«فايننشيال تايمز»: ارتفاع تكاليف الاستيراد يهدد الأمن الاستهلاكي بالولايات المتحدة
بين سلاسل التوريد والرسوم الجمركية
فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على عدد كبير من السلع الصينية التي يعتمد عليها المستهلكون الأمريكيون بشكل يومي، من بينها أفران الميكروويف، وأجهزة ألعاب الفيديو، والمراوح الكهربائية، ودمى الأطفال.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، اليوم الأحد، استهدفت هذه الرسوم سلعاً تُقدّر قيمتها بأكثر من مليار دولار سنوياً، وهو ما يُنذر بتأثير مباشر في السوق الاستهلاكية في الولايات المتحدة، وخاصة أن الصين تهيمن على تصنيع عدد كبير من المنتجات التي تدخل المنازل الأمريكية.
وسجّلت الصين العام الماضي نسباً مرتفعة في تصدير سلع عدة إلى الولايات المتحدة، حيث جاءت 75% من أجهزة ألعاب الفيديو، وأجهزة تحضير الطعام، والمراوح الكهربائية من الصين.
واستوردت الولايات المتحدة 75% من الدمى والدراجات ثلاثية العجلات والدراجات الصغيرة ذات العجلات من بكين، ما يرفع من احتمالية تأثر أسعار هذه السلع بقرار فرض الرسوم.
وحذّرت شركة "ماتيل"، المنتجة لدمى "باربي"، من احتمال رفع أسعار ألعابها في السوق الأمريكية نتيجة هذه الرسوم، حيث تمتلك الشركة، التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها، شبكة تصنيع واسعة في الصين، حيث تنتج هناك نحو 40% من منتجاتها، بما فيها سيارات "هوت ويلز" ولعبة الورق الشهيرة "أونو".
إعفاء محدود للهواتف
أعلنت إدارة ترامب استثناء بعض السلع الإلكترونية مثل الهواتف الذكية، وأجهزة التوجيه، ومعدات تصنيع الشرائح، والحواسيب المحمولة من الرسوم الجمركية، مثّل هذا القرار ارتياحاً لشركات أمريكية كبرى، مثل "آبل"، و"إنفيديا"، و"مايكروسوفت"، والتي كانت قد شهدت انخفاضاً في قيمة أسهمها خلال الأسبوع الذي سبق إعلان الإعفاء.
وبلغت قيمة واردات الولايات المتحدة من الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية من الصين نحو 74 مليار دولار العام الماضي، ما يجعلها في صدارة السلع المستوردة من حيث القيمة.
واستفادت شركة "آبل" تحديداً من هذا الإعفاء، نظرًا لاعتمادها الكبير على الصين في مختلف مراحل سلسلة التوريد الخاصة بها.
رسوم مرتفعة على سلع أخرى
فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية تصل إلى 125% على بعض السلع الاستهلاكية الصينية، ما أثار قلقًا لدى المتسوقين الأمريكيين، وأوضح الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، تشاد باون، أن نطاق الإجراءات وسرعة تنفيذها يزيدان من احتمال أن يتحمل المستهلكون التكلفة النهائية لهذه الرسوم.
وأكد باون أن هذه الجولة الجديدة من الرسوم تأتي بمستويات عليا وسرعة كبرى، وتمس عدداً أكبر من السلع اليومية التي لم تتأثر خلال الفترة الأولى من حكم ترامب.
وهددت الرسوم الجديدة أيضاً بزيادة تكلفة الحفاظ على برودة المنازل خلال فصل الصيف، خصوصًا أن 90% من المراوح الكهربائية و40% من وحدات التكييف المحمولة المستوردة إلى الولايات المتحدة جاءت من الصين.
وجاءت 90% من أفران الميكروويف المستوردة من الصين، ما يجعل هذه السلع عرضة لارتفاعات كبيرة في الأسعار، وتسيطر الصين على نحو 75% من سوق التصدير العالمي في هذه الأجهزة.
صعوبة إيجاد بدائل
أشارت المسؤولة السابقة في وزارة التجارة البريطانية، آلي رينيسون، إلى أن الشركات الأمريكية والغربية بدأت منذ سنوات بنقل بعض سلاسل التوريد من الصين إلى دول آسيوية أخرى، لكنها حذّرت من أن هذا التحول لا يكفي لتفادي تداعيات الرسوم، خاصة أن العديد من المواد الخام وقطع الغيار لا تزال تُستورد من الصين.
وأوضحت رينيسون أن التحدي لا يكمن فقط في إيجاد موردين جدد، بل في الشروط التي قد تفرضها الولايات المتحدة على الدول التي تُستورد منها السلع، ولفتت إلى أن المنتجات الإلكترونية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الألعاب تتطلب سلاسل إمداد معقدة وقدرات تقنية يصعب توفرها خارج الصين في المدى القصير.
وأكّد الأستاذ بكلية إدارة الأعمال في جامعة ولاية ميشيغان، جيسون ميلر، أن نقل التصنيع بشكل سريع إلى دول أخرى سيكون صعبًا، خاصة في قطاعات تحتاج إلى تدريب عمالة وبناء سلاسل إمداد جديدة، مثل قطاع الهواتف الذكية.
وأشار ميلر إلى أن "آبل"، على سبيل المثال، لن تتمكن من تغطية كامل السوق الأمريكية من خلال مصانعها في الهند، حتى لو نقلت جميع عمليات إنتاج "آيفون" إلى هناك، إذ إن ذلك قد يغطي نصف الشحنات فقط، والتي تبلغ أكثر من 50 مليون جهاز سنويًا.
التخوّف من نقص المعروض
صُنع أربعة من كل خمسة أجهزة ألعاب وهواتف ذكية استوردتها الولايات المتحدة من الصين خلال العام الماضي، ما يجعل استمرار الرسوم الجمركية عبئاً حقيقياً على المستوردين.
ورغم أن ترامب لم يستبعد إعفاءات مستقبلية لبعض الشركات، يظل قلق المستهلكين قائمًا بشأن إمكانية اختفاء بعض المنتجات من السوق.
وأشار ميلر إلى أن أكبر تخوف لدى المستهلكين يتمثل في احتمال توقف المستوردين عن جلب بعض السلع من الصين، خشية عدم القدرة على تعويض تكلفة الرسوم عبر رفع الأسعار.