأمريكية، في حين تفرض دول الاتحاد الأوروبي 15%، والسعودية 41%، أما فنزويلا، فقد تصل رسومها إلى 47%، وهي الأعلى عالمياً.
لا يمكن للدول فرض رسوم جمركية على الخدمات بنفس الطريقة التي تفرض بها على السلع، لأن الخدمات لا تُنقل في حاويات ولا يمكن تعقّبها فورياً عند عبورها الحدود، لكن الحكومات تمتلك وسائل عدة لتقييد عمل الشركات الأمريكية، منها فتح تحقيقات تنافسية، وفرض قوانين بيانات صارمة، وتحديد رسوم تراخيص، وفرض ضرائب إضافية على الشركات الأجنبية.
استهداف من الصين إلى أوروبا
واجهت الشركات الأمريكية الكبرى، من بنوك وشركات قانونية إلى عمالقة التكنولوجيا، عراقيل تنظيمية متزايدة في أسواق رئيسية كالصين، فرغم تخفيض بكين الرسوم الجمركية على السلع، فإنها أبقت على قيود صارمة تمنع الشركات الأمريكية من اختراق السوق المحلية في مجالات مثل الخدمات المالية والتقنية.
واتجهت دول أخرى، مثل البرازيل والهند، إلى فتح تحقيقات في الممارسات التنافسية لشركات مثل "ألفابت" و"آبل"، وفرضت عليها غرامات ضخمة وأجبرتها على تعديل نماذجها التجارية بما يتوافق مع القوانين المحلية.
فرضت عدة دول أوروبية ضرائب على الخدمات الرقمية، مستهدفة عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، ورغم أن هذه الضرائب لا تُصنّف رسمياً تمييزاُ ضد الشركات الأجنبية، فإن تحديد عتبات عالية للإيرادات، كما فعلت فرنسا وإسبانيا، جعل شركات مثل "أمازون" و"ميتا" من بين المتضررين الرئيسيين.
وعدّت الولايات المتحدة هذه الضرائب تمثل استهدافاً غير عادل لشركاتها، وخاضت معارك قانونية ودبلوماسية لوقفها، لكنها تواجه الآن احتمالية تراجع الرغبة الأوروبية في التفاوض أو التراجع، خاصة في ظل تصاعد التوترات التجارية.
الاتحاد الأوروبي يجهّز آلية الرد
أطلق الاتحاد الأوروبي في عام 2023 أداة جديدة للرد على "الإكراه الاقتصادي"، كان دافعها الأساسي المخاوف من السياسات الصينية، وتتيح هذه الأداة للاتحاد اتخاذ إجراءات ضد أي دولة تستخدم الضغوط الدبلوماسية، بما في ذلك استبعاد شركاتها من المناقصات العامة، أو الحد من حقوق الملكية الفكرية، وهي إجراءات قد تضر مباشرة بالشركات الأمريكية.
ورغم أن هذه الإجراءات لا تُعدّ تعريفات جمركية تقليدية، إلا أنها تحقق الهدف ذاته: حماية السوق الأوروبية أمام المنافسة الأجنبية.
وعمل المفاوضون التجاريون الأمريكيون على مدى عقود، لتقليص الحواجز أمام تصدير الخدمات الأمريكية، وشملت جهودهم توجيه منظمة التجارة العالمية نحو التركيز على الخدمات، وإدراج الاقتصاد الرقمي ضمن اتفاقيات جديدة مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي انسحب منها ترامب خلال ولايته الأولى.
واليوم، ومع الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب، بات لدى المفاوضين الأمريكيين ورقة ضغط إضافية، لكن بحسب مايكل فرومان، المفاوض التجاري الرئيسي في عهد الرئيس أوباما، فإن استخدام تلك الورقة يتطلب وضوحاً في الأهداف.
مفترق طرق بين الضغط والمواجهة
يحذّر فرومان من أن الرسوم لا تكون فعالة إلا إذا استُخدمت أداة تفاوض، ويقول: "يجب أن يكون لدى الإدارة قائمة واضحة بالمطالب التي تسعى لتحقيقها من الدول الأخرى، ويجب أن تكون مستعدة للتخلي عن الرسوم مقابل إحراز تقدم في تلك القضايا".
ومع تنامي الاعتماد العالمي على الخدمات الأمريكية، يملك شركاء واشنطن التجاريون الكثير من الأدوات لإلحاق الضرر بأكثر شركاتها تنافسية.