«فايننشيال تايمز»: واشنطن تُخاطر بفقدان نفوذها الدولي ومكانتها الاقتصادية
«فايننشيال تايمز»: واشنطن تُخاطر بفقدان نفوذها الدولي ومكانتها الاقتصادية
شهدت الساحة الاقتصادية العالمية في الآونة الأخيرة تصاعدًا حادًا في حالة عدم اليقين السياسي والتجاري، بالتزامن مع تغيرات جذرية في توجهات السياسة الأمريكية، خصوصًا في ما يتعلق بالتجارة العالمية والانخراط في المؤسسات المالية الدولية، ترافق ذلك مع موجة من التقلبات الحادة في الأسواق المالية، وتراجع واضح في مؤشرات الثقة لدى المستثمرين وصناع القرار، ما أسهم في تشكيل بيئة هشة تُنذر بتحولات عميقة في النظام الاقتصادي العالمي.
وفي هذا الإطار، نشر إدوين ترومان، الباحث في مركز موسافار في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ومساعد وزير الخزانة الأمريكية الأسبق للشؤون الدولية، مقالًا تحليليًا في صحيفة "فيننشيال تايمز"، طرح فيه سيناريو خطِرًا قد يُحدث زلزالًا في النظام المالي العالمي: "انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي".
وأثار "مشروع 2025"، وهو وثيقة سياسية مثيرة للجدل وضعتها مؤسسة "هيريتدج فاونديشن" المقربة من التيار المحافظ الأمريكي، جدلًا واسعًا، إذ دعا صراحة إلى انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي، استندت هذه الدعوة إلى انتقادات للصندوق بأنه يتبنى نظريات اقتصادية تتعارض مع مبادئ السوق الحرة والحكومة المحدودة التي تؤمن بها النخبة السياسية المحافظة في واشنطن.
وهاجم مؤيدو المشروع سياسات الصندوق باعتبارها "عائقًا أمام السيادة الأمريكية"، كما شبّه بعضهم الانسحاب المحتمل بخطوات الرئيس دونالد ترامب التي شملت الخروج من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية وغير ها من المنظمات الدولية.
خسارة أمريكا لنفوذها
أكد ترومان أن أي خطوة نحو الانسحاب من صندوق النقد الدولي ستُعد بمثابة "تخلٍّ طوعي عن نفوذ استراتيجي بالغ الأهمية"، فإذا قررت واشنطن فعليًا الانسحاب، فإنها ستفقد قدرتها على التأثير في سياسات الصندوق، وعلى توجيه قراراته تجاه دول ومناطق حيوية للمصالح الأمريكية.
وتشكّل الولايات المتحدة أكبر مساهم مالي في الصندوق، وتمنحها هذه المساهمة حصة تصويتية كبيرة تُمكنها من عرقلة أو تمرير القرارات المحورية، وقد يؤدي انسحابها إلى إعادة توزيع تلك الحصة لأجل قوى عالمية منافسة، وعلى رأسها الصين.
وكشف ترومان، أن الدولار الأمريكي يُمثل حاليًا 43% من وزن "حقوق السحب الخاصة" – وهي أصل احتياطي دولي معتمد في صندوق النقد الدولي، إلى جانب اليورو، اليوان الصيني، الين الياباني، والجنيه الاسترليني.
وحذّر من أنه في حال خرجت الولايات المتحدة من الصندوق، فلن تعود عملتها مؤهلة للبقاء ضمن هذه السلة، بما أن حقوق السحب الخاصة تقتصر على عملات الدول الأعضاء فقط، وعندها، سيُعاد تقييم الوزن النسبي لكل عملة، وسيتزحزح الدولار عن مركزه الأول، ما يُتيح لليوان أو اليورو منافسته أو حتى تجاوزه.
خسارة أمريكا مركزها كداعم
أشار المقال إلى أن غالبية المعاملات والتمويلات التي ينفذها صندوق النقد الدولي تتم بالدولار، وهو ما يجعل منه أداة هيمنة نقدية أمريكية غير مباشرة، ولكن، إذا انسحبت واشنطن، فلن يعود الصندوق مُلزمًا باستخدام الدولار، وستضطر الدول المقترضة للحصول على عملات بديلة مثل اليورو أو اليوان، وهو ما سيُقلص مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية رئيسية.
ورجّح ترومان أن تُسارع الصين إلى ملء الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة، من خلال رفع وزن عملتها في الصندوق، والاستحواذ على جزء من الحصة التصويتية الأمريكية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، متوقعًا سعي بكين لنقل مقر الصندوق من واشنطن إلى الصين في حال تصاعد نفوذها داخله.
وشدد على أن الانسحاب الأمريكي لن يؤدي فقط إلى تراجع التأثير السياسي الأمريكي في المؤسسات المالية العالمية، بل سيُفقد واشنطن أيضًا إحدى قنوات الدعم والمساعدة التي تقدمها للدول الحليفة، خصوصًا في فترات الأزمات.
تراجع تأثير العقوبات
أوضح ترومان أن الانسحاب سيؤدي إلى تفكيك المنظومة التي تمنح المؤسسات المالية الأمريكية تفوقًا عالميًا، إذ إن هذه المؤسسات تعتمد جزئيًا على قربها من مركز إصدار الدولار – أي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وأشار إلى أن العقوبات المالية التي تفرضها واشنطن -والتي تعد من أدوات سياستها الخارجية الأساسية- ستُصبح أقل فعالية إذا ما فقد الدولار مكانته كعملة تمويل دولي أساسية.
واختتم ترومان مقاله بالتأكيد أن خطوة كهذه ستكون "انتحارًا استراتيجيًا" على حد وصفه، إذ إنها تُجرد الولايات المتحدة من أدوات القوة المالية والدبلوماسية، وتُتيح لمنافسين مثل الصين توسيع نفوذهم بسرعة داخل النظام العالمي.