«نيويورك تايمز»: تقرير يكشف كيف فجّرت الأكاذيب الرقمية شغباً واسعاً في بريطانيا

قصور القانون أسهم في نشر الشائعات

«نيويورك تايمز»: تقرير يكشف كيف فجّرت الأكاذيب الرقمية شغباً واسعاً في بريطانيا
سرعة انتشار الأكاذيب الرقمية

أكد تقرير صادر عن لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان البريطاني أن القوانين الحالية التي تُنظّم التصريحات الرسمية في القضايا الجنائية أصبحت غير ملائمة لعصر وسائل التواصل الاجتماعي، وأسهمت في انتشار معلومات مضللة على نطاق واسع بعد هجوم دموي وقع في يوليو الماضي.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" أشار التقرير، الذي صدر، اليوم الاثنين، إلى أن القيود القانونية منعت الشرطة من التصدي السريع للشائعات التي أعقبت هجومًا شنّه مراهق داخل فصل لتعليم الرقص بأسلوب المغنية تايلور سويفت في بلدة ساوثبورت بإنجلترا، والذي أسفر عن مقتل ثلاث فتيات، وفي أعقاب الهجوم، انتشرت عبر الإنترنت مزاعم غير صحيحة تُشير إلى أن الجاني مهاجر مسلم غير موثق.

ثغرات قانونية

أوضحت اللجنة البرلمانية، التي أجرت تحقيقًا استمر أربعة أشهر وشمل استجواب مسؤولين حكوميين ورؤساء شرطة وعمال طوارئ، أن نقص المعلومات الرسمية بعد الهجوم أوجد فراغًا ملأته الشائعات المغلوطة.

وأرجعت اللجنة هذا القصور إلى تشريعات قديمة تهدف إلى حماية نزاهة المحاكمات، لكنها لم تُعدّل لتتماشى مع السرعة التي تنتشر بها المعلومات في العصر الرقمي.

وأكد التقرير أن تأخر الشرطة في التصريح بأن الجاني وُلِد في بريطانيا وأنه ليس مسلمًا سمح بتضخم روايات خاطئة على منصات مثل موقع "اكس"، والتي وصلت إلى ملايين المستخدمين قبل تصحيحها.

ملايين المشاهدات لمعلومات كاذبة

سجل التقرير أن أولى الشائعات الكاذبة، التي زعمت أن المهاجم مهاجر مسلم، نُشرت بعد نحو ساعتين فقط من وقوع الجريمة، وحققت أكثر من 3.8 مليون مشاهدة، أما الادعاء الثاني، والذي نسب الجريمة زورًا إلى شخص يُدعى "علي الشكاتي" وألمح إلى أنه مدرج على قائمة مراقبة استخباراتية، فقد بلغ عدد مشاهداته حوالي 27 مليون خلال أقل من يوم.

ورغم أن الشرطة أوضحت لاحقًا أن المهاجم يُدعى أكسل روداكوبانا، وُلد في ويلز ونشأ في بريطانيا وسط أسرة مسيحية من أصل رواندي، إلا أن هذا التوضيح جاء بعد أن استقرّت الرواية الكاذبة في أذهان شريحة واسعة من الناس.

وأسفرت الشائعات عن اندلاع موجة من أعمال الشغب في ساوثبورت وعدة مدن بريطانية، تخللتها احتجاجات استهدفت مساجد وفنادق تؤوي طالبي لجوء، وأُضرمت النيران في مبانٍ مأهولة.

ووفق التقرير، أصيب أكثر من 300 شرطي في هذه الأحداث، فيما بلغت تكلفة الاستجابة الأمنية نحو 28 مليون جنيه إسترليني (نحو 36 مليون دولار).

وأفادت اللجنة بأن شرطة ميرسيسايد، وهي الجهة المسؤولة عن التحقيق في الهجوم، وُضعت في موقف صعب قانونيًا حال دون كشف بعض الحقائق، وأوضحت أن الشرطة تلقّت توجيهات متضاربة من هيئة الادعاء الملكية بشأن ما يمكن الإفصاح عنه للرأي العام دون الإخلال بسلامة الإجراءات القضائية.

دعوات لإصلاح القانون

نص التقرير على أن قانون ازدراء المحكمة، الذي يهدف إلى حماية المحاكمات من التأثير الخارجي ويعود تاريخه إلى عام 1981، لا يلائم التحديات التي تفرضها منصات التواصل الحديثة، واعتبر أن استمرار تطبيق هذا القانون بصيغته الحالية "يُقوّض ثقة الجمهور" ويسمح بنمو روايات كاذبة ومُغرضة.

وأكدت رئيسة لجنة الشؤون الداخلية والبرلمانية عن حزب المحافظين، كارين برادلي، أن "جهات سيئة النية" استغلت هذا الصمت الرسمي لنشر أخبار كاذبة، وأضافت أن "غياب المعلومات الدقيقة فتح المجال أمام الأكاذيب لتنتشر وتزدهر عبر الإنترنت، مما زاد من هشاشة ثقة المواطنين بالسلطات".

ومن جانبها، صرّحت قائدة شرطة ميرسيسايد، سيرينا كينيدي، بأن الشرطة كانت تخطط لإصدار بيان رسمي ينفي شائعة انتماء الجاني إلى الإسلام، لكن هيئة الادعاء أبلغتها شفهيًا بعدم المضي في ذلك حتى لا يُعدّ ذلك تدخلًا في سير العدالة.

مراجعة قانونية مرتقبة

أطلقت لجنة القانون في إنجلترا وويلز مراجعة رسمية لقانون ازدراء المحكمة في أعقاب هذه الحادثة، في محاولة لتكييفه مع الواقع الجديد. وأكدت هيئة الادعاء الملكية، في بيان رسمي، دعمها لمراجعة التشريع لجعله أكثر وضوحًا وبساطة، لا سيما حين يتعلق الأمر بقضايا تمس الأمن العام أو المصلحة العامة.

وخلص تقرير اللجنة البرلمانية إلى أنه "من غير الممكن الجزم بأن الأحداث العنيفة كان يمكن تجنبها لو توفرت المعلومات من البداية"، لكنه شدد على أن الفراغ المعلوماتي الذي أعقب الهجوم ساهم بوضوح في إشعال الفتنة وتأجيج الكراهية، داعيًا إلى تحديث القوانين بما يضمن الشفافية دون المساس بحقوق المتهمين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية