«الإيكونوميست»: إهانات ترامب تضعف الرابط التاريخي بين ضفتي الأطلسي
«الإيكونوميست»: إهانات ترامب تضعف الرابط التاريخي بين ضفتي الأطلسي
أعرب شبّان هولنديون عن استيائهم من السياسات الأمريكية الأخيرة، مشيرين إلى الضرائب الجمركية باعتبارها رمزًا للتوتر المتزايد، وفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، الثلاثاء.
تجول رفح، البالغ من العمر 18 عامًا، وصديقه كريس، في إحدى الحدائق بمدينة أرنهيم الهولندية، قرب الجسر الذي خُلد في فيلم "جسر بعيد جدًا"، وتحدثا عن شعورهما بالخذلان من الولايات المتحدة، قال كريس بمرارة: "كنا حلفاء أقوياء، لكن ترامب تخلى عنا.. أشعر وكأن صديقًا مقربًا خان الثقة، ولا يمكن الاعتماد عليه مجددًا".
يتزامن تصاعد هذا الغضب الشعبي مع ذكرى يوم التحرير في الخامس من مايو، والذي يمثل بالنسبة للهولنديين ما يمثله الرابع من يوليو للأمريكيين، وعلى الرغم من الامتنان التاريخي تجاه الجنود الأمريكيين الذين ساهموا في تحرير البلاد من الاحتلال النازي، باتت هذه الذكرى تُستحضر اليوم وسط شعور بالخيانة السياسية.
وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "إبسوس" في أبريل 2024 أن نسبة الهولنديين الذين يتوقعون دورًا إيجابيًا لأمريكا في العالم تراجعت إلى 20%، مقارنة بـ50% فقط قبل ستة أشهر.
تراجع الثقة في واشنطن
انخفضت مؤشرات الثقة الأوروبية في الولايات المتحدة بشكل واسع، خصوصًا في ظل التوجهات الانعزالية والحمائية التي ميزت عهد ترامب، تقبّل البعض في ولايته الأولى أن الأمر قد يكون استثناءً مؤقتًا، لكن إعادة انتخابه أصبح مدعاة قلق عميق، حيث يشير إلى تحوّل جوهري في المزاج الأمريكي، حيث فرض ترامب ضرائب جمركية أثارت غضب الأوروبيين، ووجّه انتقادات لحلف شمال الأطلسي، وأثار شكوكًا حول التزامات أمريكا الأمنية تجاه القارة.
وقلّل مسؤولون أوروبيون من أهمية نائبه جيه دي فانس، إلا أن تعليقاته المهينة عن أوروبا زادت من حدة الاستياء.
وتقول أغاث ديماريس من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "الضغوط تأتي من جميع الاتجاهات؛ الدفاع، والحروب التجارية، وأوكرانيا"، ويسعى صانعو القرار في أوروبا اليوم إلى تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة دون إثارة عدائها.
تحوّل في المزاج السياسي
فقدت ألمانيا، إحدى أقوى حلفاء واشنطن سابقًا، ثقتها في العلاقة عبر الأطلسي، يقول المدير السابق للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، غونترام وولف، إن بنية السياسة الخارجية الألمانية خلال العقود الثمانية الماضية كانت تعتمد بشكل أساسي على تحالف قوي مع أمريكا، لكن مع ازدياد نبرة الخطاب المعادي لأوروبا من المسؤولين الأمريكيين، بدأ سياسيون ألمان، مثل فريدريش ميرز، يطالبون باستقلالية استراتيجية وتعزيز الإنفاق الدفاعي.
ويستذكر النائب عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، نيلز شميد، الحقبة التي كانت فيها أمريكا رمزًا للديمقراطية وسيادة القانون، إلا أن ظهور شخصيات مثل إيلون ماسك، بدعمه لأحزاب يمينية متطرفة ألمانية، أدى إلى شعور متنامٍ بأن بعض النخب الأمريكية تتعمد إضعاف الديمقراطية الأوروبية.
وظلت هولندا لعقود من أكثر الدول الأوروبية قربًا للولايات المتحدة، نظرًا للقيم المشتركة والعلاقات التجارية الوثيقة، واستفادت البلاد، التي تمتلك أحد أكبر موانئ أوروبا، من النظام الاقتصادي الليبرالي العالمي الذي قادته واشنطن، لكن كبيرة الاقتصاديين في بنك إيه بي إن أمرو ، ساندرا فيليبين، ترى أن "الهولنديين يشعرون اليوم بالخذلان".
وتضيف بياتريس دي غراف، المتخصصة في الأمن بجامعة أوتريخت، أن الشعب الهولندي، المعروف بنزعته العملية وغير الإيديولوجية، بدأ يشكك في القيم التي طالما جمعته بالأمريكيين، مشيرة إلى "قلق عميق من الانعطاف اليميني المتطرف الذي تتخذه واشنطن".
باريس تسير في طريق الانفصال
قد لا تكون المفاجأة كبيرة في فرنسا، التي لطالما عبّرت عن مواقف متحفّظة تجاه الولايات المتحدة، ومنذ توليه الرئاسة عام 2017، دعا إيمانويل ماكرون إلى استقلال استراتيجي أوروبي، ووصف حلف الناتو في مقابلة مع "الإيكونوميست" عام 2019 بأنه في حالة "موت دماغي".
وحتى اليمين المتطرف الفرنسي، مثل حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان وجوردان بارديلا، اختار أن ينأى بنفسه عن ترامب، خوفًا من الإضرار بقاعدته الشعبية، وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة IFOP في مارس 2024 أن 62% من الفرنسيين يؤيدون مقاطعة المنتجات الأمريكية.
وفي إيطاليا والمجر، حيث تمسك أحزاب يمينية متشددة بالسلطة، لا تزال المشاعر المؤيدة لأمريكا قوية نسبيًا، تشارك رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في مواقف عديدة مع ترامب، لكنها فشلت في إقناعه بإعفاء الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية خلال زيارتها الأخيرة لواشنطن.
وفي المجر، حيث يحكم فيكتور أوربان، لم يتغير المزاج كثيرًا تجاه أمريكا، خاصة مع استمرار الدعم الإعلامي الأمريكي للتيارات المحافظة في أوروبا الشرقية.
ويظل نصف البولنديين يثقون بالدور الأمريكي عالميًا، رغم تراجع الدعم بنسبة 20% خلال ستة أشهر فقط.
ويقول ياكوب جاراتشيفسكي، من منظمة "ديموكراسي ريبورتينغ إنترناشونال"، إن وجود الجنود الأمريكيين على الأراضي البولندية يبقى بالنسبة للبولنديين الضمان الأهم ضد روسيا.
إعادة تعريف معنى "الغرب"
تغيرت ملامح النظرة الأوكرانية إلى الولايات المتحدة بشكل لافت، وأظهر استطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في مارس 2024 أن أغلب الأوكرانيين لم يعودوا يعتبرون أمريكا شريكًا منصفًا.
قال 64% من المشاركين إن أوروبا وحدها تدعم أوكرانيا، بينما اعتبر 62% أن "الغرب" ككل يقف إلى جانبهم، يقول فولوديمير بانيوتو، مدير المعهد: "عندما يقول الأوكرانيون الغرب، فإنهم على الأرجح لا يقصدون الولايات المتحدة".
قد ترسخت الشراكة الأوروبية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كتحالفٍ يتجاوز الجغرافيا، ويعتمد على قيم ومصالح مشتركة، اعتبر الأوروبيون أمريكا قائدة سياسية وثقافية، وضامنًا عالميًا للحرية، لكن اليوم، يشعر كثيرون أن هذا الفصل قد انتهى تقول ساندرا فيليبين: "بالنسبة لنا في هولندا، انتهت العلاقة مع أمريكا.. لم تعد صديقة".